منظمات دولية "مغلوبة على أمرها" توقف عملياتها في غزة

04 ديسمبر 2024
تكررت وقائع سرقة شاحنات المساعدات في غزة (بشار طالب/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- علّقت منظمات أممية مثل "أونروا" وبرنامج الأغذية العالمي عملياتها في غزة بسبب القيود الإسرائيلية والاستهداف المتكرر للعاملين، بالإضافة إلى سرقات العصابات المسلحة في ظل غياب أمني من "حماس"، مما أدى إلى تجويع 2.4 مليون نسمة.
- تواجه جهود الإغاثة في غزة تحديات بسبب سيطرة العصابات المسلحة على شاحنات المساعدات، مما يضطر المنظمات لتعليق عملياتها لعدم ضمان وصول المساعدات لمستحقيها.
- يرى الخبراء أن تعليق المساعدات يهدف للضغط على إسرائيل لحماية موظفي الإغاثة، بينما تستثمر إسرائيل في تقييم تسهيلات المؤسسات الإغاثية، مما يثير تساؤلات حول دورها في الأزمة.

تكرر خلال الأسابيع الأخيرة، إعلان منظمات أممية ودولية عاملة في قطاع غزة، تعليق عملياتها لأسباب متباينة من بينها القيود الإسرائيلية.

أوقفت منظمات مثل وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وبرنامج الأغذية العالمي، ومؤسسة المطبخ المركزي العالمي عملياتها في قطاع غزة لأسباب منها الاستهداف الإسرائيلي للعاملين فيها، أو تكرار عمليات السرقة التي تمارسها عصابات مسلحة في المناطق الشرقية الجنوبية من القطاع، في ظل غياب شبه تام للأجهزة الأمنية التابعة لحركة "حماس". 
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب على غزة تجويع نحو 2,4 مليون نسمة، وسيلةً للضغط على الفصائل الفلسطينية لتقديم تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن الإسرائيليين. ولا يدخل من المساعدات الإنسانية المتراكمة على الجانب المصري من معبر رفح، أو لدى الاحتلال الإسرائيلي، إلا القدر اليسير بسبب القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال، ومنع الكثير من المنظمات من إدخال شاحنات المساعدات.
ويرى كثيرون أن المنظمات الدولية "مغلوبة على أمرها" بسبب التعقيدات الأمنية، وعمليات القصف المتكررة التي تتعرض لها من قبل الاحتلال، إضافة إلى الدعم الإسرائيلي الواضح للعصابات المسلحة التي تكرر سرقة شاحنات المساعدات، وتقوم بإحباط الجهود الإغاثية.
يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن "قرار بعض المنظمات الدولية، ومنها "أونروا"، تعليق إدخال المساعدات أو وقف العمليات بشكل مؤقت صادم ومفاجئ". ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن "الاحتلال والولايات المتحدة ودول مثل ألمانيا وبريطانيا يتحملون المسؤولية الكاملة عن تلك القرارات على اعتبار شراكتهم للاحتلال في حرب الإبادة. الاحتلال يوفر الغطاء الكامل للعصابات الموجودة في المناطق القريبة من معبر كرم أبو سالم، في حين يقوم باستهداف عناصر تأمين شاحنات المساعدات من أجل ضمان عدم وصولها إلى مستحقيها".

ويطالب الثوابتة وكالة "أونروا" وغيرها من المنظمات الدولية باتخاذ قرارات أكثر إيجابية، وعدم اللجوء إلى القرارات السلبية مثل تعليق العمل، أو تعليق توزيع المساعدات، ولا سيما أن تلك القرارات تهدد حياة أكثر من مليوني شخص غالبيتهم من النازحين. ويلفت إلى أنه "كان من المفترض أن تقوم أونروا بالعمل على إدخال كميات أكبر من المساعدات عبر ممرات ومعابر أخرى، لا أن تقوم بإعلان إيقاف إدخال المساعدات من معبر كرم أبو سالم في ظل اشتداد حرب التجويع".
وتعتبر مشكلة تأمين الشاحنات واحدة من المعضلات الأساسية التي تواجه التجار والمنظمات الإغاثية منذ بداية الحرب على غزة، ما دفع بالجهات الأمنية إلى الكشف عن سلسلة من العمليات التي نفذتها وحدة "سهم" الأمنية، والتي طاولت أفراد العصابات المسلحة والفاعلين فيها في خانيونس ورفح ودير البلح.

توزيع المساعدات معضلة في قطاع غزة (مجدي فتحي/Getty)
توزيع المساعدات معضلة في قطاع غزة (مجدي فتحي/Getty)

بدوره، يؤكد المستشار الإعلامي لوكالة "أونروا"، عدنان أبو حسنة، لـ"العربي الجديد"، أن "الوكالة تعمل في ظل ظروف قاسية، وقرار إدخال المساعدات إلى قطاع غزة هو قرار إسرائيلي، وبإمكان السلطات الإسرائيلية إن أرادت إدخال 1000 شاحنة يومياً من خلال 6 معابر برية. إجمالي ما يدخل من مساعدات لا يتجاوز 6% من حجم الاحتياجات الإنسانية بالقطاع، وفي الوقت الذي يفترض أن يدخل ما بين 500 إلى 600 شاحنة يومياً، فإن ما يدخل لا يتجاوز 50 شاحنة. المشكلات تتفاقم أيضاً بعد دخول الشاحنات، إذ تقوم عصابات مسلحة بالسيطرة على بعضها، أو سرقتها، وكان مقرراً قبل أيام توزيع حمولة 5 شاحنات طحين، لكنها تعرضت للسرقة، وجرت عمليات تواصل مع الجماعات المسلحة، غير أنه كان بلا جدوى".
يضيف أبو حسنة: "أفراد الجماعات المسلحة مصممون على سرقة الشاحنات المحملة بالمساعدات، وبالتالي لا يمكن للمنظمة الأممية أن تستمر في العمل وفق هذه الأوضاع، وأن تكون مجرد (شاهد زور) يدخل المساعدات، ثم لا يتمكن من توصيلها إلى مستحقيها نتيجة تعرضها للسرقة. هناك 100 ألف طن مساعدات مكدسة بانتظار الدخول، وهي تضم الطحين والخيام والمياه والمعلبات وغيرها من المواد الغذائية، لكن إدخالها مرهون بقرار إسرائيلي، وبإيجاد طريق آمنة لا تؤدي إلى سرقتها".
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، إن المنظمات الدولية لا تستطيع أن تعمل بحرية في ظل الظروف الحالية، وهذا ما عبر عنه المفوض العام لأونروا فيليب لازاريني بشكل واضح، إلى جانب تكرار عمليات استهداف موظفي منظمة المطبخ العالمي.

ويبين أبو سعدة لـ "العربي الجديد" أن "إسرائيل تستهدف موظفي الإغاثة التابعين للمنظمات الدولية، وعلى رأسهم موظفي أونروا، وفي نفس الوقت تسمح للصوص بسرقة المواد الغذائية والإغاثية التي تصل إلى القطاع. أعتقد أن قرار وقف أو تعليق المساعدات هدفه الضغط على إسرائيل، وكذلك كي تتدخل الدول الكبرى للضغط عليها لحماية موظفي الإغاثة، فمن المستبعد أن تفعل الأمم المتحدة ذلك من أجل الضغط على الفلسطينيين. مؤسسة مثل أونروا من المستبعد أن تتماهى مع السياسات الإسرائيلية في عملية تجويع الفلسطينيين، ولا سيما أنها صنفت منظمةً إرهابية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وواجهت سلسلة من القرارات التي تمس موظفيها وعملها منذ بداية الحرب".
إلى ذلك، يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أحمد الطناني، إنه "لا يمكن النظر إلى المؤسسات الدولية على قاعدة المساواة في التقييم والجهود، فمنذ الأيام الأولى لحرب الإبادة على قطاع غزة، كان واضحاً أن الاحتلال يستثمر في المساحات الممنوحة للمؤسسات الإغاثية الدولية".
ويبين الطناني لـ "العربي الجديد" أن "الاحتلال يُعيد تقييم حجم التسهيلات للمنظمات الدولية ارتباطاً بخلفية وتوجهات هذه المؤسسات، إذ عمد الاحتلال على سبيل المثال إلى التضييق على وكالة أونروا، وفي الوقت ذاته أتاح مساحات واسعة من التسهيلات لمؤسسات أميركية بهدف فحص إمكانية أن تُقدم هذه المؤسسات دوراً بديلاً عن الوكالة الأممية، وأن يتم تقسيم مهام الاستجابة التي تقوم بها أونروا على عدد أكبر من المؤسسات الدولية المنسجمة مع توجهات الاحتلال".

المساهمون