"الصحة العالمية" تحقق في "فساد" مديرة مكتبها بسورية: اتهامات ليست الأولى لمنظمات الأمم المتحدة

22 أكتوبر 2022
ماجتيموفا وظّفت أقارب غير أكفاء لمسؤولين من النظام السوري (أسوشييتد برس)
+ الخط -

أعلنت منظمة الصحة العالمية، أمس الجمعة، أنّ مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع لها يحقّق في ادعاءات الفساد التي طاولت مديرة مكتبها في سورية أكجمال ماجتيموفا، وهو ما يلقي الضوء مجدداً على قضايا الفساد في عمل منظمات دولية عاملة هناك، وخضوع معظمها، بطريقة أو أخرى، لشروط النظام السوري وابتزاز أجهزته الأمنية.

ووجّه موظفو مكتب منظمة الصحة العالمية في سورية اتهامات بالفساد إلى مديرتهم، مشيرين إلى سوء إدارتها ملايين الدولارات التي وزعتها على مسؤولي النظام السوري على شكل هدايا (حواسيب، وعملات ذهبية، وسيارات).

وذكر المكتب الإعلامي لمنظمة الصحة العالمية، في بيان، أنّ "مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع لمنظمة الصحة العالمية يقود تحقيقاً في تلك الادعاءات، وفقاً لممارساتنا القياسية، وبدعم فريق من المحققين الخارجيين"، مشيراً إلى أنّ التحقيق "كان طويلاً ومعقداً نظراً للوضع في البلاد. ورغم ذلك، أحرز فريق التحقيق تقدماً خلال الأشهر الأخيرة عبر مراجعة الادعاءات وتقييمها، وجمع المعلومات ذات الصلة كجزء من التحقيق الإداري الداخلي".

وكانت وكالة أبناء "أسوشييد برس" قد ذكرت، في تقرير حصري لها أول من أمس الخميس، أنّها حصلت على أكثر من 100 وثيقة مع رسائل ومواد أخرى سرّية، تفيد بأنّ مسؤولي منظمة الصحة العالمية أخبروا المحققين أنّ ممثلة المنظمة في سورية تورطت في عمليات فساد، ومارست الضغوط على موظفي منظمة الصحة العالمية باستمرار لتوقيع عقود مع سياسيين كبار في النظام، بما يسيء لآلية إنفاق أموال المنظمة والجهات المانحة.

كما تشير الوثائق إلى أنّ ماجتيموفا وظّفت أقارب غير أكفاء لمسؤولين من النظام السوري، بمن فيهم بعض المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب الوثائق، فإنّ ماجتيموفا، وهي طبيبة من تركمانستان، وعلى غرار العديد من موظفي الأمم المتحدة الآخرين في سورية، كانت تقيم لنحو عامين في فندق "فور سيزونز" بدمشق، ضمن جناح واسع متعدد الغرف كلفته 450 دولاراً في الليلة.

ومن بين القضايا الأخرى التي تواجهها ماجتيموفا، التناقضات في مشروع صحي، في الشمال السوري، بين ما دفعته المنظمة وبين ما تم العثور عليه من معدات، فيما أكد العديد من الموظفين أنها متورطة في العديد من العقود المشكوك فيها، بما في ذلك صفقة النقل التي منحت عدة ملايين من الدولارات لمورّد تربطها به علاقات شخصية.

كما أبلغ موظفون آخرون بأنهم تعرضوا لضغوط لعقد صفقات مع مسؤولين كبار من النظام السوري من أجل الإمدادات الأساسية، مثل الوقود، بأسعار متضخمة.

اتهامات ليست الأولى لمنظمات الأمم المتحدة

وكانت وسائل إعلام غربية عدة قد كشفت، في أوقات سابقة، عن فساد في عمل منظمات الأمم المتحدة في سورية، وخضوعها المستمر لابتزاز مسؤولي النظام السوري.

وذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ الملايين من تكاليف مشتريات الأمم المتحدة في سورية تذهب بشكل غير مباشر إلى شركات مقرّبة من النظام.

ماجتيموفا كانت تقيم لنحو عامين في فندق "فور سيزونز" بدمشق، ضمن جناح واسع متعدد الغرف كلفته 450 دولاراً في الليلة

وتظهر بيانات حديثة صادرة عن الأمم المتحدة استمرار المنظمة بتأمين مستلزماتها من السلع والخدمات عبر التعاقد مع شركات على صلة بالنظام. وتشير البيانات إلى شراء وكالات الأمم المتحدة، بأكثر من 240 مليون دولار، سلعاً وخدمات عام 2020، فيما اشترت 17 وكالة من وكالات الأمم المتحدة، العام الماضي، بأقل بقليل من 200 مليون دولار.

وبحسب البيانات، أنفقت الأمم المتحدة ووكالاتها 11.5 مليون دولار على إقامة موظفيها في فندق "فور سيزونز" العام الماضي، بينما بلغ إنفاقها منذ عام 2014 وحتى 2020 ما مجموعه 81.6 مليون دولار في الفندق نفسه الذي يملك الحصة الأكبر فيه رجل الأعمال سامر فوز، وهو مجرد واجهة للنظام.

وحول مشتريات وكالات الأمم المتحدة في سورية عبر شركات مرتبطة بالنظام السوري، قال المسؤول في منظمة "بناء" العاملة في الشمال السوري محمد الأحمد إنّ وكالات الأمم المتحدة "تستسهل التعاقد مع شركات ومنظمات تعلم أنها مجرد واجهة للنظام السوري، بهدف عدم إغضاب النظام، والسماح لها بمواصلة عملها، بالإضافة إلى انغماس بعض الموظفين الدوليين في عمليات فساد أوقعتهم فيها أجهزة النظام الأمنية". 

وأضاف الأحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يجب على وكالات الأمم المتحدة أن تكون حذرة في الموافقة على إبرام عقود مع منتهكي حقوق الإنسان، وأن تدقق كثيراً في خلفيات المنظمات والشركات التي تقترحها عليها حكومة النظام"، بما في ذلك الهلال الأحمر العربي السوري ومنظمة "سورية ترست" و"الأمانة السورية للتنمية" التي تديرها زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد. ولفت إلى أنه "كثيراً ما يجرى حجب أسماء الموردين الرئيسيين بهدف التستر على تبعيتهم للنظام".  

وكانت تقارير دولية قد أشارت إلى أنّ النظام السوري عمل خلال السنوات الماضية على سحب ملايين الدولارات من المساعدات الخارجية، من خلال إجبار وكالات الأمم المتحدة على تحويل أموال المساعدات إلى الليرة السورية وبالسعر الرسمي الأدنى، وهو ما تسبب في فقدان نصف أموال المساعدات الخارجية التي وصلت إلى العاصمة دمشق، وذلك بحسب تقرير صدر، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

ويشير التقرير إلى أنّ النظام السوري لطالما وجّه المساعدات إلى المناطق التي يعتبرها موالية له، وأعاق وصولها إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة. كما يحوّل النظام السوري سلال الطعام إلى الوحدات العسكرية.

ووثّقت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" عمليات استغلال وتحكّم بالمساعدات الأممية المرسلة إلى سكان مناطق شمال شرقي سورية، منذ إغلاق معبر اليعربية- تل كوجر في يناير/ كانون الثاني الماضي، من قبل النظام السوري.

ونشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، في فبراير/ شباط الماضي، دراسة بعنوان "مساعدات الإنقاذ في سورية"، تتحدّث عن برامج المساعدات الدولية التي تقدمها منظمة الأمم المتحدة لسكان مناطق سيطرة النظام السوري، بالشراكة مع الهلال الأحمر السوري ومنظمة "الأمانة السورية للتنمية".

وأشارت الدراسة إلى أنّ النظام السوري يتلاعب بالمساعدات الأممية لأكثر من عقد من الزمن، ويمنع وصولها إلى المناطق المعارضة له. 

وعادة ما يجرى تسليم المساعدات الإنسانية داخل سورية بطرق عدة، منها إيصالها إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال عبر المعبر الحدودي الذي يحدده قرار مجلس الأمن رقم (2585) في باب الهوى على الحدود مع تركيا، أو من خلال توفير المساعدات المباشرة عبر اتفاقيات مع النظام السوري، وبرنامج الدعم المباشر للأمم المتحدة من خلال مكتب المنظمة الدولية في أورفة التركية.

المساهمون