تكرّرت التجاوزات داخل رياض الأطفال التونسية، كما تعددت الشكاوى حول عدم تخصص الإطار التربوي العامل فيها، ما دفع وزارة المرأة والطفولة إلى ضبط القطاع عبر كراس شروط يُنظم فتحها، ويحدد مواصفات الإطار التربوي، وباتت مخالفة الشروط تعرّض صاحب الروضة إلى غرامات مالية وعقوبات تصل إلى الإغلاق.
وفرضت الوزارة أن يكون مدير الروضة وكافة الإطارات التربوية العاملة من حاملي شهادات الاختصاص، إضافة إلى الحصول على شهادة متخصصة في القدرة على تقديم الإسعافات الأولية من مصالح الحماية المدنية، كما فرضت اعتماد البرامج والوثائق البيداغوجية الصادرة عن وزارة التربية بالنسبة للسنة التحضيرية، ومنعت اعتماد رياض الأطفال على مناهج أو برامج أجنبية، مهما كان مصدرها.
وتنص الشروط على تركيز كاميرات مراقبة في مداخل المؤسسات لرصد التجاوزات، والاهتمام بالجانب الصحي والغذائي للأطفال، مع ضرورة توفير إطار تربوي لكل 20 طفلا بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات، وأن تخضع الأنشطة والبرامج الصيفية إلى موافقة مسبقة من المصالح الجهوية، مع إلزامية قبول الأشخاص ذوي الإعاقة بعد تقديم تقرير طبي يفيد بقابلية الطفل للاندماج في الروضة.
وأكدت وزارة شؤون المرأة والأسرة وكبار السن على التدني النسبي لمستوى الخدمات التربوية المقدمة في رياض الأطفال خلال السنوات الأخيرة، نظرا لتشغيل أشخاص غير متخصصين، إضافة إلى انتشار رياض الأطفال العشوائية. ورغم إغلاق أكثر من 900 روضة خلال العامين الماضيين، إلا أنه يجري فتح عشرات من رياض الأطفال العشوائية سنوياً في كل الجهات.
ولا تتقيد العديد من رياض الأطفال بكراس الشروط، خصوصاً على مستوى اعتماد إطار تربوي متخصص، فيما تواصل وزارة المرأة إرسال مراقبين للتأكد من توظيف مختصين، والتثبت من شهاداتهم العلمية، وعقود عملهم، للتأكد من توفر أجور محترمة وفق ما يضبطه القانون.
لكن العديد من العاملين في رياض الأطفال يشتكون من تدنّي أجورهم، وأغلبهم يعملون وفق عقود وقتية تتجدد سنوياً. لذا لا يُقدِم أغلبهم على الشكوى من عدم حصولهم على أجور قانونية مخافة عدم تجديد عقود عملهم، كما لا يتمتع أغلبهم بتغطية صحية أو ضمان اجتماعي.
يقول أشرف بن أحمد (36 سنة): "أعمل منذ ثلاث سنوات في إحدى رياض الأطفال، وأتقاضى 160 دولاراً في الشهر، وهو أجر لا يؤمّن أبسط ضروريات العيش. لكنّي مضطر للعمل بذلك الأجر نظرا لانعدام فرص العمل. فتح روضة أطفال خاصة يتطلب إمكانيات كبيرة، وليس من السهل الحصول على قرض بنكي لإنشاء المشروع. رغم حصولي على شهادة تخصص في التنشيط الطفولي، إلا أنني أعمل من دون ضمان الحد الأدنى من الأجر، ومن دون التمتع بتغطية صحية أو اجتماعية".
ويضيف: "نفس الوضعية يعاني منها أغلب العاملين في رياض الأطفال، على الرغم من أنها تحصّل مداخيل مرتفعة من أولياء الأطفال، إذ تتقاضى الروضة التي أعمل بها 150 دولاراً عن كل طفل، وتضم أكثر من ثلاثين طفلاً، بينما لا يتجاوز مجموع أجري أنا وزميلتي 320 دولاراً، والأمر ينطبق على أغلب الرياض، إذ تغيب الرقابة، ولا يجرؤ العاملون على تقديم شكاوى".
تعمل خلود الرحالي (32 سنة) في إحدى رياض الأطفال منذ أربع سنوات بأجر لا يتجاوز 200 دولار شهرياً، رغم حصولها على شهادة أكاديمية في تنشيط الطفولة، كما أنها لا تتمتع بأي تغطية صحية أو اجتماعية، وتؤكد: "لا أستطيع المطالبة بأي حقوق مهنية، لأنني أعمل وفق عقد وقتي يتجدد كل ستة أشهر، وأي اعتراض أو مطالبة بأي حقوق قد يعرّضني إلى خسارة الوظيفة، فيما فرص العمل قليلة".
وتوفر رياض الأطفال الحكومية خدمات شبه مجانية للعائلات التي لا تستطيع دفع مصاريف الرياض الخاصة، كما تُشغل مختصين. لكن عددها قليل، ولا يستوعب عدد خريجي تربية الطفولة، كما لا يستوعب العدد الكبير من أطفال الأسر محدودة الدخل، ما دفع وزارة المرأة والطفولة إلى إعلان زيادة أعدادها.