كان لموجة البرد غير المسبوقة التي تضرب العراق تأثير كبير على خيام النازحين، وخصوصاً في مدن السليمانية وأربيل والأنبار التي انخفضت درجات الحرارة فيها إلى ما دون الصفر، مع تأكيد تسجيل ثلاث وفيات بين النازحين، هما طفلان في مخيم آشتي في السليمانية، وامرأة مسنة نازحة في ديالى.
وعلى الرغم من مرور نحو خمس سنوات على انتهاء المعارك في العراق وطرد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من آخر معاقله في مدينة الموصل شمالي البلاد، ما زال هناك أكثر من مليون نازح عراقي منذ منتصف عام 2014 لأسباب مختلفة.
ويبلغ مجموع العراقيين المبعدين عن مدنهم بفعل سطوة بعض المليشيات نحو نصف مليون نسمة، منهم قرابة 100 ألف من أهالي جرف الصخر الواقعة شمال محافظة بابل، بينما هناك نازحون آخرون تختلف أسباب عدم تمكنهم من العودة إلى مناطقهم، منها تدمير منازلهم، أو أن أفراداً من تلك العائلات تورطوا في أعمال إرهابية وفرضت القيود العشائرية في تلك المناطق عليهم الترحيل، بينما يخشى آخرون الثأر منهم.
خلال الساعات الأخيرة، شهدت المدن العراقية حملات واسعة أطلقها ناشطون وحقوقيون للتذكير بمعاناة النازحين ومطالبة السلطات التحرّك لإنهاء معاناتهم في ظل تراجع الدعم الذي كانت تقدمه منظمات تابعة للأمم المتحدة، أو وزارة الهجرة والمهجرين العراقية. ووجه مرصد "أفاد" الحقوقي نداءات إلى "منظمات إنسانية وإغاثية في العراق" من خلال إطلاق حملات مساعدة طارئة لآلاف العائلات النازحة التي "تواجه مخاطر جدية على حياتها بفعل تراجع درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في عدد من مناطق البلاد، وتنصل السلطات الحكومية ممثلة بالوزارة من دورها في توفير الوقود ووسائل التدفئة اللازمة".
وفقاً لبيان مرصد "أفاد"، تم "رصد أوضاع إنسانية سيّئة للغاية في مخيمات آشتي بمحافظة السليمانية، وعامرية الفلوجة شمالي وغربي البلاد، تسببت خلال الساعات الاثنتين والسبعين الماضية بوفاة طفلين، وسيدة تبلغ من العمر 71 عاماً قضت داخل منزل متروك في ناحية حمرين بمحافظة ديالى، من سكان قرية نهر الإمام التي هجرتها مليشيات مسلحة نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي". ويؤكد أن سبب الوفاة كان "انخفاض درجات الحرارة وخلو المنزل المهجور من أبواب ونوافذ واستعمال الأسرة الخشب والورق المقوى وأكياس الأرز لإغلاق تلك النوافذ والأبواب".
ويشير البيان إلى أنّ مخيّم الجدعة في الموصل يواجه تفشياً كبيراً لفيروس كورونا ويسجل حالات حرجة قد تكون نتيجتها الموت في حال لم يتم إسعاف المصابين أو توفير عبوات الأوكسجين". ويتهم البيان وزارة الهجرة العراقية بالتنصل من توفير الحماية والرعاية اللازمة للنازحين، بسبب ما وصفه "الفساد المالي والإداري الذي ينخر وزارة الهجرة".
ويشير إلى وجود نازحين آخرين يمرون بظروف سيئة ويوجدون في بقع وتجمعات نزوح بمحافظة ديالى شرقي العراق، وتحديداً في بعقوبة والكاطون وخانقين وحمرين"، محملاً حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي "المسؤولية الأخلاقية والقانونية الكاملة عما آلت إليه أوضاع النازحين في العراق وفقدان أرواح عدد منهم خلال الساعات الماضية".
في السياق نفسه، يناشد مسؤول مخيم آشتي في محافظة السليمانية شمالي العراق، قاسم صالح التميمي، الكاظمي ووزارة الهجرة والمهجرين بمساعدة النازحين في المخيم بعد فقدان طفلين حياتهما بسبب البرد.
ويطالب التميمي المسؤولين بوزارة الهجرة والمهجرين والجهات المسؤولة عن النازحين بمساعدة قاطني مخيم آشتي، وخصوصاً بعد تساقط الثلوج، مشيراً إلى أن سماكة الثلوج في المنطقة بلغت حدود المتر.
ويؤكد وفاة طفلين في المخيم بسبب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة، مبيناً أنه "حتى الآن لم يحصل النازحون في المخيم على النفط للتدفئة"، لافتاً إلى خطورة أوضاع النازحين، وخصوصاً الأطفال وكبار السن والأشخاص المعوقين، مطالباً بـ"الرحمة والإنسانية والالتفات إلى أحوال النازحين".
ومنذ عام 2014، يُؤوي مخيم آشتي في السليمانية أكثر من 1800 عائلة نازحة، غالبيتها من محافظة صلاح الدين، فيما يؤوي مخيم عامرية الفلوجة أكثر من 2000 عائلة، ومثل هذا العدد تقريباً في مخيم جدعة جنوبي الموصل.
ولم تعلق السلطات العراقية الحكومية حتى الآن على تطورات أوضاع النازحين، في وقت رفض فيه أكثر من مسؤول بوزارة الهجرة والمهجرين في بغداد التعليق على حالات الوفاة الجديدة أو شكاوى انعدام الرعاية وعدم إيصال الوقود أو الأغطية للنازحين.
ويقول الناشط علي الكرخي في بغداد إنهم بدأوا حملة وطنية كبيرة لمساعدة النازحين من خلال جمع أغطية وبطانيات وملابس ووقود للتوجه إلى مخيمات النازحين.
يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن استمرار النزوح في العراق بعد سنوات على انتهاء المعارك وصمة عار على النظام السياسي في البلاد، لافتاً إلى أن غالبية النازحين مشردون بالمخيمات، في وقت تسيطر فيه على مدنهم فصائل مسلحة. لكن لا قدرة للحكومة على الطلب منهم السماح للأهالي بالعودة.
وأطلق ناشطون وسوماً عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزها وسم #أنقذوا_النازحين_من_البرد. وتقول الصحافية مها السراج إنه رغم مرور أكثر من أربعة أعوام على إعلان استعادة المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ما زال هناك أكثر من مليون نازح في العراق خارج مناطقهم. هؤلاء الناس يعيشون واقعاً مريراً في ظل الشتاء القاسي.
من جهته، يقول الباحث بالشأن العراقي لقاء مكي إن "النازحين في المخيمات لا يكترثون لصراعات المنطقة، ولا تهمهم تحولاتها، ولا التوازنات الدولية، أو حتى من شردهم من ديارهم. اليوم يريدون النجاة فحسب. نصرخ لأجلهم وندرك أن أحداً لا يسمع أو يعي".
أما المتحدث باسم مرصد "أفاد" الحقوقي حسين دلي، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "مأساة النازحين في العراق عادت لتتصدر المشهد الإنساني مجدداً في ظل موجة شديدة البرودة مصحوبة بالثلوج والأمطار وخيام مهترئة وانعدام وسائل التدفئة تقريباً وسط تقاعس حكومي واضح عن تلبية أبسط مقومات الحياة وبينها الغذاء المناسب لمخيمات النزوح.
وتنكر وزارة الهجرة والمهجرين حقوق عدد غير قليل من مخيمات النازحين والمهجرين بذريعة أن الحكومة وفرت لهم إمكانية الخروج من تلك المخيمات استجابة لوعود أطلقها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل أكثر من عام".