مهن شاقة تحرق سنوات الطفولة في العراق

31 اغسطس 2024
ثياب متسّخة وعمل شاق (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **أوضاع الأطفال العاملين في بغداد**: يعمل أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاماً في مهن شاقة بمنطقة الشيخ عمر الصناعية، ويعتمدون على دخلهم لإعالة أسرهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

- **قصص الأطفال العاملين**: مهند صالح (11 عاماً) يعمل في تلميع الأحذية ويطمح لبدء مشروع تجارة المعدات الكهربائية، بينما جعفر هاشم (14 عاماً) يوازن بين العمل والدراسة ويحلم بأن يصبح محامياً.

- **تأثيرات عمالة الأطفال**: عمالة الأطفال في العراق تنتج عن الفقر وتؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية سلبية، وتعرضهم لبيئات خطرة قد تؤدي إلى انحرافهم نحو أعمال غير قانونية.

يحمل أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاماً، يرتدون ملابس متّسخة، معدات لإصلاح السيارات في منطقة الشيخ عمر الصناعية بالعاصمة العراقية بغداد، ويؤدون مهمات يومية كما لو كانوا رجالاً يعرفون معنى العمل والتزاماته.
يمكن بسهولة من النظرة الأولى ملاحظة أن هؤلاء الأطفال يعيشون في أوضاع استثنائية تفوق أعمارهم الصغيرة، فمن يعمل بهذه المهن يجب أن يتحلّى بالقوة والرجولة.
ويصرّ عدد من هؤلاء الأطفال الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" على أنهم يملكون خبرات لا تقل عن تلك لرجال يتجاوزون أعمارهم بسنوات ويملكون قوة بدنية أكبر. ويروون أنهم اكتسبوا هذه الخبرات في سوق العمل وعبر مخالطة الكبار. ويُخبر بعضهم أنهم دخلوا سوق العمل في عمر سبعة أعوام، وآخرون في عمر أقل.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول الطفل أحمد سلام الذي يلقب نفسه بـ"أبو شاهين" نسبة إلى شخصية اشتهرت على منصات التواصل الاجتماعي، وعُرفت بإطلاقها قصصاً بطولية عن نفسها لا صلة لها بالواقع، لـ"العربي الجديد": "وُلدت عام 2018، ولا أنوي الدخول إلى المدرسة لأنني اعتدت أن أرافق الأطفال الذين يعملون في الحي الصناعي".
ولا يُمارس أحمد الذي تسكن عائلته قرب هذا الحي مهنة محددة، إذ يوصل طلبات طعام إلى ورش، وينقل احتياجات ومشتريات لأصحاب المحلات.
وبسبب تقليده شخصية "أبو شاهين" بات أحمد محبوباً لدى الجميع، ويحظى بعناية من العاملين في الورش وأصحاب المحلات. ويُخبر أن النقود التي يحصل عليها خلال عمله اليومي هي المصدر الرئيسي لمعيشة أسرته التي تتألف من أب مريض غير قادر على العمل ووالدة وشقيقتين تكبرانه بأعوام قليلة.
عمالة الأطفال ظاهرة منتشرة في العراق، وسببها الأول الفقر الذي يدفع العائلات إلى زج الأبناء في سوق العمل. ويكشف المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان (عراقي مستقل) أن العراق يحتل المرتبة الرابعة في عمالة الأطفال بعد اليمن والسودان ومصر، ويتركز عمل نسبة 4.9% في الفئات العمرية الصغيرة في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات بنسب عالية.
من جهته يزاول مهند صالح (11 عاماً)، للعام الرابع على التوالي، مهنة تلميع الأحذية، ويعمل في مواقع عدة داخل بغداد. وهو استهل العمل بمرافقة ابن خالته الذي يكبره بستة أعوام، ثم تعلّم منه "الصنعة" خلال أيام قليلة.
ويجلس مهند في الصباح أمام مقهى في جوار مصرف ببغداد حيث توجد شركات تجارية وموظفون كثيرون يطلب بعضهم منه تلميع أحذيتهم، ثم ينتقل عند الظهر إلى موقع آخر، ويختار في المساء موقعاً معيناً في مناطق يكثر فيها السهر.
ويقول مهند لـ"العربي الجديد" إنه لا يأبه بحياة الطفولة، وإنه ترك الدراسة قبل عامين وانخرط في سوق العمل جراء الديون التي تراكمت على والدته التي انفصلت عن والده.
يضيف: "أحاول أن أجمع مالاً يكفي لبدء العمل في تجارة المعدات الكهربائية. هذا مشروع المستقبل الذي أحلم به. أكسب الآن جيداً من عملي، إذ بت أعرف كيف أفعل ذلك، وكيف أختار زبائني وأقنعهم أن يدفعوا أكثر من أجري. وما أكسبه باليوم يتراوح بين 100 و150 ألف دينار (75 و115 دولاراً) لذا أعمل أكثر من 12 ساعة يومياً".

سوق العمل للصغار أيضاً (مرتضى السوداني/ الأناضول)
سوق العمل للصغار أيضاً (مرتضى السوداني/ الأناضول)

في المقابل يحرص أطفال منخرطون في سوق العمل على مواصلة دراستهم، وأحدهم جعفر هاشم (14 عاماً) الذي يحلم أن يكون محامياً. ويقول لـ"العربي الجديد": "أجتهد في الدراسة إلى جانب العمل، ولم يبقَ أمامي سوى أربعة أعوام كي أدخل كلية الحقوق وأكون محامياً، بحسب ما أخطط لمستقبلي".
يعمل جعفر في بيع الألبسة بالتجزئة داخل سوق شعبي ببغداد، ويعرض على بسطة صغيرة بضائع ألبسة أطفال. ويقول: "أعمل مع شقيقي ليث الذي يكبرني بعامين، ونواصل الدراسة. اضطررنا إلى العمل بسبب الوضع المعيشي السيئ لأسرتنا، ونساعد والدنا في الإنفاق على تعليم بقية إخوتنا فنحن عائلة كبيرة تضم ثلاثة أبناء وأربع بنات".
ويوضح متخصصون أن "طبيعة الأطفال تميل إلى اللهو واللعب التي تقل تدريجاً في سن المراهقة. وفي حال لم يعيشوا طفولتهم كما يجب سيعانون من آثار سلبية نفسية واجتماعية تلقي بظلالها على حياتهم والمجتمع".
وتقول الباحثة الاجتماعية ميس النداوي لـ"العربي الجديد": "تدفع عوامل عدة الأهالي إلى إرسال أولادهم إلى العمل بدلاً من المدرسة، ومنها الفقر والحاجة الماسة نتيجة مشاكل مفاجئة مثل مرض المعيل أو التعرض لخسارة مالية، أو مواجهة البلاد نزاعات المستمرة أو أوضاع أمنية سيئة تتسبب في الانقطاع عن الدراسة وتشتت الأسر، ما يجبر الأطفال على البحث عن وسيلة للعيش".
تضيف: "العائلات التي تعاني من فقر قد لا تجد بديلاً سوى إرسال أطفالها إلى العمل. وفي بعض الأحيان يكون دخل الطفل المادي مهماً لبقاء الأسرة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتلفت إلى أن "مشاكل عدة يعيشها المجتمع الآن، وتستمر في تهديده، جراء عمل الأطفال، ومنها تأثير العمل على صحتهم ونموهم الجسدي والنفسي في ظل عيشهم خارج وسطهم الطبيعي".
وتشير إلى أن "الأطفال يعملون في بيئات صعبة، ويختلطون بمختلف الشرائح، بينهم سارقون ومجرمون قد يحوّلون مجرى حياتهم إلى مستقبل شديد الخطورة. وتفيد العديد من التقارير الحكومية وغير الحكومية التي أصدرتها جهات متخصصة بأن عدداً كبيراً من الأطفال يزاولون أعمالاً غير قانونية، مثل بيع المخدرات والعمل في الدعارة".