نازحو مأرب... فرارٌ لأهل المخيمات من قذائف الحوثيين

01 ابريل 2021
من شتات إلى آخر في مأرب (فرانس برس)
+ الخط -

ضاقت الأرض بمئات الأسر اليمنية النازحة في محافظة مأرب، وكلما بدأت في البحث عن الاستقرار وسط أراضٍ قاحلة، لاحقها الحوثيون بالقذائف المتنوعة

تحتضن محافظة مأرب، شمال شرق العاصمة اليمنية صنعاء، عشرات الآلاف من النازحين ممن يتوزعون على 27 مخيماً، معظمهم فرّ قبل سنوات من مناطق خاضعة للحوثيين في صنعاء، وعمران، وحجة، وذمار، إلى مأرب، للبحث عن منطقة خضراء توفر له الأمان المفقود في مسقط رأسه، فضلاً عن مئات الأسر التي تتحدر من مديريات في الشمال الغربي للمحافظة نفسها، ممن هُجّرت من بلداتها بعدما وصلت إليها المعارك البرية.
منذ بدء التصعيد العسكري الجديد للحوثيين على مأرب، في مطلع فبراير/ شباط الماضي، دفع النازحون الثمن غالياً، إذ كانت مخيماتهم عرضة لهجمات عشوائية عبر مقذوفات تتساقط في المساحات الصغيرة التي يعيشون فيها. وخلال يومي 28 و29 مارس/ آذار الماضي، غادرت 580 أسرة نازحة ثلاثة مخيمات في المناطق الشمالية الغربية للمحافظة، بعد سقوط عدد من المقذوفات الحوثية عليها، وهي مخيمات الميل، والخير، وتواصل.

قضايا وناس
التحديثات الحية

كان مشهد عدد من الأطفال وهم يفترشون الأرض وسط كومة من الأدوات المنزلية وأواني الطبخ صادماً للرأي العام اليمني، فيما أظهرت لقطات مصورة، سيدة يمنية وهي تشاهد بحسرة بقايا خيمة تالفة، احتضنتهم طوال عدة أشهر، قبل أن تتعرض لمقذوفات نارية أحرقتها مع عدد من مستلزمات الإيواء.

حزم أكثر من 4 آلاف نازح، يتوزعون على 580 أسرة ما تبقى من أمتعة متواضعة لديهم نحو مخيم نزوح جديد هو السويداء، في رحلة شتات جديدة لكن، لن تكون الأخيرة، على الأرجح، خصوصاً مع اقتراب النيران الحوثية يوماً بعد آخر من التجمعات السكانية وسط مدينة مأرب. ووفقاً لما تقول مصادر في الحكومة المعترف بها دولياً (حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي) لـ"العربي الجديد" فقد تجاوز عدد النازحين في مأرب منذ بداية التصعيد الحوثي قبل نحو شهرين، أكثر من 17.500، وذلك من 5 مخيمات متفرقة في المناطق الغربية لمأرب.
خلال الأيام الأخيرة، تزايدت المخاطر على النازحين في الأطراف الشمالية لمأرب، بعدما باتت مخيمات الميل، والخير، وتواصل، وذات الراء، عُرضة لمقذوفات وعيارات نارية داخلها، أو بالقرب منها، آتية من المواقع التي يتمركز فيها الحوثيون. تعرضت المخيمات الثلاثة لهجمات حوثية متكررة، أدت إلى إصابات في صفوف النازحين، وإتلاف عدد كبير من الخيام وأدوات الإيواء وخزانات المياه والمراحيض. وخلافاً للإصابات المباشرة، تعرضت 4 نساء للإجهاض، وفقاً لمصادر حقوقية في ائتلاف صنعاء للإغاثة والتنمية. وكشف تقرير للائتلاف، اطلعت عليه "العربي الجديد" عن أضرار نفسية عميقة في أوساط النازحين، إذ تعرض 85 نازحاً للإغماء بعد تساقط القذائف بالقرب منهم، وأكثر من 2000 نازح لصدمات نفسية.

الصورة
نازحون في مأرب- فرانس برس
الآلاف غادروا (فرانس برس)

وعلى الرغم من المخاطر الكبيرة التي باتت تهدد حياتهم، فإنّ عشرات النازحين كانوا يرفضون الانتقال إلى مناطق أخرى،  ويفضّلون الموت على معاناة النزوح المتكرر، خصوصاً بعد المآسي التي طاولت الأسر التي نزحت قبلهم. ويعاني النازحون في مخيمات مأرب ظروفاً قاسية بعد إجبارهم على التنقل من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الأمان، ففي مخيم الميل الذي تأسس في منتصف 2018 في الضواحي الغربية لمأرب، تحديداً في الطريق المؤدي إلى دوّار الجوف، يتحدر غالبية السكان من محافظة صنعاء بمختلف مديرياتها، وفروا جميعهم من البطش الحوثي، وفقاً لما تقول مصادر حقوقية لـ"العربي الجديد".

أما مخيما الخير وتواصل، فقد استمر وصول النازحين إليهما وتشييدهما من يناير/ كانون الثاني حتى يونيو/ حزيران 2020، وينحدر بعض النازحين فيهما من المناطق الشمالية لمحافظة مأرب التي وصلت إليها المواجهات خلال العام الماضي، أما الغالبية العظمى منهم، فيتحدرون من محافظات عدة على رأسها صنعاء وعمران، وجميعهم كانوا قد نزحوا سابقاً إلى محافظة الجوف، قبل أن ينزحوا منها هي الأخرى بعد اجتياح الحوثيين لها في مارس/ آذار 2020.

يقول أيمن عطاء، وهو المسؤول الإعلامي للوحدة التنفيذية لإدارة لنازحين في مأرب لـ"العربي الجديد" إنّ الوجهة المقبلة لسكان المخيمات الثلاثة التي جرى إخلاؤها في أواخر مارس/ آذار الماضي، ستكون نحو مخيم السويداء، وهذا الأخير ليس في مأمن كلي من القذائف الحوثية. يشير عطاء، إلى أعباء كبيرة على النازحين مع تفاقم الأزمة الإنسانية، لافتاً إلى أنّ حجم التدخلات من المنظمات الدولية والأممية، ما زال ضئيلاً جداً، ولا يغطي سوى 60 في المائة من الاحتياجات الفعلية في الجوانب الإنسانية كافة.
رفضت جماعة الحوثيين الإصغاء للدعوات الدولية المتكررة التي تطالبهم بوقف الهجوم على مدينة مأرب وعدم تعريض حياة النازحين للخطر. عوضاً عن ذلك، ذهبت قيادات حوثية عليا للتقليل من الأرقام التي توردها المنظمات الدولية بوجود مليون نازح في مأرب بادعاء أنّها تضم ما بين 40 ألفاً و50 ألفاً فقط. ولا يكثرت الحوثيون بالأرقام مهما كان حجمها، فالمخيمات المتناثرة على امتداد المناطق الغربية والشمالية لمأرب، باتت أهدافاً عسكرية مشروعة بعد مزاعم ساقها محافظ مأرب الموالي للحوثيين، علي طعيمان، تحدث فيها عن استحداث "مرابض للمدفعية" بجواز بعض مخيمات النازحين.
دفعت التطورات الأخيرة، حكومة هادي، لإطلاق نداء استغاثة والتحذير من كارثة إنسانية من جراء موجات النزوح الجديدة، وأبلغت وزارة الخارجية في الحكومة المعترف بها دولياً، الأمم المتحدة، أنّ 3 مخيمات تعرضت في أواخر مارس/ آذار الماضي إلى أكثر من 37 قذيفة مدفعية وصاروخية. وقالت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إنّ فريقها استطلع ميدانياً المواقع المستهدفة، واطلع على حجم المعاناة الإنسانية والمعيشية الصعبة، التي تمر بها عشرات الأسر النازحة التي اُجبرت على مغادرة مخيماتها إثر قصفها من جانب المليشيات بالمدافع وقذائف الهاون.

وفقاً لعضوة اللجنة الوطنية، إشراق المقطري، لم يعد هناك أيّ مكان آمن داخل محافظة مأرب، خصوصاً بعد الاستهداف المباشر والمتعمد من قبل الحوثيين للنازحين، الذين فرّ غالبيتهم من بطش الجماعة في عمران، وذمار، وصنعاء، بحثاً عن الأمان في مناطق توفر المساعدات الإنسانية أو الحفاظ على أطفالهم من عمليات التجنيد التي يفرضها الحوثيون على الأطفال القاطنين في مناطق نفوذهم. تقول المقطري لـ"العربي الجديد" إنّ الاستهداف الحوثي لمخيمات النازحين لا يقتصر على مأرب والجوف فقط، بل هناك استهداف ممنهج للمخيمات في الساحل الغربي أيضاً في الدريهمي، والخوخة.

تهجير أكثر من 238 ألفاً 
أشارت تقارير صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، وهي مؤسسة حكومية (تابعة لحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي)، إلى أنّ القصف المدفعي والصاروخي الذي شنه الحوثيون على مخيمات مأرب، منذ يناير/ كانون الثاني 2020 حتى نهاية مارس/ آذار الماضي، أدى إلى إغلاق 27 مخيماً، وتهجير أكثر من 238 ألف نازح

المساهمون