معركة طاحنة تلك التي يخوضها المصابون بالسكري، منذ تشخيص الداء لديهم، سواءً أكان من النوع الأوّل أو الثاني. فالأمر يتعدّى كونه مجرّد حالة صحية تستلزم علاجاً يضمن شفاء المرضى منها، إذ يحتّم السكري على "ضحاياه" نمط حياة مغايراً. وكثر هم الذين يحاولون التمرّد على واقع فُرض عليهم، غير أنّ ذلك يفاقم وضعهم مع مضاعفات خطرة قد تهدّد حياتهم.
ولأنّ ما يواجهه هؤلاء الأفراد الذين يُقدَّر عدد البالغين منهم بأكثر من نصف مليار شخص ليس أمراً بديهياً ولا سهلاً، فقد حدّدت الأمم المتحدة الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام يوماً عالمياً لمرضى السكري. ومن خلال هذا اليوم، تسعى المنظمة الأممية إلى دعم هؤلاء في معركتهم المزمنة، وإلى الاعتراف بالحاجة العاجلة إلى جهود متعدّدة الأطراف لتحسين الصحة وإلى التوعية بالداء ومخاطره.
على الرغم من أنّ داء السكري وُصف للمرّة الأولى في عام 1550 قبل الميلاد تقريباً، في "برديّة إبيرس" واحدة من أقدم البرديّات في مصر القديمة، بحسب التقديرات، فإنّه ما زال يمثّل تحدياً حتى يومنا هذا. ولا يأتي التحدّي على صعيد صحة الفرد المعني فحسب، فالأمر يُعَدّ قضية صحة عامة إلى جانب الفاتورة الطبية الباهظة ذات الصلة، لا سيّما تلك المترتّبة عن عدم ضبط هذا الداء.
تفيد البيانات الصادرة عن الفيدرالية العالمية للسكري لعام 2021 بأنّ نحو 537 مليون بالغ (20-79 عاماً) يعيشون مع داء السكري، ومن المتوقّع أن يرتفع العدد إلى 643 مليوناً بحلول عام 2030 وإلى 783 مليوناً بحلول عام 2045. وبخصوص الوفيات، تُبيّن أنّ السكري تسبّب في 6.7 ملايين وفاة. وفي ما يخصّ الأطفال، فإنّ أكثر من 1.2 مليون طفل ومراهق (صفر-19 عاماً) يعيشون مع داء السكري من النوع الأوّل. أمّا منظمة الصحة العالمية، فتشير بياناتها الأخيرة إلى إصابة 422 مليون شخص بالغ بالسكري في عام 2014 مقارنة بإصابة 108 ملايين شخص في عام 1980.
وبحسب الفيدرالية العالمية للسكري، فإنّ 541 مليون بالغ معرّضون لمخاطر كبرى في ما يتعلّق بالإصابة بالسكري من النوع الثاني، علماً أنّه من بين كلّ بالغَين اثنَين يعيشان مع داء السكري ثمّة بالغ واحد غير مشخّص. تضيف أنّ ثلاثة من بين كلّ أربعة بالغين مصابين بالسكري يعيشون في بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل، لافتة إلى أنّ السكري تسبّب في إنفاق 966 مليار دولار أميركي على أقلّ تقدير في مجال الصحة، وهو ما يساوي نسبة تسعة في المائة من إجمالي الإنفاق على البالغين.
في سياق متصل، ترى منظمة الصحة العالمية أنّ نسبة الانتشار العالمي للسكري كادت تتضاعف منذ عام 1980 حتى عام 2014، إذ ارتفعت من 4.7 في المائة إلى 8.5 في المائة لدى البالغين. وتشرح أنّ ذلك يبرز زيادة في عوامل الخطر المرتبطة بزيادة الوزن والسمنة على سبيل المثال.
ما هو داء السكري؟
يُعَدّ داء السكري بحسب تعريف منظمة الصحة الدولية مرضاً مزمناً يحدث عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الإنسولين بكميات كافية، أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعّال للإنسولين الذي ينتجه. والإنسولين هو هرمون يضبط مستوى الغلوكوز في الدم، وهو يمدّ الخلايا التي تتكوّن منها الدماغ والعضلات والأنسجة بالطاقة. وفرط السكر في الدم، الذي يُعرَف كذلك بارتفاع مستوى الغلوكوز في الدم، من النتائج الشائعة الدالة على خلل في ضبط مستوى السكر في الدم، ويؤدّي مع مرور الوقت إلى أضرار خطرة في مختلف أعضاء الجسم وأجهزته، لا سيّما الأعصاب والأوعية الدموية.
وداء السكري من النوع الأوّل، الذي كان يُعرَف سابقاً بداء السكري المعتمد على الإنسولين أو داء السكري الذي يبدأ في مرحلة الشباب أو الطفولة، يتّسم بنقص إنتاج الإنسولين، الأمر الذي يقتضي علاجاً يومياً بالإنسولين مدى الحياة. يُذكر أنّه لا يُعرَف سبب لهذا النوع من السكري، ومن غير الممكن الوقاية منه باستخدام المعارف الحالية.
أمّا داء السكري من النوع الثاني، الذي كان يُعرَف سابقاً بداء السكري غير المعتمد على الإنسولين أو داء السكري الذي يظهر في مرحلة الكهولة، يحدث بسبب عدم فعالية استخدام الجسم للإنسولين. وتمثّل الإصابات بالنوع الثاني من الداء 90 في المائة من حالات داء السكري المسجّلة حول العالم، وهي تحدث بمعظمها نتيجة فرط الوزن والخمول البدني. يُذكر أنّ هذا النوع كان يصيب خصوصاً البالغين، لكنّه صار أخيراً يُسجَّل كذلك بين الأطفال بسبب نمط الحياة السائد.
علاجات داء السكري
تأسف منظمة الصحة العالمية إذ إنّه بعد أكثر من 100 عام من اكتشاف الإنسولين (1921)، ما زال ملايين المصابين بداء السكري في كلّ أنحاء العالم عاجزين عن الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها. وتؤكّد أنّ هؤلاء يحتاجون إلى رعاية ودعم مستمرَّين لإدارة الحالة الصحية وتجنّب المضاعفات. بالنسبة إلى المنظمة، يستطيع المجتمع العالمي المعنيّ بداء السكري إحداث تغيير ذي مغزى، إذا وحّد جهوده. وتشدّد: "نحن في أشدّ الحاجة إلى مواجهة التحدّي".
وفي حين أنّه من غير الممكن تفادي الإصابة بداء السكري من النوع الأوّل، فإنّ اختبار أنماط حياة صحية تساعد على الوقاية وعلاج داء السكري من النوع الثاني وكذلك سكري الحمل الذي يصيب النساء في خلال حملهنّ. يُذكر أنّ احتمال الإصابة بالسكري من النوع الثاني يزداد لدى هؤلاء النساء وربّما لدى أولادهم في المستقبل.
وبحسب مجموعة "مايو كلينك" الطبية والبحثية، ينطوي علاج السكري من النوع الأوّل على حقن أو مضخّات الإنسولين، مع فحص مستوى السكر في الدم بصورة متكرّرة. وقد يكون زرع البنكرياس أو زرع خلايا الجزيرة خياراً ممكناً لبعض المصابين بهذا النوع من السكري. أمّا علاج السكري من النوع الثاني، فيقوم بشكل أساسي على تغيير نمط الحياة، ومراقبة مستوى السكر في الدم، إلى جانب تناول أدوية السكري الفموية أو الإنسولين أو كليهما.
ولأنّ حقن الإنسولين اليومية ترهق المصاب بداء السكري، عمل فريق من الباحثين في جامعة "بريتيش كولومبيا" الكندية أخيراً على تطوير أقراص إنسولين تُستخدَم عن طريق الفم. وقال الباحث الرئيسي في الفريق العلمي أنوبهاف براتاب سينغ بحسب تصريحات نشرتها الجامعة إنّ من شأن هذه الأقراص الجديدة لعلاج السكري تحسين نوعية حياة أكثر من تسعة ملايين مصاب بالسكري من النوع الأوّل في العالم. أضاف أنّ "النتائج المثيرة تبيّن أنّنا على الطريق الصحيح". يُذكر أنّ دراسة هؤلاء الباحثين لم تدخل بعد مرحلة التجارب البشرية، إذ إنّهم ما زالوا في حاجة إلى تمويل ووقت ومتعاونين.