لجأت منظمات إنسانية عدّة تنشط في محافظة إدلب، شمال غربي سورية، إلى نقل النازحين من الخيام إلى مساكن مسبقة الصنع أو بيوت حجرية من ضمن تجمّعات سكنية، بسبب سرعة تلف تلك الخيام وعدم مقاومتها للظروف المناخية، وحدوث كوارث في المخيمات المنتشرة على الحدود السورية - التركية. بذلك يُمنح السكان استقراراً مؤقتاً، مع غياب أفق أيّ حل سياسي يسمح لهم بالعودة إلى منازلهم التي هُجّروا منها.
وهذه المبادرات بمعظمها تحت إشراف منظمات تركية وأخرى غربية، وقد لاقت الفكرة استحساناً بين السكان، على الرغم من تأثيرها على حجم المساحات الخضراء في الشمال السوري وامتدادها أفقياً، ما يعني استهلاكها مساحات كبيرة من الأراضي على حساب عدد الوحدات السكنية، بالإضافة إلى دورها في ترسيخ استقرار هؤلاء النازحين في الشمال وتأثيرها بالتالي على قرار عودتهم في حال تمّ التوصّل إلى حل سياسي في البلاد.
يقول منسّق الحملات والتواصل في مؤسسة "بِتر شيلتر" (ملجأ أفضل) الاجتماعية السويدية أنطوني مرجان لـ"العربي الجديد": "بنينا في خلال العام الأخير نحو سبعة آلاف وحدة سكنية سوف يستفيد منها نحو 35 ألف شخص في الشمال السوري"،، مشيراً إلى أنّ "المساكن تُصنَّع في أوروبا وتُنقل إلى تركيا ثمّ إلى الداخل السوري. وهي مقاومة للعوامل المناخية، لا سيّما الرياح، وقد خضعت لاختبارات عدّة. كذلك فإنّ كل واحد منها مزوّد بلوح للطاقة الشمسية بالإضافة إلى مصباح، وكل مسكن يضمّ بيت خلاء وحمام مستقلين".
وعن آلية اختيار العائلات، يشرح مرجان أنّ "الأولوية هي للعائلات الأشدّ حاجة والعائلات التي لا معيل لها والتي تضمّ عدداً كبيراً من الأطفال. وثمّة معايير أخرى تحدّدها المنظمات العاملة على الأرض"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ "المساكن المقدّمة هي مؤقتة لكنّها أكثر أماناً وخصوصية، وليست بديلاً عن المنازل التي هجّر منها النازحون".
من جهته، يقول المسؤول في منظمة "وطن" المشرفة على تجمّعَين سكنيَّين في إدلب، سعيد عمار، لـ"العربي الجديد": "أنشأنا تجمعاً في منطقة عريبا بالقرب من مدينة حارم، شمالي إدلب، يحوي 500 وحدة سكنية، وقد استفادت منه 500 عائلة مكوّنة من 2350 فرداً. ولدينا تجمّع آخر في بلدة كفر جالس بالقرب من مدينة إدلب يحوي 3100 وحدة، استفادت منه 3100 عائلة مكوّنة من 15500 فرد". يضيف عمار أنّ "المخيمات التي تمّ إفراغها هي ستّة مخيمات عشوائية كانت تتعرض إلى فيضانات"، مشيراً إلى أنّ "المنظمة أمّنت للسكان المياه المستدامة وخدمة الصرف الصحي، مع العلم أنّ الوحدات السكنية كلها لا تحتاج إلى تكاليف تشغيلية والمنظمة تسلّمها للمستفيدين جاهزة للسكن".
في هذا الإطار، يقول مصدر في وزارة التنمية التابعة لحكومة الإنقاذ لـ"العربي الجديد" إنّ "عدد التجمعات السكنية في محافظة إدلب تخطّى 35 تجمعاً، منها 15 أقامتها منظمات إنسانية فيما تشرف على البقية جمعيات سكنية ربحية. وقد تخطّى عدد الشقق السكنية في هذه التجمعات 40 ألف شقة". ويشير المصدر إلى أنّ "عشرات الطلبات وصلت إلينا لإقامة مشاريع مماثلة في إدلب، لكنّ القائمين على الوزارة يدرسون شروطاً جديدة لتعميمها على الراغبين في بدء مثل هذه المشاريع من منظمات وغيرها. وهي شروط تنظيمية تصبّ في خدمة المستفيدين والمنطقة وتراعي القواعد المتّبعة في الإعمار عالمياً".
أحمد القاسم من المستفيدين من مشروع عريبا، وهو نازح من مدينة كفرنبل، جنوبي إدلب، إلى مركز إيواء مؤقت في مدينة حارم. يخبر "العربي الجديد" أنّه وقّع على عقد الاستلام، مؤكداً أنّ "المنزل الجاهز الذي تسلّمته أفضل بكثير من الخيام. والمنظمة وعدتنا كذلك بتأمين المياه والكهرباء بشكل دائم". بدوره، يقول فراس المنصور وهو مستفيد آخر تسّلم مسكنه الجديد، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا يقارن بالخيام". لكنّ يشير إلى "سلبيات من قبيل قرب الكرفانات من بعضها، وتخصيص مسكن واحد لكل عائلة مهما كان عدد أفرادها. فثمّة عائلات يزيد عدد أفرادها على سبعة أشخاص، الأمر الذي قد يمثّل مشكلة بالنسبة إليها، بالإضافة إلى صغر حجم خزان المياه".
تجدر الإشارة إلى أنّه في منتصف مارس/ آذار الجاري، أفاد فريق "منسقو استجابة سورية" بأنّ أكثر من 30 مخيماً في محافظتي إدلب وحلب، شمال غربي سورية، تضرّرت بشكل جزئي نتيجة عاصفة ضربت مناطق مختلفة من الشمال السوري، موضحاً أنّ الأضرار طاولت الخيام والمرافق الملحقة بها واقتلعت خياماً أخرى بشكل كامل. وفي آخر إحصائية أصدرها الفريق، في أغسطس/ آب الماضي، كشف أنّ عدد المخيمات الكلي في إدلب وحدها بلغ 1293 مخيماً تتوزّع على شكل شريط قرب الحدود السورية -التركية، من بينها 393 مخيماً عشوائياً، ويقطنها مليون و43 ألفاً و689 شخصاً.