استمع إلى الملخص
- يزيد بو عناني، مدير ثانوية، يستنكر هذه الظاهرة مشيرًا إلى أنها تعكس سلوكيات غير منضبطة وتؤثر سلبًا على صورة العملية التعليمية، ويدعو لتنظيم لقاءات توعوية لإعادة تأكيد قيمة الكتب والكراريس.
- تفسيرات متعددة للظاهرة تشمل الضغوط النفسية والتعليمية، ويُعتقد أن انتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي قد ساهم في تفاقمها، مما يؤكد على أهمية التوعية الرقمية في معالجة هذه القضية.
بمجرد انتهاء الدروس وامتحانات الفصل الثانوي الثالث في المدارس والثانويات في الجزائر، يمزّق التلاميذ الكتب والكراريس خاصة أمام مداخل المدارس، ويرمونها في الشوارع، كما يمزقون المآزر ويعلقونها على الأشجار للتعبير عن توديع المدارس. وتقلق هذه الظاهرة التي يستغربها كثيرون المجتمع التربوي منذ سنوات، وباتت سلوكاً متكرراً مع كلّ نهاية موسم دراسي، وتلقى استهجاناً كبيراً من الكوادر التربوية، لكن أحداً لا يتدخل لمعالجتها وإعادة تأكيد أهمية مرحلة الدراسة في خلق متطلبات وضع الطلاب على سكك النجاحات المهنية والحياتية.
يعبر يزيد بو عناني، وهو مدير ثانوية في قسنطينة شرقي الجزائر، ويمثل نقابة مديري الثانويات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن استيائه من ظاهرة تمزيق التلاميذ الكراريس في نهاية العام الدراسي. ويقول: "رمي التلاميذ الكراريس والكتب وحتى المآزر بطريقة استعراضية في الطرقات كأنهم يحتفلون بمناسبة معينة، ممارسات مشينة تنفذها غالباً مجموعة من المشاغبين وغير المنضبطين ومن ذوي المستويات الضعيفة في التحصيل والنتائج الدراسية، للتعبير عن تحررهم من أثقال الدراسة بالتخلص من كل ما له علاقة بها".
ويطالب بو عناني بـ"تنظيم لقاءات وجلسات لتوعية التلاميذ وأولياء أمورهم بسلبيات هذه الظاهرة على مدار السنة، خاصة خلال الفصل الثالث، من أجل توضيح أهمية هذه الكراريس للتلاميذ والطلاب باعتبارها أرشيفاً شخصياً ووثائق ذات قيمة وقدسية".
وعند مدخل متوسطة ميلود منصورية بواد رهيو في ولاية غليزان، كما في مدن جزائرية كثيرة، مزّق التلاميذ الكراريس والكتب بطريقة استعراضية. وترافق ذلك مع حمل بعض التلاميذ في مرحلة المتوسط هواتفهم الخليوية لتصوير العملية، رغم تكرار استهجان كثيرين للظاهرة، خاصة على صعيد ما تخلّفه من أوراق متطايرة تحملها الرياح في الشوارع المحاذية للمدارس.
ومزّق عدد آخر من التلاميذ المآزر وعلقوها على أغصان الأشجار. وحدث ذلك رغم أن جمعيات مدنية وتربوية نفذت قبل نهاية العام الدراسي حملة لمنع حصول هذه الظواهر، مثل جمعية أولياء تلاميذ مدرسة الشهيد دري عمار أولاد مرزوق في بلدة برهوم بولاية المسيلة (وسط) التي أطلقت حملة لمطالبة التلاميذ بعدم تمزيق الكراريس ورميها في الطرقات وعلى أبواب المدارس، كما وجّه نشطاء على صفحات خاصة بالبلديات عبر الجزائر نداءات لمحاربة الظاهرة وصورها المشينة، في حين تحدث أشخاص عن قصص ارتباطهم بكراريسهم.
تفسيرات
وتقول الأستاذة الجامعية نزهة بن طويلة لـ"العربي الجديد": "احتفظت بالكراريس سنوات. كانت لدي علاقة خاصة بكل ما له صلة بمساري التعليمي، واعتبرت أن الكراريس ليست مجرد أوراق، بل سجل تعليمي وذاكرة لتطوري والنتائج التي حققتها".
وأسفت نزهة بالتالي لظاهرة تمزيق التلاميذ الكراريس، وحثت أولياء الأمور على ضرورة إعادة غرس قيمة احترام أبنائهم جهودهم وأعمالهم الدراسية، إلى جانب توعيتهم بأهمية النظافة والحفاظ على البيئة".
ويستنكر أستاذ الرياضيات نذير رحماني سلوك التلاميذ، لكنه يعتبر أن تفسيراته واضحة. ويقول لـ"العربي الجديد": "يعكس احتفال التلاميذ بنهاية العام الدراسي اعتبارهم التعليم والامتحانات خصوصاً عبئاً كبيراً. والتلميذ المنضبط والملتزم بالدراسة يحتفظ غالباً بكراريسه وكتبه لما بعد تخرجه من الثانوية، وربما حتى بعد مشواره الجامعي وتأسيس أسرة. وهي تظل موضع افتخار وتشكل تذكارات مهمة، لكن الغالبية لا تفعل ذلك. ويتطلب ذلك البحث عن دوافع هذا السلوك، وتوحيد جهود أولياء الأمور والكوادر التربوية للعمل على توعية التلاميذ بأن الاحتفاظ بالكراريس والكتب يرسّخ حلقة الوصل بين الدروس المعروضة على التلاميذ بين عام وآخر، ودعوتهم إلى نقل المعرفة من تلميذ إلى آخر حتى يستفيد زملاؤهم الذين سيأتون بعدهم".
ويربط كثيرون ظاهرة تمزيق التلاميذ الكراريس في نهاية السنة بالضغوط التي يعيشونها في مرحلة المراهقة، وتؤثّر سلباً على نفسياتهم، إذ ينتج عنها سلوك عدواني بمجرد نهاية السنة الدراسية. كما يربطونها بالمتابعة البيداغوجية والنفسية للتلاميذ في المؤسسات التربوية وتعزيز النشاطات الرياضية يخففان الضغوط.
وترى الخبيرة البيداغوجية وأستاذة الفلسفة كريمة ساحل، في حديثها لـ"العربي الجديد": "ما نراه من سلوك سلبي هو أحد وجوه تعبير التلاميذ عن نيلهم للحرية بعدما كانوا مقيّدين بساعات التحصيل الدراسي، وحصص الدروس الخصوصية، والمتابعة الدقيقة للعائلات التي تطالبهم بتحصيل نقاط جيدة".
وتلفت إلى أن "التلاميذ الذين يدرسون في المدارس ويتابعون دروساً خصوصية في الوقت نفسه يتملكهم شعور بالتضييق في مرحلة عمرية حساسة جداً، كأنهم محاصرون أو سجناء بين الدراسة والعلامات وضغوط سؤال الناس إياهم عن النتائج التي حصلوا عليها".
وأصبح تمزيق الكراريس تقليداً انتشر كثيراً في منصات التواصل الاجتماعي وتأثر به عشرات، إذ تناقل جمهور هذه المنصات العديد من صور التمزيق وتطاير الأوراق في الشوارع. ويعتقد خبراء بأن وجود وسائل التواصل الاجتماعي نفسها من بين أسباب انتشار هذا السلوك وتناميه، إذ يؤدي مشاركة التلاميذ للصور عبر فضاء التواصل الاجتماعي، إلى تقليدها.
وتتحدث الباحثة في علم النفس الأستاذة نصيرة علال لـ" العربي الجديد" عن أن "أسباباً نفسية واجتماعية تساهم في الظاهرة السلبية لتمزيق الكراريس والمآزر، لكنّ أحد أسباب انتشار هذا السلوك وتكراره هو التقليد بالدرجة الأولى بتأثير انتشار الصور على المنصات الإلكترونية".