هكذا استشهدت الفلسطينية هبة العبادلة مع أمها وابنتها

09 فبراير 2024
هبة ووالدتها وابنتها (فيسبوك)
+ الخط -

نادى الاحتلال الإسرائيلي على كل قاطني قرية القرارة الواقعة إلى شمال شرق مدينة خانيونس في قطاع غزة، طالباً منهم اللجوء إلى بيت قريب. وبعد دقائق، أطلق قذائفه الصاروخية نحو البيت على مدى أيام عدة، ولم يتمكن أي طاقم تابع للدفاع المدني أو الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر من التوجه إلى المكان لإنقاذ المصابين ونقل الشهداء.

كان من ضمن الشهداء الشابة الفلسطينية هبة فؤاد العبادلة (30 سنة) وطفلتها جودي عواد ووالدتها رويدة الأسطل، وقد أُعلن استشهادهن جميعاً في التاسع من يناير/ كانون الثاني الماضي.
على بعد مئات الأمتار من منزلها، كانت عائلات قد تركت بيوتها ظناً منها أن منزل عائلة الأسطل الواقع بمنطقة السطر الغربي للغرب من خانيونس والذي أجبرهم جنود الاحتلال الإسرائيلي على النزوح إليه سيكون أكثر أمناً، لكنه قصف البيت لينهار فوق رؤوس ساكنيه وعددهم حوالي ستين، ومنع الاحتلال أي محاولة لإنقاذهم رغم رسائل الاستغاثة وصرخات المصابين. 
يقول نضال مصطفى الأسطل: "شعبنا يذبح ويشرّد ويغتال ولا نستطيع دفن شهدائنا. أخي الحاج نايف أبو طراش وأختي وأبناء عمي مروان وعادل وماهر وأنيس ومحمد ومدحت وابنة عمي وبنات أخواتي جميعهم وأولادهم وبناتهم شهداء". يضيف: "في التاسع من يناير الماضي، ناشدنا العالم والصليب الأحمر لجلب شهدائنا لنتمكن من دفنهم، إذ كانت جثثهم في منزل يقع في منطقة الربوات الغربية، الذي يملكه ابن العم الشهيد عادل محمد طراش الأسطل".
كتبت هبة في آخر رسائلها على وسائل التواصل الاجتماعي: "دعواتكم الصادقة لنا. الزميلات العزيزات. أنا وأهلي ومعنا 5 عائلات حوالي 30 سيدة و10 أطفال و20 شاباً ورجلاً موجودين في منطقة السطر الغربي شارع 5 والدبابات تحيط بنا. ندعو الله السلامة لنا جميعاً، ونُحملكم أن تنقلوا صوتنا في حال كتب الله لنا الشهادة". تابعت: "ثلاثة أيام من أصعب اللحظات التي يُمكن أن يمر بها الإنسان تحت صوت القذائف والاشتباكات وبقايا البيوت التي يتم استهدافها ويسقط ركامها فوق رؤوسنا ورائحة البارود والغاز ناهيك عن صوت تحرك الدبابات بجوارنا. نحتسب خوفنا وصبرنا عند الله، ونقول إننا كُلنا لسنا أرقام".


وتداولت وسائل الإعلام وناشطون على مواقع التواصل تفاصيل جريمة قتل أفراد العائلة، وأن المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحق عائلة الأسطل (فرع آل طراش) وصل عدد شهدائها إلى ما يزيد عن 60 شهيداً (8 عائلات شطبت من السجل المدني)، من بينهم المواطنة رويدة الأسطل وابنتها هبة العبادلة والحفيدة ديما عواد.
قبل شهرين فقط، أنهت الجدة رويدة الأسطل والدة هبة خياطة الزي المدرسي لجودي الحفيدة، معلنة فرحتها برؤية حفيدتها ترتدي ما حاكته يداها، وقد فعلت الأمر نفسه مع ابنتها هبة قبل أربعة وعشرين عاماً.  

درست الشهيدة هبة اللغة العربية والإعلام في جامعة الأزهر في غزة، وعملت مذيعة أخبار ومقدمة برامج لدى إذاعة "صوت الوطن"، ثم "راديو الأزهر"، ومع "إنترنيوز"، وكانت ناشطة شبابية ومجتمعية، وعرفتها صفحة "خانيونس تجمعنا" بأنها شخصية مجتمعية نسائية تمتعت بشخصية قيادية.
وكتبت هبة على ملفها الشخصي على موقع "فيسبوك": "فلسطينية الجنسية. خانيونسية العقلية. لا تكن سهلاً. كُن نداً صعباً. الصور هي جزء من ذكريات حياتنا المميزة".
أنهت هبة عامها الثلاثين في 14 يوليو/ تموز الماضي، وقد احتفلت بنفسها قائلة: "اكتشفت أن السعادة موجودة في الحاجات العادية، الابتسامة، والهدوء، والنوم بدري (باكراً)، ونسيم الفجر، وصوت الراديو. الخروجات العادية مع الناس العاديين اللي بحس معاهم بأحاسيس عادية، وكلامنا مع بعض بيبقى عادي. لا متزوق ولا فيه وعود نارية وتصريحات عنترية". 


تقول عنها صديقتها تغريد أحمد: "هبة من أصدق وأنبل من عرفت. وداعاً هبة. شرفك الله بالشهادة، ولم يترك ابنتك تبكيك وحيدة، لتنعمي وإياها بحياة آمنة وكريمة في جنات النعيم، والله لا نرثيك بل نغبطك على حسن الخاتمة. وداعاً حبيبتي إلى جنات الخلد إن شاء الله، وحسبنا الله ونعم الوكيل".
من جهته، يقول الصحافي الفلسطيني فتحي صبّاح: "تعرّفت على الصديقة هبة ابنة نادي الإعلام الاجتماعي في المعهد الفلسطيني للاتصال والتنمية قبل سنوات. كانت مثالاً ونموذجاً للصحافية والناشطة على شبكات التواصل الاجتماعي، ومتحدثة لبقة، وخطيبة ماهرة، وابتسامتها الجميلة لا تفارق وجهها. أوجع قلوبنا رحيلك يا هبة. أعزي نفسي وأصدقائي وزملائي في النادي والمعهد وعائلتها والأسرة الصحافية الفلسطينية برحيلها".

وعن صمود المرأة الفلسطينية، تقول تغريد: "المرأة الفلسطينية مناضلة وشهيدة وأم وزوجة وابنة وأخت وعاملة وربة بيت قادرة على مواجهة الصعاب، وتستحق من العالم بمؤسساته الدولية والإنسانية أن يقف أمام معاناتها وصمودها بكل احترام وتقدير".
ويلات الحرب أصابت كل بيت في قطاع غزة. وعن هذه الويلات، كتبت هبة في وقت سابق: "نحن في غزة اُناس عاديون، نطرب للموسيقى، نكذب، نرقص، نحب الظفائر والفطائر والفُسح. نحن بشر، نخطئ، نشتم، ونبكي، لا تنظروا إلى الأمهات اللواتي يزغردن في الجنازات، هؤلاء نسوة أفرغن الدموع زغاريد. نساء طارت عقولهن مع أول نقطة دم سالت من أجساد أولادهن الصغيرة".