وسط استهداف الاحتلال الإسرائيلي المستمرّ قطاع غزة، قد يوصَف الواقع الذي تعيشه الغزيات بأنّه مرير، على خلفية التهجير الذي يتعرّضنَ له وعائلاتهنّ بعد تركهنّ بيوتهنّ ولجوئهنّ إلى مراكز إيواء، لا سيّما في المدارس. فخصوصيّتهنّ تبدو مفقودة، بطريقة أو بأخرى، في المراكز التي تؤويهنّ، في حين أنّ إغلاق المعابر وإطباق الحصار على غزة أثّرا سلباً على إدخال المستلزمات الصحية الخاصة بالمرأة إلى القطاع.
منى أحمد، فلسطينية من مدينة غزة تبلغ من العمر 32 عاماً، تتحدّث لـ"العربي الجديد" عن "التجربة الأصعب في حياتي"، بعد تركها المدينة ونزوحها إلى مركز إيواء في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في جنوب قطاع غزة.
صحيح أنّ جميع سكان قطاع غزة يفتقرون إلى مقوّمات الحياة الكريمة اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، وسط العدوان الإسرائيلي غير المسبوق المستمرّ منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خصوصاً مع انقطاع المياه والكهرباء ونفاد مواد ومستلزمات خاصة بالنظافة، غير أنّ وقع ذلك يأتي أكثر شدّة على النساء. وهذا أمر تؤكده منى التي تحكي عن "حرج" في هذا السياق.
وبسبب اكتظاظ مراكز الإيواء لدرجة تفوق أضعاف طاقتها الاستيعابية، فإنّ نقصاً كبيراً يُسجَّل في عدد الحمّامات ودورات المياه. وتتحدّث منى عن ازدحام ملحوظ عند تلك المرافق، الأمر الذي يجعلها تعدل عن استخدامها ليوم أو يومَين متتاليَين، في حين تشير إلى أنّ ثمّة نازحات في المدرسة يقصدنَ بيوتاً مجاورة لـ"التخفيف من الحرج".
وتقول منى: "لم أكن أتوقّع في يوم أن تصل بي الأمور إلى هذا الحدّ"، أي أن تعود غير قادرة على استخدام الحمّام ودورة المياه. وتبيّن أنّ "منذ اليوم الأوّل لوصولي إلى هذه المدرسة، لم أستطع الاستحمام، وقد استخدمت المناديل المبلّلة كبديل عن المياه في مرّات عديدة". تضيف منى: "نحاول توفير الصابون السائل وبعضاً من المياه، لكنّ انقطاع المياه المستمرّ يضعنا في مأزق كبير، ونحن نخشى من تفشّي الأمراض بيننا، نظراً إلى قلّة النظافة ومستلزماتها المحدودة".
في الإطار نفسه، تخبر الفلسطينية ناريمان حسن من مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، البالغة من العمر 40 عاماً، أنّها لم تستطع توفير الفوط الصحية بعد انقطاعها في المنطقة حيث تقيم، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر يمثّل "أزمة صحية" بالنسبة إلى نساء غزة. تضيف ناريمان لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة محاولات قامت لتوفير فوط صحية من مناطق أخرى في قطاع غزة، لكنّها فشلت بسبب الوضع الأمني الخطر واستهداف الاحتلال وطائراته الحربية كلّ شيء".
وتتابع ناريمان: "صرنا نقتصد بكلّ شيء، خشية امتداد الحرب طويلاً، وذلك حتى بالصابون الخاص بغسل الأطباق وبصابون الاستحمام والشامبو، فتلك المواد راحت تشحّ في المتاجر التي بالكاد تفتح أبوابها، بعد استهداف عدد كبير منها بصواريخ الاحتلال وسقوط شهداء وجرحى فيها".
من جهتها، نزحت أمّ أمجد الكفارنة من شمالي القطاع إلى وسطه، وهي اليوم تعيش مع أفراد عائلتها في سيارتهم الخاصة أمام إحدى المدارس التابعة لوكالة أونروا. وتلفت لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "العائلات التي لجأت إلى المدارس تفتقر بمعظمها إلى مستلزمات النظافة، لا سيّما الصابون والفوط الصحية، إلى جانب المياه".
وتخبر أمّ أمجد أنّها خرجت مع أفراد عائلتها من منزلهم، "من دون أن نحمل معنا احتياجاتنا الأساسية بمعظمها، ظنّاً منّا أنّها مسألة يوم أو يومَين، لكنّ الأمر امتدّ أكثر من شهرين، الأمر الذي يضع العائلة في حالة حرج". وتشرح أمّ أمجد أنّ "الاكتظاظ كبير في مركز الإيواء، ولا تتوفّر أماكن للاستحمام إلا في مرافق المدرسة المحدودة عددياً". وتؤكد: "أشعر بالعجز أمام حاجة أبنائي. فنحن بالكاد وجدنا بقعة فارغة ركنّا فيها السيارة التي صارت هي البيت والمأوى".
تؤكد المتخصصة الاجتماعية النفسية حكمت المصري أنّ "المرأة الفلسطينية تعيش واقعاً مريراً في قطاع غزة، منذ اليوم الأوّل للحرب على القطاع، خصوصاً بعدما اضطرت إلى مغادرة مكان سكنها بحثاً عن الأمان تحديداً، مع تعمّد جيش الاحتلال الإسرائيلي قصف المدنيين العزّل". وتوضح المصري أنّ "هذا الواقع الذي فُرض على المرأة جعلها في حالة من التحدّي والصراع المستمرَّين من أجل البقاء وتحقيق الأمان لعائلتها في بيئة نزوح لا تتوفّر فيها أدنى مقوّمات الحياة".
تضيف المصري أنّ "مسؤوليات عديدة وقعت على عاتقها، من قبيل تجهيز أماكن للنوم مع عدم القدرة على الحفاظ على خصوصية، نظراً إلى مشاركة المساحات مع عائلات أخرى. كذلك يأتي إعداد الطعام بأقلّ الإمكانيات، إلى جانب الوقوف لساعات في الطوابير أمام الأفران من أجل توفير نصف ربطة خبز لا تسدّ رمق الأفواه الجائعة، ومن بعدها طوابير المياه في حال توفّرت تلك الصالحة للشرب".
وتبيّن المصري أنّ المرأة الغزية تجهد كذلك من أجل "تهدئة الأطفال في خلال القصف، ومتابعة أوضاعهم الصحية، والحرص على راحتهم في أثناء النوم من خلال توفير ما يتيسّر من أغطية ومستلزمات نوم أخرى صارت شبه معدومة، وغسل الملابس والأواني في مراكز النزوح التي تتنوّع ما بين مدارس ومستشفيات". وتوضح أنّ "معاناة المرأة في توفير النظافة الشخصية لها ولأبنائها في ظلّ شحّ المياه تزيد من حدّة الضغوطات عليها. ولعلّ الأشدّ صعوبة هو متابعتها حالة الأبناء النفسية للأبناء باختلاف أعمارهم، لا سيّما أنّ القصف المتواصل يتسبّب في حالات من الخوف الشديد والقلق وفي نوبات هلع وتبوّل لاإرادي وغير ذلك".
وتكمل المصري أنّ "الظروف الاستثنائية اليوم تدفع المرأة إلى ممارسة أدوار إضافية ومتعدّدة، الأمر الذي يزيد من الضغط النفسي عليها"، لا سيّما أنّه "لا يمكن لها أن تتخيّل فقدان أيّ من أبنائها، في حين يمضي الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم بحقّ الأطفال والنساء". وتشدّد على أنّ لكلّ ذلك "تبعات نفسية خطرة قد تنعكس على المرأة"، لافتة إلى "ضرورة التدخّل الفوري للذين ينادون بحقوق المرأة وكذلك بحقوق الطفل، مع العلم أنّ أكثر من 222 ولادة تُسجَّل يومياً في بيئة غير آمنة بالمطلق".