بلغت المخاوف من التغيير الديموغرافي ومواليد السوريين في تركيا حدّ إطلاق حملات في الفترة الأخيرة، زعمت عدم وجود أماكن في غرف أقسام العناية المركزّة في مستشفيات ولاية هاتاي المحاذية للحدود مع سورية، نتيجة كثرة المواليد السوريين.
وفي 6 سبتمبر/ أيلول الماضي، نقل موقع "آخر الأخبار" التركي عن مواطنين قولهم إن "طفلين تركيين حديثي الولادة نٌقِلا إلى مستشفى خارج الولاية بسبب عدم توفر مكانين لهما داخل غرف العناية المركزية، في حين شهد اليوم ذاته ولادة 60 طفلاً سورياً في الولاية، مقابل هذين الطفلين التركيين فقط".
لكن مديرية الصحة في ولاية هاتاي نفت، في بيان أصدرته، هذه الإدعاءات التي انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنت أن "يوم 6 سبتمبر/ أيلول شهد ولادة 68 طفلاً، بينهم 30 طفلاً سورياً فقط".
واللافت أن هذا البيان الرسمي، الذي نفى المزاعم، لم يوقف الحملات المستمرة التي تتناول التأثيرات السلبية لزيادة عدد المواليد السوريين، فاضطرت هيئة الإحصاء الرسمية الحكومية إلى كشف العدد الكامل للمواليد السوريين منذ بدء لجوئهم إلى تركيا عام 2011 وحتى منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي.
وأعلنت الهيئة ولادة 754 ألف طفل سوري في تركيا منذ بداية لجوء السوريين، موضحة أن "هؤلاء المواليد يشكلون نسبة 8 في المائة فقط من عدد المواليد في البلاد"، وعلّقت بأن "هذه النسبة طبيعية، ولا تستدعي التصريحات التي تصدرها أحزاب المعارضة، وتحرض فيها الناس على السوريين، من خلال المبالغة في تحديد عدد مواليدهم".
وترى الباحثة التركية فايزة لينل، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "ما يقال عن نسبة مواليد السوريين في تركيا مبالغ به كثيراً، لكنها أعلى فعلياً من تلك للمواليد الأتراك مقارنة بعدد السوريين، لأن تحديد النسل في تركيا مستمر، رغم تشجيع الحكومة الناس على الإنجاب، ومنحها هدايا ومبالغ مالية للولدين الثاني والثالث. ومعظم الأسر التركية تكتفي بولدين أو ربما ولد واحد، أما الأسر السورية في تركيا فتنجب أربعة أولاد وأكثر، خاصة في المناطق الحدودية مثل هاتاي وأورفة".
وتزعم المعارضة التركية أن ما بين 70 و80 في المائة من مواليد ولاية هاتاي من السوريين، "ما يرجّح زيادة عدد السوريين في المستقبل، أو ربما تفوقهم على عدد الأتراك في الولاية"، ما دفع والي هاتاي، رحمي دوغان، إلى الرد بأن "أشخاصاً يتلاعبون بشكل مبالغ بعدد اللاجئين السوريين الذين يعيشون في هاتاي، كي يشوهوا الحقائق".
وأكد في تصريح نقلته وكالة "دي إتش إي" التركية، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن "عدد سكان مدينة هاتاي يبلغ 1.6 مليون بينهم 429121 سورياً مسجلين ضمن الحماية المؤقتة. أما المقيمون فعلياً في ولاية هاتاي بحسب آخر إحصائية أجريت فيبلغ عددهم 370260، ما يعني أن السوريين في الولاية يشكلون نسبة 18.14 في المائة من إجمالي عدد السكان".
وفي شأن نسبة المواليد، يضيف دوغان "أن الادعاء بأن 70 إلى 80 في المائة من الأطفال المولودين في الولاية سوريون خاطئ تماماً، ويمثل تشويهاً وتلاعباً بالأرقام، فخلال الفترة الممتدة بين يونيو/ حزيران 2021 ويونيو/ حزيران 2022، بلغ عدد المواليد 32782، منهم 22779 تركياً، ونحو 10 آلاف طفل سوري، وبالتالي شكل الأطفال السوريون ربع الولادات فقط في الولاية".
لكن لينل ترى أن "هذه النسب مرتفعة، رغم أنها تنفي المبالغات في الأرقام المزعومة"، مشيرة إلى أن بعض الولادات لا يجرى تسجيلها بسبب عدم امتلاك الأبويّن السوريين أوراقاً رسمية لتثبيت الزواج، أو حصول زواج دون السن التي يحددها القانون التركي، فبعض السوريات يتزوجن من دون أن يبلغن سن الثامنة عشرة، ما يمنع تسجيل المولود الذي يخالف القانون التركي، ويفرض عقوبة الزوج وأب العروس".
لكنها تستدرك أيضاً بأن "كثرة المواليد أو قلتها لا توفر ذريعة للبعض لرفع نبرة الخطابات العنصرية ضد اللاجئين". وتدعو إلى "معالجة الأمر من جذوره وليس إلى الاستقواء على البعض، خصوصاً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرح أخيراً من مدينة نيويورك الأميركية بأن خطة عودة السوريين الطوعية بدأت، وأن مرحلتها الأولى تستهدف إعادة مليون لاجئ إلى سورية. وهذه الإجراءات هي الحل المطلوب، وليس تقاذف كرة السوريين وتحويلهم إلى ورقة انتخابية، فالعنصرية التي تقودها بعض الأحزاب المعارضة تضر بتركيا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي".
وتختلف كثافة اللاجئين السوريين بين ولاية وأخرى في تركيا. ويبلغ عدد من يحملون بطاقات الحماية المؤقتة "كيملك" 3.6 ملايين، بحسب الإحصاءات الرسمية، ويتواجدون في جميع الولايات، ما يشكل نسبة 4 في المائة من عدد السكان، لكن نقطة تمركزهم الأكبر هي في مدينة إسطنبول بأكثر من نصف مليون، ثم في الولايات الجنوبية القريبة من الحدود السورية بنحو مليون ونصف المليون يتوزعون على محافظات غازي عنتاب وكلس وهاتاي وأورفة، في حين لم يبقَ في المخيمات سوى نحو 56 ألف سوري، بحسب ما تفيد إحصاءات دائرة الهجرة التركية، يمكثون في ولايات أضنة وهاتاي وكهرمان مرعش وكلس والعثمانية.
ودفع ذلك تركيا العام الماضي إلى بدء توزيع السوريين على الولايات، وإغلاق القيود، ومنع انتقالهم إلى ولايات تستضيف أعداداً كبيرة منهم.
ويقول العامل السابق في مديرية الهجرة شوكت أقصوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب التركية، سواء تلك في السلطة أو تنتمي إلى المعارضة، تستخدم ورقة اللاجئين السوريين. وما صدر أخيراً عن عدد ولادات السوريين في تركيا يؤثر جداً في الشارع التركي الذي بدأ نتيجة التحريض المستمر يخاف من أن يصبح السوريون غالبية، ويتسببون في تغيّرات ديموغرافية، خاصة في الولايات الحدودية.
ولا ينكر أقصوي وجود مبالغات في أرقام اللاجئين السوريين، وارتفاع في نبرة التحريض ضدهم، ذات أبعاد سياسية تتعلق بالانتخابات، وبتبدل المواقع السياسية في المنطقة، لأن تركيا لم تعرف في تاريخها أي عداء للاجئين. وإذا نظرنا إلى خريطة الهجرة إلى تركيا بعد تأسيس الجمهورية فقط، نجد أن نحو 1.6 مليون جاؤوا من اليونان بعد معاهدة لوزان عام 1923، وأكثر من 300 ألف من دولة يوغوسلافيا السابقة بعد اتفاق الهجرة بين البلدين عام 1953. كما قدِم نحو 800 ألف لاجئ من بلغاريا، وجرى توطين عشرات آلاف اللاجئين من رومانيا، كما استقبلت تركيا مليون إيراني بعد ثورة عام 1979، ووصل آخرون إلى أراضيها بعد الحرب في أفغانستان، وصولاً إلى استقبالها العرب بعد عام 2011".
ويكشف أقصوي أن أهم المعارضين الوجودَ السوري اليوم هم من اللاجئين أنفسهم، فزعيمة حزب "الجيد" ميراي أكشنر يونانية الأصل ومتحدرة من مدينة سالونيك، وإيلاي أقصوي التي قادت حملة ضد الوجود السوري قبل انتخابات عام 2018، أصولها من قبرص. أيضاً من أهم الأسماء التي تعارض الوجود السوري، رئيس حزب "النصر" أوميت أوزداغ المولود في مدينة طوكيو اليابانية، ووالده من أصول داغستانية هاجر إلى تركيا وبقي فيها قبل أن يتوفى في أنقرة عام 2002.
من جهته، يصف المحلل التركي علاء الدين شينغوللير استخدام المعارضة ورقة المواليد السوريين و"فزاعة" التخويف من التغيير الديموغرافي، بـ"حملة لا أخلاقية تستند إلى اتهامات غير صحيحة، فالأرقام الرسمية واضحة، وتنفي تزايد نسبة المواليد السوريين".
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "تريد المعارضة الوصول إلى السلطة بأي شكل، حتى لو أحدثت فوضى، واعتمدت أساليب مضللة وكاذبة. وخلال هذه الفترة، يبدو أن اللاجئين السوريين هم الحلقة الأضعف التي يلتقي حولها الجميع".