- قيود إسرائيلية مشددة حول كنيسة القيامة تعيق وصول المصلين، مع تعرضهم للاعتداء من قبل شرطة الاحتلال، مما يثير التوتر والغضب.
- الكنائس المسيحية تواصل شعائرها داخل كنيسة القيامة، مع إلغاء الاحتفالات الخارجية والتأكيد على رسالة السلام وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.
غابت مظاهر الفرحة واحتفالات المسيحيين بمناسبة سبت النور في فلسطين بسبب الحرب المستمرة على قطاع غزة، ووسط تضييق الاحتلال الإسرائيلي على إحياء الشعائر الدينية المرتبطة به. وكان البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس المحتلة، قد قرروا في وقت سابق اقتصار شعائر الأعياد على الجوانب الدينية، احتراماً لدماء الشهداء ضحايا الإبادة الإسرائيلية المستمرة في غزة، مطالبين العالم بمعاقبة دولة الاحتلال وقيادتها، والتوقف عن التواطؤ معها في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وعلى رأسها الحرب في غزة.
سبت النور في فلسطين وسط تضييق الاحتلال
وحوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، السبت، كنيسة القيامة ومحيطها، إلى منطقة عسكرية مغلقة في سعيها للحد من حرية العبادة بحق المصلين بمناسبة سبت النور في فلسطين الذي يوافق اليوم، بحسب الكنائس المسيحية التي تسير وفق التقويم الشرقي. فمنذ ساعات الفجر، نصبت قوات الاحتلال حواجز عسكرية في شوارع وأزقة البلدة القديمة من القدس على شكل أطواق عسكرية مركزها كنيسة القيامة، ما أعاق وصول كل من هو غير يهودي إلى البلدة القديمة وبالتحديد إلى الكنيسة ومحيطها.
واعتدت شرطة الاحتلال الإسرائيلي على المصلين والحجاج المسيحيين بعدما حاولوا الوصول إلى كنيسة القيامة من كنيسة مار يعقوب الملاصقة للقيامة للمشاركة في إحياء سبت النور في فلسطين. ويأتي ذلك، وسط حالة من التوتر والغضب الشديد بعد اعتقال سيدة فلسطينية والتنكيل بها.
وأفاد التجمع الوطني المسيحي، بأنّ الاحتلال منع المسيحيين من باقي أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة من ممارسة حقهم الطبيعي في الوصول إلى كنيسة القيامة، وممارسة شعائرهم الدينية بهذا العيد الكبير الذي يعتبر أحد أهم الأعياد المسيحية التي تكتسي فيها مدينة القدس ثوباً شعبيا وثقافيا تقليديا يظهر العنصر المسيحي في هويتها الحضارية والتاريخية المسيحية-الإسلامية الأصيلة.
وتواصل الكنائس المسيحية إقامة شعائرها وصلواتها داخل كنيسة القيامة إحياء لاحتفالات سبت النور في فلسطين وخروجه من القبر المقدس. وقال مواطنون وتجار بالبلدة القديمة من القدس إن قيود الاحتلال طاولت جميع أهالي البلدة القديمة من المسيحيين والمسلمين وحتى الحجاج المسيحيين الذين توافدوا إلى المدينة المقدسة للاحتفال بهذه المناسبة، بالإضافة إلى بعض نقاط التفتيش التي أقامتها قوات الاحتلال في أسواق البلدة القديمة من القدس خاصة خان الزيت وحارة النصارى، وجميع محاور الطرق المؤدية إلى الكنيسة.
ووصف أمين عام مفتاح كنيسة القيامة، أديب جودة الحسيني، في حديث لـ"العربي الحديد" الوضع في محيط الكنيسة بأنه صعب جدا بسبب إجراءات الاحتلال العسكرية حيث لم تتجاوز أعداد من شاركوا في إقامة الشعائر الدينية الـ400 حاج ومصل، مقارنة بالسنوات الماضية فالأعداد لا تذكر بتاتا. وساد التوتر مع انتظار خروج النور من داخل الكنيسة، ظُهر اليوم، بالنظر إلى منع أهالي البلدة القديمة من المسيحيين من الوصول إلى كنيستهم واقتصار ذلك فقط على من بحوزتهم تصاريح خاصة من سلطات الاحتلال لإحياء شعائر سبت النور في فلسطين.
يذكر أن نحو عشرة آلاف فلسطيني مسيحي يقطنون في الحي المسيحي من البلدة القديمة من القدس، ويتعرض كثيرون منهم خاصة رجال الدين لسوء المعاملة من قبل المستوطنين المتطرفين الذين يتعرضون لهم بالشتائم والبصق وتوجيه الإهانات إلى المسيح عليه السلام. في حين سجّلت الأعوام الثلاثة الماضية سلسلة طويلة من الاعتداءات طاولت كنائس وأديرة ومقابر مسيحية من قبل متطرفين يهود.
وكانت الكنائس المسيحية احتفلت أمس بالجمعة العظيمة، وذلك بمسيرات دينية بدأت من كنيسة حبس المسيح التابعة للروم الأرثوذكس القريبة من مدرسة العمرية في القدس القديمة، ترأسها نائب البطريرك المتروبوليت ايسيخيوس، وشارك فيها عدد من المطارنة والأساقفة ورؤساء الكنائس الروسية واليونانية والرومانية والقبرصية والعربية الأرثوذكسية والمئات من الزوار والحجاج من أستراليا وقبرص واليونان وروسيا وبلغاريا ورومانيا والمغتربين العرب الفلسطينيين الأرثوذكس ورؤساء وأعضاء المؤسسات المسيحية الارثوذكسية الكشفية، وصولا عبر طريق الآلام وباب خان الزيت حاملين الصلبان المقدسة وهم يصلون الترانيم الدينية إلى كنيسة القيامة.
في بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا جنوب الضفة الغربية، التزمت الكنائس هناك بقرار القيادة الكنسية في فلسطين، بعدم الاحتفال وإبداء مظاهر الفرح والبهجة في الشوارع والطرقات واقتصار الفعاليات على الشعائر الدينية والترانيم والصلوات، تعبيرًا عن الرفض المسيحي لما يجري في قطاع غزة من تدمير وتهجير وتطهير عرقي طاول الكنائس المسيحية كما المساجد الإسلامية، بحسب ما أكده عضو اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس من بيت ساحور، جهاد خير، خلال حديث مع "العربي الجديد".
شمعة سبت النور
وفي الأعوام الماضية، كانت الاحتفالات في بلدة بيت ساحور شرق بيت لحم محط أنظار العالم والسيّاح بحسب جهاد خير، الذي أشار إلى أنها كانت تبدأ من ساحة البلدية وصولًا إلى البلدة القديمة، مرورًا بكنيسة العذراء حيث يتبادل المسيحيون التهانئ ويؤدون الصلوات ثم يتجهون صوب كنيسة الآباء الأجداد للروم الأرثوذكس، وهناك تبدأ زفّة النور المقدس بحضور الفرق الكشفية، وتوزّع الهدايا والضيافة، ثم بحضور الشخصيات الكنسية الدينية توزّع شمعة مضيئة على المصلين والحاضرين، تعبيرًا عن اسم المناسبة الدينية "شمعة سبت النور" امتثالًا لأفعال المسيح، لكن ذلك كله لن يتم هذا العام بفعل القيود الإسرائيلية والحرب على قطاع غزة.
وأوضح خير أن فعاليات كنائس محافظة بيت لحم هذا السبت، ستقتصر على الصلوات والترانيم وأخذ الصور التذكارية أمام أبواب الكنائس بحضور الشخصيات الكنسية الدينية الاعتبارية والضيوف من مؤسسات المحافظة، وسيغيب السيّاح والضيوف والحجّاج عن مسيرات الصليب التي يرفع فيها غصن الزيتون، والشموع المزخرفة، والترانيم التي ترافق الكشّافة في طرقات المدن، ومظاهر السرور والبهجة والهدايا التي تقدم للأطفال، كل ذلك سيغيب في هذا السبت وفي عيد الفصح يوم غد الأحد، كما غابت مظاهر الأعياد الاحتفالية في أعياد الميلاد من هذا العام. وبيّن خير أن ممثلي الكنائس في فلسطين أرسلوا لرؤساء الكنائس في مختلف دول العالم رسالة تذكّرهم بغياب الطقوس الاحتفالية عن بيت لحم والقدس، مشيرًا إلى وجود حشد كبير في مختلف كنائس العالم اليوم، ليستحضروا مدينة بيت لحم الحزينة التي يمر عليها العيد وسط القتل والتشريد في قطاع غزة والتدمير الذي طاول البيوت والكنائس.
وختم عضو اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس حديثه نيابة عن ممثلي الكنائس والآباء والرهبان والقساوسة بأن رسالة المسيحيين هذا العام للعالم هي ضرورة إنقاذ الشعب الفلسطيني وتحديدًا في قطاع غزة، ولفت الأنظار إليه كي يعمّ السلام في بلاد المسيح التي لم تعهد أعيادًا حزينة كالعام الجاري.
في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية والتي كانت تشهد احتفالات بسبت النور من كافة أبناء المدينة مسلمين ومسيحيين، غابت الأجواء الاحتفالية، سوى الشعائر الدينية داخل الكنائس، كبقية مناطق الضفة الغربية، وفق ما أكده راعي طائفة الروم الأرثوذوكس الأب إلياس عواد، لـ"العربي الجديد".
وقال عواد: "إن الاحتلال تسبب بفقدان البهجة بخروج شعلة سبت النور، بسبب التضييقات والحرب المتواصلة على قطاع غزة". وتابع عواد، "أن الكنائس المسيحية ألغت هذا العام، كافة مظاهر الاحتفالات بالأعياد المسيحية واقتصارها فقط على الشعائر الدينية داخل الكنائس، في ظل ما يتعرض له قطاع غزة، من وضع مأساوي نتيجة حرب الإبادة". وأكد عواد أن رسالة الكنائس المسيحية هذا العام إلى العالم أن يتم العمل على إيقاف الحرب على غزة، وأن تقام للفلسطينيين دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وأن من حقهم أن ينعموا كباقي الشعوب بالحرية.