"هيومن رايتس ووتش": لا أمان في سورية يسهّل عودة اللاجئين إليها

04 يوليو 2024
شاحنات تحمل لاجئين سوريين لمغادرة لبنان، 14 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين**: أكدت "هيومن رايتس ووتش" أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وأن فكرة "المناطق الآمنة" هي وهم خطير.
- **انتهاكات حقوق الإنسان**: اللاجئون العائدون يواجهون مخاطر كبيرة، بما في ذلك الاعتقال والاختفاء وتدمير الممتلكات، مما يجعل الحياة في سوريا شبه مستحيلة.
- **الأوضاع المزرية**: تتوزع سوريا بين سلطات متعددة لا تراعي حقوق الإنسان، مما يؤدي إلى ظروف معيشية صعبة وانتهاكات حقوقية، ويدفع الشباب للهجرة بطرق غير قانونية.
أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الخميس، أنه لا أمان في سورية يُسهّل عودة اللاجئين إليها، معترضة على توجّه و"أوهام" دول أوروبية للترويج لفكرة أن هناك مناطق آمنة لن تكون سوى "مكبّ لإلقاء اللاجئين حيث السلامة مجرد مهزلة".
وقالت إنه "بعد اندلاع الحرب الأهلية في سورية بفترة وجيزة، روّجت البلدان التي كانت تواجه آنذاك احتمال استضافة لاجئين سوريين فكرة إنشاء "مناطق آمنة داخل سورية" يمكن إعادة اللاجئين إليها، رغم أن تلك المناطق تاريخياً لم تكن آمنة، وكانت خطيرة. وأضافت "حاولت تركيا بدورها إقامة مثل هذه المنطقة، التي تبيّن أنها كانت من بين أخطر الأماكن في البلاد". مشددة "لم ترتدع  بعض دول الاتحاد الأوروبي وعادت إلى طرح هذا الموضوع مجدداً".

لا أمان في سورية

وشدد مدير قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في المنظمة، بيل فريليك، الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، على أنه "لا توجد منطقة آمنة في سورية، سواء كانت تحت سيطرة النظام السوري أم لا". وانتقد الدعوات التي تصدر من دول أوروبية لـ"إنشاء مناطق آمنة داخل البلاد يمكن إعادة اللاجئين إليها"، معتبراً ذلك "وهماً خطيراً"، مطالباً المسؤولين الأوروبيين بإدراك هذه الحقيقة.
وتأتي تصريحات فريليك بعد أيام قليلة عن كشف صحيفة "ذا ناشيونال" عن خطة لتقصّي الحقائق بهدف إنشاء "مناطق آمنة" في سورية، يجري الإعداد لها أوروبياً بقيادة تشيكية، لمواجهة معضلة استمرار تدفق اللاجئين السوريين الى دول أوروبية، وخاصة ألمانيا وهولندا والسويد.
وفي السياق ذاته، قال ممثل المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة في جنيف، سيمون مانلي، الأربعاء، إن اللاجئين العائدين إلى سورية "ينتظرهم مصير غير مؤكد ومليء بالمخاطر"، مشيراً إلى أنه "لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان منهجية ومنتشرة على نطاق واسع". 
وفي كلمة خلال الحوار التفاعلي مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية، بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، أكد مانلي أن الشعب السوري "لا يزال يعيش في حالة من عدم اليقين وانعدام الأمن، في غياب حماية سيادة القانون". وأضاف أن "وصول المساعدات الإنسانية محفوف بالمخاطر، وكثيراً ما يكون المدنيون ضحايا أبرياء للعنف والهجمات التي يشنها نظام الأسد وحلفاؤه الروس والجماعات المسلحة". 
من جهته، أفاد رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية، باولو سيرجيو بينهيرو، خلال الدورة 56 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، بأن السوريين يواجهون خطر الترحيل والعودة القسرية بشكل متزايد. وأكد أن اللاجئين الذين عادوا في الفترة الأخيرة من البلدان المجاورة، يواجهون خطر الاعتقال أو الاختفاء، أو أن يجدوا منازلهم ومزارعهم مدمرة، حيث لا سبيل لكسب الرزق في سورية.
وتظهر نظرة على الجغرافيا السورية توزعها بين عدة سلطات لا تراعي الحدود الدنيا لحقوق الانسان، بل تعمد إلى كل إجراءات القمع والترهيب. وفي مناطق النظام السوري لا تزال السطوة الأمنية على أشدها، فضلاً عن الظروف الاقتصادية والمعيشية المزرية التي تدفع السكان إلى بيع أملاكهم لتأمين تكاليف هجرة الشباب على الأقل، عبر طرق غير قانونية إلى أوروبا.
ويسيطر النظام السوري على محافظات: دمشق، وريف دمشق، ودرعا والسويداء، وحمص وحماة، وحلب واللاذقية وطرطوس، وأجزاء من محافظات إدلب والرقة ودير الزور.
من جانبها، أجبرت الدولة اللبنانية، مؤخراً، عدداً من اللاجئين السوريين على العودة إلى مناطق النظام، ما عرّض العشرات منهم للاعتقال من قبل أجهزة النظام الأمنية، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وقالت في تقرير لها، الأربعاء، إن عمليات اعتقال استهدفت اللاجئين السوريين ممن أعيدوا قسراً من لبنان في منطقة الحدود السورية اللبنانية عند معبر المصنع، بعد قيام الجيش اللبناني بحملات دهم واعتقال استهدفت اللاجئين السوريين في لبنان، وترحيلهم إلى الحدود السورية اللبنانية، واقتيد معظمهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنية والعسكرية في محافظتي حمص ودمشق. وأوضحت الشبكة أنها وثقت منذ مطلع العام الجاري اعتقال ما لا يقل عن 126 شخصاً من اللاجئين الذين أعيدوا قسراً من لبنان.
وذكر "محمود أ" وهو من أبناء ريف حلب الجنوبي في حديث مع "العربي الجديد"، أنه تعرض للاعتقال فور وصوله الأراضي السورية بعد عودته من لبنان مطلع العام الجاري، مشيراً إلى أنه بقي أكثر من شهرين لدى الأجهزة الأمنية في حمص قبل إطلاق سراحه. وأكد أنه نادم لإضاعته فرصة الهجرة إلى كندا من خلال الأمم المتحدة قبل عدة سنوات، مضيفاً "كنا نعتقد أن الأوضاع في سورية ستتحسن، إلا أن هذا الإحساس كان وهماً. البلاد تتجه للأسوأ". 
بدوره، قال محسن الإبراهيم، وهو من سكان ريف الرقة، إنه تعرض للتعذيب في جهاز الأمن العسكري في حمص أواخر العام الماضي بعد قدومه من لبنان، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد" أنه اعتقل داخل مدينة حمص وهو يستعد للسفر إلى قريته شمال شرقي سورية. وأضاف "بقيت عدة أشهر في المعتقل من دون تهمة واضحة، حتى استطعت جمع ملايين الليرات لأحد المحققين ليفرج عني". وشدد على أنه لن يدخل بعد الآن منطقة تحت سيطرة النظام السوري، "في حال عودة هذا النظام إلى شمال شرقي سورية، سأهاجر حتى لو كلفني ذلك حياتي".
ولا تبدو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أفضل حالاً، ففي الشمال الغربي من سورية، تفرض "هيئة تحرير الشام" سيطرة كاملة على ملايين السوريين وجلهم نازحون، وتطبق عليهم قوانين متشددة، ومن ثم فهي ليست آمنة لعودة اللاجئين. وكذلك الحال في أماكن سيطرة فصائل المعارضة في شمال سورية، حيث تُجبر السلطات التركية اللاجئين المرحلين من أراضيها على العودة إليها، حيث فرص العمل النادرة وغياب القانون وفرض الإتاوات على الناس، فضلاً عن نقص الرعاية الطبية وتراجع التعليم.
كما تفرض قوات سوريا الديمقراطية (قسد) سيطرتها على الشمال الشرقي من سورية الذي يضم محافظة الحسكة وأجزاء من محافظات: الرقة ودير الزور، وريف حلب. ويعيش سكان المنطقة من عرب وكرد في ظل أوضاع معيشية صعبة رغم غنى مناطقهم بالثروات. وتضع هذه القوات من خلال الإدارة الذاتية شتى العراقيل أمام الحريات السياسية، حيث تعتقل المعارضين والمخالفين لها من مختلف المشارب السياسية. وتدفع الأوضاع المتردية شباب المنطقة للمغامرة بحياتهم والعبور إلى الأراضي التركية، عبر مسارات تهريب صعبة محفوفة بالمخاطر للعبور عبر طرق أخرى أكثر خطورة إلى بلدان أوروبية.