خريف كندا ليس فقط بدايات طور الكآبة، وتبدُّل سحنة الطبيعة، وتساقط الورق الأصفر، وليس فقط وصول طلائع البرد الزاحفة من القطب الشمالي على مرمى حجر من "قارة" كندا. الخريف هنا في مقاطعة كيبيك ليس فقط موعد سريان قانون استبدال إطارات السيارات استعداداً لموسم الجليد. يهبط أكتوبر/ تشرين الأول على الكنديين فيتحسّرون على صيفٍ قصير العمر يعبر كلمح البصر. لا خيار أمامهم إلا الاستسلام الطوعي لشتاءٍ طويل يحوّلهم إلى كائنات شبيهة بالدببة القطبية التي تُقسم سنتها إلى قسمين: ستة أشهر من النوم وستة من الاستيقاظ. لكن، الأصح من كلّ تلك التوصيفات هو أنّه يصعب تصوّر خريف كندا من دون اليقطين أو القرع العسلي، ومن دون عيد هالوين المليء بالخرافات والتقاليد، والذي يحتفل به في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. هذا العيد هو ملك الأعياد عند الكنديين بعد عيد الشكر. انشغالهم به يفوق انشغالهم بالعيد الوطني الكندي وبعيد الميلاد، واعترافاً بفضل ثمرة اليقطين على الأمة الكندية جرى تحديد 26 أكتوبر/ تشرين الأول (بعد غد الإثنين) يوماً لتمجيدها. لن تكون احتفالات هالوين 2020 شبيهة بالماضي في كندا بسبب وباء كورونا، لكنّ تزيين مداخل المنازل باليقطين سيظل من الطقوس الممتعة التي يمكن القيام بها بأمان إلى جانب صنع قوالب كعك الهالوين باليقطين والاستمتاع بنكهتها مع مشاهدة أفلام من كلاسيكيات السينما الغربية تتحدث عن أساطير العيد.
تترامى مزارع اليقطين في الريف الكندي بالقرب من المدن. أكثر من مائة مزرعة تتوزع في جوار مدينة مونتريال (المدينة الأكبر في مقاطعة كيبيك) وحدها، وكلّ خريف تفتح أبوابها للزائرين. الرحلة إليها فكرة رائعة لإمضاء عطلة نهاية أسبوع في أحضان الطبيعة ووداع الصيف. ومن يحتفلون بعيد هالوين يقصدونها ليقطفوا بأيديهم ما يحلو لهم من ثمار اليقطين، أما المهاجرون واللاجئون من البلاد البائسة، ومنهم العرب، فتستهويهم مزارع التفاح أكثر، ويجذبهم سحر الريف الكندي وخليط الألوان النارية لأوراق الأشجار. وباء كورونا أفقد تلك النزهة العائلية المنتظرة رونقها، فقد خُفّض عدد الأشخاص المسموح لهم بزيارة المزارع، فيما الضوابط مرهقة، وأكبر الخسارات منع الزائرين من تذوق عينات المنتجات محلية الصنع التي تُعرض للبيع.
يرجع الناس حاملين الكرات البرتقالية وصفراء اللون أو الـ"بامبكين" وهو الاسم الذي أطلقه الإيرلنديون أرباب العيد على الثمرة. يرسم المحتفلون على الثمار وجوهاً مخيفة بعيون مُضاءة وابتسامات شريرة، ويفرغونها من الداخل لتتحول إلى فوانيس تضيء عتبات المنازل، فتسمى حينها "جاكولانتيرن" أو ثمرة اليقطين المضيئة. كلّ فلسفة هالوين مبنية على أسطورة إيرلندية مليئة بالخرافات لرجل يدعى جاك البخيل. لم يكن الأخير صالحاً بما فيه الكفاية كي يجد طريقه إلى الجنة. كان تاجراً خبيثاً مولعاً بشرب الخمر، تفوّق بدهائه على الشيطان حتى لا يأخذه إلى الجحيم. تقول الأسطورة إنّ جاك التقى الشيطان في إحدى حانات المدينة، وكان الثنائي يتشاركان في شرب الخمر، وعندما حان موعد دفع الثمن أقنع جاك الشيطان أن يتحول إلى عملة. انطلت الحيلة على الشيطان، وضع جاك العملة في جيبه بجانب صليب فضّي فخاف الشيطان ولم يستطع أن يتغيّر مرة أخرى إلى شكله الأصلي. خدع جاك الشيطان مرة ثانية عندما أقنعه أن يصعد إلى شجرة لسرقة الفاكهة، وعندما صعد الشيطان نحت جاك علامة الصليب على جذع الشجرة فلم يستطع أن ينزل حتى وافق على شرط ألا يزعج جاك ولا يأخذه إلى الجحيم بعد موته. لكن، عندما مات انتقم منه وحكم عليه أن يظل هائماً، مع إعطائه الفحم المشتعل ليضيء طريقه. وضع جاك الفحم في ثمرة يقطين بعدما أفرغها، فصار الاعتقاد بأنّ تعليق مصباح شبيه بمصباح جاك عند مدخل المنزل أو في الفناء الخلفي، يمنع الأرواح الشريرة التي تنطلق من الجحيم في عيد الهالوين من دخول المنزل.
نشرت مجلة "كو دي بوس" واسعة الانتشار في مقاطعة كيببك الناطقة بالفرنسية تحقيقاً مسهباً عن جذور العيد وتقاليده الخرافية. ذكرت المجلة أنّ تاريخ الاحتفال بالعيد وهو 31 أكتوبر/ تشرين الأول من كلّ عام، هو أول يوم في السنة بحسب التقويم الخاص للشعوب السلتية، وهو يفصل بين موسم الزرع وموسم الحصاد ومرتبط بعيد السامن، الذي يحتفل به السلت إعلاناً لنهاية موسم الحصاد وفصل الشمس وبداية الشتاء المظلم والبارد. عاش السلت قبل 2000 عام في المنطقة التي أصبحت الآن إيرلندا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى شمال فرنسا، وبما أنّهم يعتمدون في حسابهم على الليالي، وليس على النهار، فإنّ الاحتفال بعيد هالوين يبدأ في ليلة 31 أكتوبر. وتُجمِع الروايات المتواترة على أنّ الكهنة القدماء للقبائل الإيرلندية والإنكليزية هم من بدأوا في نحت الوجوه على اليقطين، وأنّه خلال الليل كانوا يشعلون النار تكريماً لإله الشمس ولاصطياد الأرواح الشريرة ويحتفلون طوال سبعة أيام.
وبحسب معتقداتهم، يمكن لأرواح الموتى أن تعود إلى موطنها على الأرض، لذلك كان الأحياء يحاولون استقبالها بأفضل صورة ويتركون الطعام عند مداخل القرى حتى يأكل منها هؤلاء الضيوف.
انتقلت التقاليد إلى أميركا الشمالية عام 1840 تقريباً، بعدما غمرها المهاجرون الجدد، خصوصاً ملايين الإيرلنديين الفارين من المجاعة. ساعد ذلك في الترويج للاحتفال بعيد الهالوين. وووجد المهاجرون وفرة في اليقطين الذي تكرس كرمز لعيد الهالوين. وأصبحت كندا والولايات المتحدة ومعهما أستراليا وبريطانيا من أبرز الدول التي تحتفل بهذا العيد، في حين أنّ دولاً أوروبية كثيرة عارضت انتشاره بعدما رأت فيه عيداً وثنياً.'
اليوم، صار نحت اليقطين طقساً ترفيهياً ممتعاً للأطفال، وطريقة للتعبير عن فرحة العائلة. لم يعد هالوين عيد خوف بل مناسبة لتذكّر الخرافات القديمة. يتنكّر الأطفال، ويغزون الطرقات ويطرقون الأبواب ليأخذوا الحلوى. المنازل التي تريد أن تشارك بهذه المناسبة تزين الباب وتضع يقطينة مضاءة للإشارة إلى أنّ الأطفال مرحب بهم. الملابس التي يتنكّرون بها تُرسم عليها هياكل عظمية لترمز إلى أرواح القديسين، أما رسوم السحرة فترمز إلى النساء اللواتي كنّ يتنكرن بشكل عجائز بشعات حتى يعرفن ما إذا كان المرضى الذين يعالجونهم يستحقون العناية.