أعادت الفنانة الاستعراضية نرمين صفر، الجدال حول حقّ النساء التونسيات في تجميد البويضات إلى الواجهة، بعد إفصاحها عن نيّتها القيام بذلك من أجل الحفاظ على حقّها في الأمومة. وأعلنت نرمين صفر الثلاثينية عن قرارها هذا في تدوينة على موقع "فيسبوك"، الأمر الذي تسبّب في ردود فعل متناقضة، ما بين رافضة ومؤيّدة، فيما أعلنت ناشطات نسويات دعمهنّ الكامل لها وقد طالبنَ بتصحيح قانون الطبّ الإنجابي الذي يحرم النساء من الدفاع عن حقهنّ في الأمومة.
وتونس البلد الذي تقدّم على دول عربية كثيرة في ما يخصّ تمكين المرأة من الحقوق السياسية والاجتماعية، ما زال يمنع غير المتزوجات من الحفاظ على حقّ الإنجاب في حال الزواج في سنّ متقدّمة، عبر التجميد المبكر للبويضات. لذا تضطر تونسيات عديدات، ممّن يملكنَ القدرة المالية، إلى السفر إلى إسبانيا أو دول أوروبية أخرى من أجل تجميد بويضاتهنّ في انتظار العثور على شريك الحياة وتحقيق حلم الإنجاب في أيّ سنّ كانت.
تؤكد كريمة العياري (42 عاماً) أنّ "للنساء الحقّ في الدفاع بكلّ الوسائل عن حقّ الأمومة الفطري، فتجميد البويضات حلّ علمي يُمنع عن نساء تونس بسبب تخلّف التشريعات". وتقول العياري التي تتلقّى علاجاً للمساعدة على الإنجاب بعد زواجها في سنّ الأربعين، لـ"العربي الجديد"، إنّها صارت "أكثر دفاعاً عن حقّ الأمومة في سنّ متقدّمة بعد خوض التجربة والقيام بمحاولات إنجاب عبر التخصيب الصناعي"، مشدّدة على أنّ "المضيّ في منع النساء من تجميد بويضاتهنّ ضرب من ضروب التخلّف التي تعاني منها المجتمعات العربية". تضيف العياري: "لو كان التجميد مسموحاً لقمتُ بذلك في سنّ مبكرة من دون أي تردّد"، لافتة إلى أنّها كانت لتحصل على قرض مصرفي من أجل ذلك "نظراً إلى الكلفة المرتفعة لعملية التجميد".
ويسمح القانون في تونس فقط بإجراء عمليات تجميد البويضات في حالات صحية معيّنة يرى أنّها تستوجب التجميد، منها إصابة المرأة بمرض السرطان وخضوعها لعلاج بالأشعّة. وتمنع المادة 11 من القانون الطب الإنجابي الصادر في أغسطس/ آب 2001 "تجميد الأمشاج أو الأجنة"، لكنّ القانون ذاته يستثني في فصله السادس الشخص المتزوّج والذي يخضع لعلاج أو الذي يستعدّ للخضوع إلى عمل طبي من شأنه أن يؤثّر على قدرته على الإنجاب، فيُسمَح له باللجوء إلى تجميد أمشاجه قصد استعمالها لاحقاً في إطار رابطة زواج شرعي وفي نطاق الطب الإنجابي وطبقاً للقواعد والشروط الواردة بالقانون.
في هذا السياق، يرى الطبيب عماد غنّام عضو الجمعية العلمية لطبّ النساء والتوليد أنّ "تونس تأخّرت كثيراً في تعديل القانون المتعلق بالطب الإنجابي"، مؤكداً أنّ "من حقّ النساء الحفاظ على حقّ الإنجاب في سنّ متقدمة". ويقول غنّام لـ"العربي الجديد" إنّ "التقدّم العلمي يوفّر للنساء حلولاً كثيرة للمساعدة على الإنجاب أو الحفاظ على حقّ الأمومة في سنّ متقدمة"، مؤكداً أنّ "مناقشة هذا الموضوع يجب أن تكون على مستوى مجتمعي، على أن يُسند التحرّك المجتمعي بالآراء العلمية المتخصصة التي تصدر عن الجمعيات المتخصصة في طبّ النساء والتوليد". يضيف غنّام أنّ "مناقشة هذه المواضيع لم تعد من التابوهات (المحرّمات)"، مرجّحاً أنّ "يتواصل الجدال في تونس حول هذا الموضوع وأن تضغط المنظمات المدنية نحو مراجعة القانون".
ويشير غنّام إلى أنّه ساعد "نساء على الإنجاب كنّ يبلغنَ من العمر 47 عاماً"، مؤكداً أنّ "نسبة الإنجاب في سنّ متقدمة ترتفع من عام إلى آخر نتيجة التغيّرات المجتمعية"، وداعياً إلى "مواكبة القوانين الطبية لهذه المتغيّرات". وبحسب تقديرات غنّام، فإنّ "الحلول في تونس لن تتأخّر كثيراً بعد السماح في فرنسا في يوليو/ تموز الماضي للنساء ما بين 29 و37 عاماً بتجميد بويضاتهنّ بشكل طوعي على نفقتهنّ الخاصة"، مؤكداً أنّ "تأثّر القوانين الطبية التونسية بنظيرتها الفرنسية قد يعجّل في اتّخاذ هذا القرار في البلاد". وينتقد غنّام "عدم تكفّل صندوق الضمان الصحي بالمساعدة الإنجابية عبر التلقيح الصناعي للنساء اللواتي يتجاوزنَ 43 عاماً، فضلاً عن حصول النساء دون هذا العمر على حقّ التكفّل بالمصاريف لمرّة واحدة". ويطالب في هذا الإطار، بـ"إجراء مراجعات شاملة لإجراءات تكفّل صندوق الضمان الصحي (صندوق التأمين على المرض) للتخصيب الصناعي في إطار مساعدة النساء على الإنجاب".
وتُعَدّ تونس من الدول العربية التي يتأخّر فيها الزواج، الأمر الذي يطرح إشكاليات عديدة تتعلّق بالإنجاب أو تقبّل المجتمع للمتغيّرات الجديدة لفكرة الإنجاب في سنّ متقدمة. وأخيراً أفاد مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث بأنّ تونس احتلت المرتبة الثانية في دراسة تناولت تأخّر سنّ الزواج بين النساء في الوطن العربي، بحسب دراسة تَطوّر معدّلات الزواج في الفترة الممتدة ما بين 2013 و2021. وقد ارتفعت نسبة تأخّر سنّ الزواج في تونس إلى أرقام كبيرة جداً في السنوات الأخيرة.
وفي حين يتواصل منع التونسيات من تجميد بويضاتهنّ، أجرى فريق طبي في مستشفى حكومي في أغسطس/آب من عام 2018 عملية هي الأولى من نوعها في تونس وأفريقيا، تتمثّل في إعادة زرع نسيج مبيض مجمّد لامرأة ثلاثينية متزوّجة أُصيبت بالسرطان. وفي عام 2019، ولدت الطفلة بيّة، ثمرة هذه العملية، في مستشفى "عزيزة عثمانة" الحكومي لتكون بذلك المولود الحيّ الأوّل على أثر عملية حقن مجهري لبويضات مجمّدة.