في مشهد أعاد إلى الأذهان الصورة التي كان عليها العالم قبل تفشي فيروس كورونا الجديد، شارك أكثر من 11 ألف شخص في مهرجان "ذي ستروبيري ميوزيك فيستيفال" الذي أقيم في مدينة ووهان الواقعة في وسط الصين، مطلع شهر مايو/ أيار الجاري. وكان لافتاً في المهرجان الذي تزامن مع عطلة عيد العمال، عدم التزام المشاركين بالكمامات الطبية ولا بشرط التباعد الاجتماعي أو الجسدي كإجراء احترازي لمنع انتشار عدوى الفيروس الذي ما زال يفتك بكثيرين في دول العالم. وهو كان قد انطلق، في أواخر عام 2019، من هذه المدينة بالذات، وتحديداً من سوق للمأكولات البحرية فيها. وقد دفع الأمر السلطات الصينية آنذاك إلى فرض حجر صحي عام وقيود صارمة على المدينة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، علماً أنّ عملية العزل تلك استمرت أكثر من شهرَين.
وقد صرّح منظمو الحفل بأنّ إقامة مهرجان "ستروبيري" (فراولة) الموسيقي السنوي في ووهان، علماً أنّه ينظّم في العادة في مدن ومناطق مختلفة، هو مكافأة لسكان المدينة على التضحيات التي قدموها في أثناء تفشي الوباء فيها. ورأوا أنّ تنظيم المهرجان بالصورة التي ظهر فيها وفي وقت تعاني فيه دول أخرى من جائحة كورونا، هو إنجاز كبير يُحسب للقيادة الصينية. وكانت وسائل إعلام رسمية صينية ناطقة بلغات أجنبية قد أفردت مساحات كبيرة لتناول مهرجان "ستروبيري" في ووهان، ونقلت فعالياته على الهواء مباشرة، في ما بدا كأنّه جزء من بروباغندا تسوّق لنجاحات الحزب الشيوعي الصيني والدولة في مكافحة فيروس كورونا الجديد والسيطرة عليه.
في ردّ على سؤال لـ"العربي الجديد" عمّا إذا كانت الصين تحاول من خلال تسويق نجاحاتها تحسين صورتها في الخارج بسبب تحميلها مسؤولية انتشار الفيروس، تقول شياو لي وهي إعلامية صينية تعمل في تلفزيون الصين المركزي بالعاصمة بكين، إنّ "الصين ليست في حاجة إلى دعاية من أجل تحسين صورتها، فضلاً عن أنّها لم تقترف ذنباً في ما يتعلق بتفشي الوباء العالمي، وقد أكدت منظمة الصحة العالمية في أكثر من مناسبة أنّ ظهور الفيروس غير مرتبط بمختبر ووهان للفيروسات". تضيف شياو لي: "حتى لو صحّ لجوء الصين إلى التسويق لنفسها، فهذا حقّ مكتسب نظير ما بذلته في خلال عام ونصف عام من الجهود الحثيثة والإجراءات الفعالة التي ساهمت بشكل كبير في ضبط أعداد الإصابات عند الحدّ الأدنى". وتتابع شياو لي "فلننظر من حولنا كيف ينتشر الوباء بصورة مخيفة، وكيف ترتفع أعداد الوفيات يومياً، فيما لم يتخطّ عدد الإصابات في الصين منذ ظهور الفيروس حاجز المائة ألف وظلّ عدد الوفيات ثابتاً منذ فترة طويلة عند 4636 وفاة".
في سياق متصل، لا بدّ من السؤال عن سرّ نجاح الصين في التصدي للفيروس، في وقت تدفع فيه جارتها الهند على سبيل المثال آلاف الوفيات يومياً. يأتي ذلك في أعقاب تداول ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات فيديو قصيرة تظهر صينيّين وهم يحتفلون بمهرجان "ستروبيري" الموسيقي في البؤرة الأولى لفيروس كورونا الجديد، في وسط البلاد. ويجيب عن هذا السؤال الخبير الصيني دينغ يانغ، وهو موظف سابق في اللجنة الوطنية للصحة في مقاطعة هوبي حيث تقع مدينة ووهان. فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ السرّ في نجاح الصين يكمن في ثلاث قيم هي الإخلاص في العمل والثقة في الكوادر الطبية والالتزام بالتعليمات. ويشرح أنّ "تكامل القيم الثلاث شكّل علامة فارقة في قدرة الصين على وضع حدّ لانتشار الفيروس، لتصبح في ما بعد حديث العالم، بعدما طاولها من الاتهامات ما كان كفيلاً بإسقاط أيّة دولة أخرى وطرحها أرضاً". يضيف دينغ يانغ: "لا شكّ في أنّ الإجراءات التي اتبعتها السلطات الصينية كانت صارمة في بعض أجزائها، مثل إغلاق الحدود وإبقاء ملايين السكان في منازلهم، لكن فلننظر الآن كيف ينعمون بالسلامة وحرية الحركة، لولا ذلك ما كانا على ما نحن عليه الآن".
وفي ردّ على سؤال آخر عمّا إذا كانت الصين قد اعتمدت على نظامها الشمولي وقبضتها الحديدية في إخضاع المواطنين وتقييد حرياتهم، يقول دينغ يانغ إنّ "الشعب الصيني معروف بالتزامه ويثق في قيادته، وهو ليس في حاجة إلى عصا كي ينفّذ ما وُضع من أجل سلامته. وحتى لو حدث ذلك بالفعل، فإنّه لا يُعَدّ مأخذاً على السلطة التي تضع سلامة مواطنيها فوق كل اعتبار".
وكانت دول غربية قد وجّهت اتهامات إلى الصين، حين شرعت في تطبيق الحجر الصحي على ملايين السكان في بدايات ظهور الفيروس قبل نحو عام ونصف عام، وقد شهدت تلك الفترة تشكيل لجان شعبية لمساندة السلطات الصحية في تطبيق إجراءات الحجر والوقاية شملت مهامها قياس درجات حرارة المواطنين وتعقّب المخالطين وفحصهم في منازلهم. كذلك، ما كان لافتاً في خلال تلك الفترة وصار حديث العالم في ما بعد، هو قدرة السلطات في ووهان على بناء مستشفى في زمن قياسي لم يتجاوز ثمانية أيام، وذلك لاستقبال الإصابات الجديدة بكوفيد-19 بعدما ضاقت بهم مستشفيات المدينة. في تلك الأثناء، لم تنقطع الأغذية والمواد التموينية، إذ كانت تصل إلى بيوت المواطنين عبر شركات توصيل خاصة تموّلها الحكومة. إلى جانب ذلك، أنشأت السلطات الصحية منصة إلكترونية للإعلان عن الحصيلة اليومية لأعداد الإصابات الجديدة بهدف إطلاع عامة الشعب على كلّ التفاصيل المتعلقة بالوباء الجديد.