على أنقاض منزله المدمر بحي البستان في بلدة سلوان، يمضي المقدسي فخري أبو دياب يومه رفقة أحفاده، رغم مرور نحو أسبوعين على هدم جرافات بلدية الاحتلال في القدس المنزل بذريعة البناء غير المرخص. كان منزل أبو دياب واحداً من نحو مائة منزل يتهددها الهدم في حي البستان إلى الجنوب من المسجد الأقصى، وذلك ضمن مخطط استيطاني يطلق عليه اسم "حديقة الملك"، تعتزم سلطات الاحتلال إقامته على أنقاض تلك المنازل التي يقدر عدد أفرادها بنحو 1500 نسمة.
فقد أبو دياب منزله بعد صراع قضائي بدأ قبل نحو عشرين عاماً، وشهد عشرات الجلسات في محاكم الاحتلال المختلفة، في واحدة من أكثر معارك الصمود التي يخوضها المقدسيون دفاعاً عن منازلهم في الحي الواقع في بلدة سلوان، والتي تعد قلعة الدفاع عن المسجد الأقصى.
يصر أحفاد أبو دياب على التواجد مع جدهم وجدتهم يومياً عند أنقاض منزل العائلة الذي هدمه الاحتلال، فالمنزل بالنسبة لهم ليس مجرد حجارة، بل هو حياة كاملة وذكريات طفولة تأسست بين جدرانه الأربعة، بدأت صغيرة حين ولد الأبناء، واستمرت بولادة الأحفاد الذين لم يتركوا جدهم وجدتهم وحيدين، وقرروا البقاء معهما خلال استرجاع ذكرياتهما. يقول لـ"العربي الجديد": "شتتنا هدم المنزل بعد أن كنا أصحاب بيت، وانتقل أولادي الذين لديهم أطفال إلى السكن في بيوت بالإيجار، ودفنت ملابسنا وأغراضنا وذكرياتنا تحت الركام، وعدنا إلى نقطة الصفر. لقد هدموا حياتنا، وهدموا أحلامنا وكل ذكرياتنا، لكنهم لن يلغوا وجودنا في الحي، وفي بلدتنا التي نحبها، والتي تمتد جذورنا في ترابها".
كان المنزل بالنسبة للعائلة وطناً يضمن أفراد الأسرة البالغ عددها عشرة أشخاص، والتي أمضت فيه نحو أربعين عاماً قبل أن تقرر بلدية الاحتلال في القدس هدمه. لم يكسر الهدم العائلة المقدسية، ولم يفت من عضد رب العائلة الذي أمضى نحو عقدين من الزمان يدافع عن بيته، وعن عشرات المنازل الأخرى في الحي، وفي جميع أحياء القدس، مثل الشيخ جراح، ووادي الربابة، وظل ينافح عن حق أصحاب المنازل في مواجهة رحلة معاناة شاقة للتصدي لمخططات بلدية الاحتلال.
يضيف أبو دياب: "نحاول في هذه المرحلة قدر الإمكان إصلاح ما يمكن إصلاحه قبل حلول شهر رمضان، وربما نبني غرفة واحدة لي ولزوجتي رغم صعوبة الأمر وكلفته الكبيرة، كما أن الحالة النفسية صعبة، فهدم المنزل كان بمثابة هدم أسرة، وتدمير ماض ومستقبل".
تحول فخري أبو دياب وأسرته إلى ضحايا بعد أن كان واحداً من أبرز المدافعين عن حق المقدسيين في البقاء بمدينتهم، لكنه يدرك جيداً أن ما تعرضت له عائلته يندرج في سياق مخطط التهجير والترحيل القسري لعموم المقدسيين، ويؤكد أن بلدية الاحتلال نفذت عملية الهدم بتعليمات سياسية، ووفق دوافع انتقامية لدوره في التصدي لسياساتها بحق المقدسيين، خاصة في بلدة سلوان التي تحظى بنصيب الأسد من عمليات الهدم في أحيائها المختلفة، سواء في حي البستان، أو في عين اللوزة، أو وادي حلوة، أو بطن الهوى، أو وادي الربابة.
ويتكثف في هذه الأحياء جميعاً وجود المستوطنين، وإقامة البؤر الاستيطانية التي وصل عددها إلى أكثر من ثمانين بؤرة استيطانية، أشهرها وأكبرها مقر جمعية العاد الاستيطانية، والتي منحتها الحكومة الإسرائيلية قبل عقد من الزمان، مسؤولية إدارة التجمعات الاستيطانية فيما يطلق عليه "الحوض المقدس"، وهي منطقة جغرافية تمتد على تخوم أسوار البلدة القديمة والمسجد الأقصى.
وبينما تعزز بلدية الاحتلال في القدس ودوائر الاحتلال المختلفة البناء الاستيطاني في بلدة سلوان، وخصوصا في حي البستان، وتدعم وجود المستوطنين هناك، فإنها تمنع بضراوة أي بناء فلسطيني في المنطقة. وتذهب بلدية الاحتلال في القدس إلى أبعد من منع البناء الفلسطيني في بلدة سلوان، وصولاً إلى التنصل من كل الاتفاقيات الموقعة مع سكان حي البستان بعد أن رفضت المخططات الهندسية التي طلبتها سابقاً من الأهالي كمخطط بديل عن هدم منازلهم، ورفضت أيضاً تمديد تجميد أوامر الهدم التي أصدرتها ضد منازل الحي.