هروب الأفغان... الغرب يبحث عن "صفقة تركية"

18 اغسطس 2021
محاولات للهروب من البلاد بأيّ ثمن (وكيل كوهسار/ فرانس برس)
+ الخط -

 

المشهد الأفغاني المسجّل في مطار كابول يبدو مأساوياً لدرجة أنّ لا بيانات صحافية تضامنية ولا مناشدات بالسماح بخروج الأفغان الراغبين في المغادرة، قادرة على تلطيف الواقع المرير وسط سيطرة حركة طالبان على أفغانستان.

على الرغم من مسارعة دول غربية، منها الدنمارك وإسبانيا وهولندا، إلى إطلاق وعود حول إجلاء الذين يوصفون بـ"المتعاونين" من أفغانستان، فإنّ هؤلاء يبدون وكأنّهم تُركوا لمصيرهم المجهول أو تأجّل موعد إجلائهم من بلادهم المأزومة، إذ يفضّل الغرب إجلاء رعاياه ودبلوماسييه بداية. ولا يبدو أنّ ثمّة أفقاً واضحاً لما سوف يحلّ بعشرات آلاف الراغبين في المغادرة، وهو على أقلّ تقدير ما أظهرته اللقطات التي توصَف بالمأساوية في مطار كابول مع سقوط ضحايا من جرّاء التدافع أو نتيجة تشبّثهم بإطارات الطائرات. يأتي ذلك في حين أنّ أوروبا لا تبدو في مزاج إعادة تجربة استقبال مئات آلاف اللاجئين مثل ما حدث في عام 2015، وفي حين أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم توفِ بوعودها الخاصة بإجلاء المتعاونين الأفغان معها.

وعلى الرغم من كلّ بيانات الدعم التي صدرت والتي تطلب من حركة طالبان تسهيل خروج الراغبين في الهجرة من البلاد، فليس لدى الدول، باستثناء كندا، رغبة صادقة وواضحة في استقبال هؤلاء، بل يبدو الانشغال في إيجاد مأوى لهم في "دولة ثالثة". وتركيا المقترَحة ترفض كذلك تحويلها إلى "حرس حدود للاتحاد الأوروبي ومخيّم للاجئين"، مع ما تواجهه من أزمات مع ملايين اللاجئين الآخرين على أراضيها. كذلك دولتا الجوار، باكستان وإيران، لا تبديان حماسة كبيرة لاستقبال هؤلاء، بعد تجربة استقبال ملايين من مواطنيهم على مدى الحرب الدائرة في أفغانستان منذ عام 1979.

ويكشف السجال الأوروبي، والغربي عموماً، حول ما يتوجّب فعله مع المترجمين الأفغان وأسرهم الراغبين في الخروج من بلادهم، بعض التوجّهات اليمينية المتشدّدة في دول أوروبية مثل الدنمارك وغيرها التي ترفض بشكل صريح استقبال هؤلاء، على الرغم من كل ما رافق سيطرة حركة طالبان على البلاد من قلق على مصير هؤلاء. ومع البيان الذي توافقت عليه أكثر من 60 دولة حول ضرورة أن تسمح حركة طالبان بخروج الراغبين في المغادرة، ومشاهد الفوضى في مطار كابول، وعدم حماسة أوروبا على وجه التحديد لحالة شبيهة بتدفّق لاجئي 2015، تبرز أمام القارة العجوز تحديات كثيرة في السياق. ووصف الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير أمس الثلاثاء، مشاهد الأفغان في مطار كابول بأنه "عار على الغرب".

أمام المشهد الناشئ عن رغبة آلاف الأفغان في هجرة بلدهم وتجميد الدول الأوروبية ترحيل الذين رفضت طلبات لجوئهم منذ سنوات (من بين نحو 70 ألف أفغاني وصلوا في خلال الأعوام الماضية)، يدخل السياسيون الأوروبيون في نقاش حول السبل التي يمكن التعاطي من خلالها مع تدفق كبير من المهاجرين الأفغان. فرفض القوى اليمينية المتشددة وسياسات القارة المتغيّرة مع اللجوء، تضع عراقيل كثيرة في وجه الدعوات الأوروبية لمساعدة المدنيين الأفغان. فهذه الأيام ليست كأيام عام  2015 حين ذهبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى فتح ذراعَيها وبلادها لاستقبال ما يربو على مليون لاجئ تحت شعار "قادرون على ذلك". وعلى الرغم من الصور المأساوية الواردة من مطار كابول، إذ يسعى الآلاف إلى المغادرة على متن الطائرات، ما زال هؤلاء الذين يوصَفون في السياسة والإعلام بأنهم متعاونون مع الدول التي وُجدت في أفغانستان منذ عام 2001 ينتظرون إجلاءهم، علماً أنّ الحديث عن أوضاعهم جرى قبل أسابيع من دخول قوات طالبان إلى العاصمة الأفغانية كابول.

الصورة
عائلات أفغانية تريد الهروب في مطار كابول (وكيل كوهسار/ فرانس برس)
عائلة أفغانية بكامل أفرادها تنوي مغادرة البلاد (وكيل كوهسار/ فرانس برس)

في الدنمارك على سبيل المثال التي شاركت البريطانيين في دعم القوات الأميركية في كل حروبها، يقوم سجال حول 430 أفغانياً متعاونين وأسرهم، وتأخذ إعادة توطينهم منحى سياسياً متعارضاً. وقد أقرّ برلمانها في الأسبوع الماضي توافقاً حزبياً على ضرورة إخراج هؤلاء من أفغانستان وإن جاء القرار بطيئاً ومتأخراً، مع معارضة اليمين المتشدد الذي يرفض جلب هؤلاء المتعاونين، من بينهم مترجمون، والذي يطالب بضرورة مساعدتهم في دول الجوار. وقد امتد النقاش الأوروبي لفترة طويلة، الأمر الذي أضاع كثيراً من الوقت، حتى أنّ ثمّة من استبشر خيراً بقرار أميركي يقضي بإرسال آلاف الجنود لتأمين مطار كابول، مع تقديرات بأنّ العاصمة لن تسقط بيد حركة طالبان قبل أشهر. لكنّ الجميع أصيب بصدمة نظراً إلى سيطرتها السريعة على كابول. 

من جهته، الجانب الألماني الذي كان سخياً في استقبال نحو مليون شخص قبل ستّة أعوام، عبّر من خلال ميركل الأسبوع الماضي بحسب ما نقلت الصحافة الألمانية أنّه "ليس في وسعنا حلّ المشكلة باستقبال الجميع". وكان رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي قد سبقها بالتصريح عن قلقه من تدفّق اللاجئين، لافتاً إلى أنّه يتوجّب على الاتحاد الأوروبي التواصل مع دول العبور والأمم المتحدة لحلّ الأزمة التي قد تنشأ بتزايد أعداد اللاجئين الأفغان، عدا عن معارضة قوية لليمين القومي المتشدد لاستقبال هؤلاء الأفغان. كذلك، فإنّ المجلس الأوروبي وعلى الرغم من أنّ دولاً في الاتحاد الأوروبي ناشدت عبر البيان الصادر عن ستين دولة بضرورة أن تسمح طالبان بمغادرة من يرغب البلاد، وجد أنّه لا بدّ من حل القضية "بشكل بسيط"، إذ "يُفترض أن نبقي أكبر قدر من الأفغان بعيدين عن أوروبا، من دون أن يَظهَر ذلك وكأنّنا نتخلى عنهم ونتركهم لمصيرهم"، بحسب ما نقلت صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية عن مصدر في مجلس الوزراء في النادي الأوروبي. 

أمّا المستشار النمساوي سيباستيان كورتس فلم يخفِ رغبته في تبنّي ما طرحه اليمين المتشدد الدنماركي باستقبال الأفغان "في دول الجوار"، على الرغم من أن دولتَي الجوار إيران وباكستان لم تبديا حماسة لذلك وقد نالتا نصيبهما. وما يُطرح أوروبياً هو ما عبّر عنه كورتس وغيره من السياسيين الأوروبيين، وهو الدخول مجدداً في مفاوضات مع الأتراك للتوصل إلى اتفاقيات شبيهة بتلك التي عُقدت بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة بخصوص اللجوء في عام 2016، بعد عام من اختلافات أوروبية على سياسة اللجوء. لكنّ أنقرة عبّرت بدورها عن رفضها على لسان وزير خارجيتها مولود جاووش أوغلو الذي رأى أنّ "تركيا لن تكون حارسة حدود أوروبا ولا مخيمها للاجئين".

وفي ضوء ما شهده مطار كابول من جموع كبيرة لآلاف الراغبين في مغادرة أفغانستان، يعوّل قادة المعسكر الأوروبي على أنّ تركيا سوف تتحوّل إلى معبر للاجئين الوافدين من أفغانستان، بالتالي الضغط عليها من أجل إبرام اتفاق شبيه باتفاق 2016 الخاص باللجوء. يأتي ذلك على الرغم من اعترافهم بأنّ وجود نحو 1.7 مليون لاجئ سوري في البلاد لن يسهّل الاتفاق حول استقبال آلاف الأفغان زيادة على هؤلاء. والتصوّر الأوروبي لاتفاق مع تركيا يعتمد على إغراء مالي للأتراك، فالاتحاد الأوروبي حوّل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي ما يربو على 100 مليون يورو كجزء من ستة مليارات تعّهد الأوروبيون بدفعها لمساعدة تركيا على إيواء اللاجئين وتأمين بنى تحتية اقتصادية واجتماعية لملايين منهم على أراضيها. ويُعَدّ هذا الخيار المفضّل لدى القادة الأوروبيين، أي "صفقة تركية"، بحسب ما وصفه كذلك وزير الدمج البلجيكي سامي مهدي الذي رأى أنّه "الأمل الأخير".

الصورة
وقفة في ألمانيا لتسهيل خروج الأفغان بعد سيطرة طالبان على أفغانستان (جون ماكدوغال/ فرانس برس)
مطالبة بتسهيل خروج الأفغان من بلادهم المأزومة (جون ماكدوغال/ فرانس برس)

ويخشى الأوروبيون أن يكون التدفّق الأفغاني كبيراً فيفقدون السيطرة على سياسات الهجرة والدمج مثلما حصل قبل أعوام، فالمجموعة الأفغانية كبيرة في أوروبا ولدى دول عدّة في الأساس مشكلة في هذا الإطار لجهة رفض طلبات آلاف منهم ووضعهم على لوائح الترحيل من أوروبا، كما هي الحال في السويد والدنمارك وفرنسا وبلجيكا، علماً أنّ الأفغان يشكّلون في الأخيرة أكبر مجموعة لاجئين من بين الوافدين منذ عام 2014. ومهدي، الوزير البلجيكي من أصل عراقي، صرّح في مقابلة مع "إر تيه بيه إف" (راديو وتلفزيون بلجيكا الناطق بالفرنسية) أنّ بلاده لديها ما يكفي من الأفغان وهم يحاولون بمعظمهم الوصول إلى بريطانيا في هجرة سرية، فيحاولون الوصول إلى دوفر (جنوب شرقي إنكلترا) من على السواحل الغربية الفرنسية. ورأى مهدي الذي يتّفق معه مسؤولون أوروبيون آخرون، أنّه "في حال تمكنّا (الأوروبيون) من جعل تركيا دولة ثالثة للأفغان اللاجئين فسوف يكون ذلك طريقة جيّدة للتعامل مع تدفّق اللاجئين". 

والتصريحات الأوروبية والسياسات التي تأتي أشبه بالتخلي العملي عن الأفغان، على الرغم من التصريحات المنددة بحركة طالبان مع مطالبتها بالسماح بخروج كلّ من يرغب في مغادرة أفغانستان، تلقى استهجاناً من قبل قوى سياسية في اليسار وكذلك المنظمات الحقوقية. يُذكر أنّ ثمّة موجة من التعليقات تحمّل الشعب الأفغاني مسؤولية سيطرة طالبان على البلاد، إذ رأت في ذلك تعبيراً عن رغبة الأفغان في العيش في ظلّ الشريعة الإسلامية، بحسب ما لفت اليمين المتشدد في أكثر من دولة أوروبية. وقد لاقت تلك التعليقات انتقاداً كبيراً ورفضاً من قبل مواطنين عاديين ومن أحزاب اليسار ويسار الوسط. وقد أثار تصريح السياسي المحافظ في كوبنهاغن، ناصر خضر، موجة استنكار وطُلب فصله من حزبه حين حمّل الأفغان المسؤولية داعياً إلى "تركهم وشأنهم في اختيارهم نظام حكم الشريعة الإسلامية".

وتعامل الأوروبيين مع قضية الأفغان الذين عملوا لمصلحة قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومنظمات غربية في أفغانستان، بات أمراً معقداً ويمثّل معضلة حقيقية ما بين إظهار تعاطف مع أولئك الموعودين بإعادة التوطين وبين الخشية من تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين. من جهتها، فشلت واشنطن المسؤولة عن أكبر عدد من المتعاونين في إقناع تركيا باستقبال المترجمين الأفغان مؤقتاً، إذ تخشى أنقرة من تحوّل حدودها الممتدة على طول 300 كيلومتر مع إيران إلى معبر لاجئين مرّة أخرى، علماً أنّها بدأت عملياً ببناء جدار على طول تلك الحدود.

في المقابل، تبدو كندا في مسار مختلف، فقد نقلت وكالة "فرانس برس" في 14 أغسطس/ آب الجاري عن وزير الهجرة الكندي ماركو منديسينو قوله إنّ بلاده "سوف تستقبل 20 ألف أفغاني من اللاجئين الضعفاء خصوصاً". ويصف منديسينو الوضع في أفغانستان بأنّه "مفجع"، موضحاً أنّ الذين سوف تستقبلهم كندا هم الذين قرّروا الخروج أو الذين فرّوا إلى دول الجوار، "بمن فيهم النساء والموظفون الحكوميون والمدافعون عن حقوق الإنسان والأشخاص من الأقليات المضطهدة والصحافيين".

المساهمون