فاقمت جائحة كوفيد- 19 الضغط على المستشفيات والأطباء والممرضين في بريطانيا، وتناولت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل كثيف أخبار التضحيات التي قدموها خلال تلك الفترة، في إطار إظهار التقدير الكبير لجهودهم. واللافت أن قسماً من هؤلاء المناضلين الذين يعدّون العمود الفقري للخدمات المنزلية غير مصنّفين ممرضين، لكنّهم يؤدون واجبات صحية بإشراف ممرض مسجل.
وكشفت دراسة نشرتها المجلة الدولية للرعاية في 5 إبريل/ نيسان الجاري أنّ 30 في المائة من مقدمي الرعاية الشبان في المملكة المتحدة يفكّرون في إيذاء أنفسهم، ما أثار مخاوف جدية من الضغوط وتأثيرات الصحة العقلية التي يعاني منها مقدمو الرعاية الشبان تحديداً، نتيجة مسؤوليات الرعاية الخاصة بهم.
واعتبرت الدراسة أن "التأثيرات السلبية للرعاية على الصحة العقلية لمقدمي الرعاية الشباب واضحة خصوصاً في المملكة المتحدة". وأوردت أن "14 في المائة من مقدمي الرعاية المراهقين في أوروبا فكروا في إيذاء أنفسهم تحت الضغوط الهائلة لمهامهم، فيما تضاعف هذا الرقم في المملكة المتحدة تحديداً، ووصل إلى 28 في المائة". ونقلت أيضاً أن 36 في المائة من مقدمي الرعاية الشباب، الذين شملهم الاستطلاع في دول إيطاليا وهولندا وسلوفينيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة، قالوا إن صحتهم العقلية تدهورت نتيجة مسؤوليات الرعاية التي نفذوها، وارتفع هذا العدد إلى 56 في المائة في المملكة المتحدة وحدها.
أيضاً، قال أكثر من 53 في المائة من مقدمي الرعاية المستطلعين أن الوقت الذي قضوه في الرعاية أسبوعياً زاد بشكل كبير العام الماضي. وتقول تريسي (57 عاماً)، إحدى مقدمات الرعاية، لـ"العربي الجديد": "عانينا من قلق شديد وتوتر خلال فترة الإغلاق وانتشار كوفيد- 19 في البلاد، فاستقال عدد لا يستهان به منا، وطلب آخرون إجازة مرضية طويلة. وقد زاد بشكل كبير عدد المرضى الذين احتاجوا إلى رعاية في ظل رفض المستشفيات استقبالهم، في حين ساهم الإغلاق في تدهور الحالة النفسية لكُثر منّا".
وتروي تريسي، التي تزاول مهنة تقديم رعاية في المنازل منذ 27 عاماً، أنّها تستمتع بعملها والخدمات التي تقدمها لكبار السن وأولئك الذين يحتاجون إلى رعاية. وتقول: "ما يمكن أن يراه أو يلاحظه مقدمو الرعاية في المنازل قد ينقذ مرضى أيضاً من الاستغلال أو العنف المنزلي، وهو ما فعلته مع مسنّة مريضة بألزهايمر اشتكت لي من تعنيف ابنها لها، فأبلغت المسؤولين الذين لم يصدقوها في البداية لأنّها مريضة بالخرف، لكن تبين بعد فترة من التحقيقات أنّها محقّة، وجرت محاكمة الابن".
بدورها، تقول كارين (60 عاماً)، التي تمارس مهنة تقديم الرعاية منذ عشرين عاماً، لـ"العربي الجديد": "ضاعفت جائحة كوفيد ساعات عملي، لكن مساعدة ودعم المرضى كان ينسيني الإرهاق والقلق من الإصابة بالفيروس. وتمثل التحدي الأكبر في عملي بالتعامل مع حالات نادرة لمرضى أظهروا خبثاً كبيراً في التعامل معي وقدموا ادعاءات مزيفة ضدي. وقد واجهت أحدها مع امرأة تجاوزت الثمانين من العمر اتهمتني بالسرقة، ما أدخلني في حالة اكتئاب خلال فترة التحقيق معها حتى ثبوت براءتي، وكشف أن العجوز اختلقت تهماً مشابهة لمقدمي رعاية آخرين". وتشير كارين إلى أنّ الإعلام يتحدث غالباً عن استغلال مقدمي الرعاية لكبار السن، لكن قد يحدث نقيض ذلك أحياناً.
وعموماً، جلبت أزمة كوفيد- 19 تأثيرات سلبية على صحة مقدمي الرعاية واستقرارهم المالي بعدما كافحوا للوصول إلى الخدمات، وأخذ فترات الراحة والرعاية التي يحتاجونها.
ومعلوم أن نحو 26 في المائة من سكان المملكة المتحدة (حوالي 13 مليوناً) ينفذون أدواراً غير رسمية في تقديم الرعاية، وبينهم حوالى 5 ملايين مقدم رعاية جديد جرى الإبلاغ عنهم منذ بداية الوباء. ويشارك مقدمو الرعاية غير الرسميين في تنفيذ مجموعة واسعة من الواجبات لأشخاص يعانون من إعاقات جسدية وعقلية واجتماعية واحتياجات مرتبطة بالسن، ويشكلون ركيزة تعويض شح الموارد المالية في أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية.
وتشمل أولويات الصحة والرعاية السكان المتقدمين في السن وأولئك الذين يعانون من حالات مرتبطة بالعمر (مثل الخرف)، ويجرى التركيز على الرعاية المجتمعية للأشخاص الذين يعانون من إعاقات. لكن ذلك لا يمنع إهمال رفاهية مقدمي الرعاية، رغم أن عددهم كبير ويقدمون مساهمات قيّمة لتعزيز صحة المتلقين ورفاهيتهم.