منع بيع حبوب الغاز في المحلات التجارية وحصره بالصيدليات الزراعية لمحاربة الانتحار شمالي سورية

19 أكتوبر 2023
منع بيعها في الدكاكين والمحلات التجارية (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل جهود محاصرة حالات الانتحار المتزايدة في الشمال السوري بواسطة حبوب "الغاز" (السامة)، ما دفع  المجلس المحلي لمدينة أعزاز بريف حلب الشمالي إلى إصدار قرار يقضي بمنع بيعها في المحال التجارية، وحصره في الصيدليات الزراعية.

وأعلن المجلس عن قراره يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، موضحاً أنه سيكون ساري المفعول اعتباراً من تاريخ صدوره تحت طائلة المساءلة القانونية، لافتا إلى أنه جاء بناء على "مقتضيات المصلحة العامة، وحرصاً على سلامة المواطنين"، وذلك بعد ازدياد حالات الانتحار بحبة الغاز (فوسفيد الألمنيوم) التي تعتبر قاتلة في الآونة الأخيرة، حيث تباع في المحلات التجارية والدكاكين.

وفي السياق، قال عبد القادر حج عثمان مدير المكتب الإعلامي في مدينة أعزاز لـ"العربي الجديد" إنّ "القرار جيّد لكنه لا يحدّ من حالات الانتحار، فحبة الغاز تستخدم في تعقيم الحبوب والمستودعات، ولهذا فإن عملية الحصول عليها سهلة".
وأكد "غياب استجابة واسعة من الصيدليات الزراعية لهذا القرار، فالكثير من القرارات صدرت سابقا بمنع تداول حبوب معينة، لكن لم يتم التقيد بها"، مطالبا بمعالجة أسباب الانتحار قبل الأداة، فالأدوات كثيرة ولا تقتصر على هذا النوع من الحبوب، على حد تعبيره.

من جهته، يقول الطبيب البيطري أحمد حاج يوسف، إن تلك الحبوب تُستخدم لتعقيم المنتجات الزراعية، وتتكون من مادة فوسفيد الألمنيوم التي يخرج منها غاز الفوسفين عالي السمية، والذي لا يتوفر له مضاد أو ترياق.

وأوضح أن القرص الواحد "يحتوي على ما بين ربع غرام إلى غرام واحد من الفوسفين، ولا تتجاوز نسبة النجاة بعد تناوله 5 في المائة. وفي حال النجاة من الموت، يعاني الناجي من أحد أنواع الإعاقة الدائمة. بمجرد التعرض للهواء الرطب أو التفاعل مع عصارة المعدة، يبدأ مفعول الحبوب، ويؤدي إلى تلف الخلايا، ويتسبب في انهيار الميتوكوندريا (بمثابة مولدات الطاقة الموجودة بمعظم الخلايا)، ما يؤثر على الدورة الدموية، بالإضافة إلى تسمم الكلى والكبد وفشل القلب".

وأشار حاج يوسف، إلى أن "التسمم يحدث بهذه المادة إما عن طريق البلع أو الاستنشاق، ويؤثر الغاز بصورة مباشرة على العصيبات المسؤولة عن إنتاج الطاقة، ما يؤدي إلى توقف عمل العديد من الإنزيمات، كما يؤثر على عملية الفسفرة التأكسدية، وهي مسار استقلابي يستخدم الطاقة الناتجة من الأكسدة للمواد الغذائية لإنتاج أدينوسين ثلاثي الفوسفات".

وبين المختص، أن "الأعراض التي يشعر بها من تناول المادة أو استنشاقها تشمل الغثيان والقيء والإسهال والصداع والمغص، وتتطور بعد ذلك إلى ضيق في التنفس، والشعور بثقل في الصدر، وسعال، وإرهاق عام، وضعف في العضلات وعدم قدرة على التركيز، مع احتمال حدوث تشنجات عصبية، ويجب على الأطباء الإسراع في اتخاذ جميع الإجراءات والإسعافات، ومنها غسل المعدة، وإجراء تحاليل وصور، ومراقبة وضع المريض. لكن في حال النجاح في إنقاذ حياته، سيعاني الشخص من التهاب دماغي قد يؤدي إلى الشلل، أو فقدان النطق، أو الإصابة بقصور كلوي، وتعطل عمل جزء من الكبد".

من جهتها، تقول أميمة عبد الغفور، وهي نازحة من ريف الشمالي، وتقيم في تجمع مخيمات أطمة منذ عام 2015، لـ"العربي الجديد"، إنها تستخدم "حبوب الغاز" منذ مدة طويلة منذ أن كانت تقيم في دمشق مع عائلتها وحتى انتقالها للسكن في البلدة قبل الثورة، ومن ثم في مكان إقامتها الحالي في المخيم شمال إدلب، وهذه المبيدات تساعدها على حفظ الحبوب مثل العدس والبرغل وغيرها من التسوس.

وأضافت عبد الغفور: "مؤخرا عرفت مدى خطورتها الشديدة، لا سيما أننا نسمع بين فترة وأخرى عن شخص استخدمها للانتحار، أخاف أن أدخلها للبيت في الوقت الحالي كوني أخشى على أولادي أن يصلوا لها ويتناولوها عن طريق الخطأ، رغم أنها نافعة في مكافحة الحشرات، إلا أن مجرد ذكر اسمها أو رؤيتها أصبح عامل خوف بالنسبة لي، هناك بدائل أفضل وأكثر أمنا منها، نحن لا نريدها أبدا كونها وسيلة انتحار".

وسجل فريق "منسقو استجابة سورية" منذ بداية العام الجاري، وحتى منتصف ديسمبر/ أيلول الماضي، 55 حالة انتحار في مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غربي سورية، وبلغ عدد حالات الانتحار التي أدت للوفاة 22 حالة، من بينها 5 أطفال، وامرأتان، فيما بلغ عدد محاولات الانتحار الفاشلة 33 محاولة، من بينها 19 امرأة، و8 أطفال، فيما سجلت مناطق سيطرة المعارضة السورية، خلال العام 2022 الماضي، 88 حالة انتحار من بينها 55 أدت للوفاة.

وكان محمد حلاج مسؤول فريق "منسقو الاستجابة"، أكد في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، أن فئة النساء تُعد الأكبر في أعداد تلك الحالات لعدم وجود من يساعدهن على تخطي الصعوبات التي يعانين منها، وفئة اليافعين غير القادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار والتي تشهد تزايدا ملحوظا في المنطقة نتيجة المتغيرات الكثيرة التي تشهدها مناطق الشمال السوري.

المساهمون