استمع إلى الملخص
- تتزايد في لبنان قوائم المفقودين في السجون السورية، مما دفع السلطات لاتخاذ إجراءات قانونية لمتابعة الملف وتكليف وزير العدل بمتابعته.
- يروي معاذ عن معاناته في السجون السورية ويعبر عن فرحته بالتحرر، مشدداً على أهمية متابعة قضية المفقودين لضمان عودتهم.
وصل، اليوم الثلاثاء، المعتقل اللبناني المحرر معاذ مرعب إلى منطقة أبي سمراء في مدينة طرابلس شمالي لبنان، بعد اعتقال دام 18 عاماً في السجون السورية. وقد استقبلته عائلته وأهالي مدينته على وقع الفرح والزغاريد وقرع الطبول، ليطوي بذلك رحلة عذاب مريرة بين أقبية سجون نظام الأسد التي لم ترحم لبنانيين وسوريين وأردنيين ومعتقلين من جنسيات متعددة. ويأتي وصوله بعد المعتقل المحرر سهيل حموي إلى بلدة شكا شمالي لبنان يوم أمس الاثنين.
هذا، وتتعدد اللوائح المتداولة في لبنان لأسماء مفقودين ومعتقلين يُرجّح وجودهم في السجون السورية، في حين يترقب أهالي المفقودين والجمعيات الناشطة في هذا المجال، أي خبر أو معلومة للتدقيق والتأكد من هوية الأشخاص المحررين، مؤخراً، على يد المعارضة السورية، عقب سقوط نظام الأسد.
وفي اتصال لـ"العربي الجديد"، يقول شقيق المعتقل المحرر محمود مرعب (أبو عمر): "كان أخي معاذ موقوفاً في سجن عدرا في سورية، واتصل بنا وأبلغنا بخبر تحريره منذ نحو ثلاثة أيام، إذ إن رقم هاتف ابنه بحوزته، وكان يتواصل معه خلال فترة توقيفه، مرة كل شهر أو شهرين". ويوضح أن شقيقه "توجه في العام 2003، رفقة مجموعة من شباب المدينة، نحو العراق لمساندة الشعب العراقي في مواجهة الغزو الأميركي حينها. وبقوا هناك لغاية العام 2006 وفي طريق عودتهم إلى لبنان عبر سورية، أوقفتهم المخابرات السورية بتهمة انتمائهم للقاعدة أو لتنظيم ديني إرهابي، وكانوا مجموعة من خمسة شباب. ورغم إنكارهم للاتهامات، غير أن ذلك لم يشفع لهم. مع العلم، أن أخي معاذ كان يملك محلاً لبيع الأحذية في طرابلس، ولم يكن منتمياً لأي حزب، إنما قصد العراق بسبب اندفاعه مع أصدقائه وحماسهم للدفاع عن العراق باعتباره بلداً عربيّاً يتعرض للغزو والاجتياح".
ويخبر أبو عمر أن شقيقه "كان بعمر 33 سنة حين أوقِف، وتم تحريره اليوم بعمر 51 سنة. اعتقدنا بداية، أنه مفقود أو أنه فارق الحياة في العراق، لكن بعد سنة من اختفائه، خرج معتقل سوري من سجن عدرا بعد أن انتهت محكوميته، وقصد محل صهري في طرابلس، وأبلغه أن أخي معاذ على قيد الحياة وهو مسجون في سورية. على الفور، توجهت والدتي وزوجته إلى سجن عدرا وتمكنتا من رؤيته، وكانت تلك المرة الوحيدة والأخيرة لهما، إذ لم يُسمح بعد ذلك بزيارته، لكن بقي التواصل فقط عبر الهاتف".
ويتحدث مرعب عن حجم الفرحة التي غمرت العائلة للقاء معاذ بعد كل تلك السنوات الطويلة، ويقول: "عندما سافر أخي إلى العراق كانت ابنته لا تتجاوز خمس سنوات وابنه بعمر ثلاث سنوات، وها هو يعود اليوم ليجد ابنه محمد شاباً بعمر 24 سنة أنجز تحصيله الجامعي، وابنته مريم شابة بعمر 26 سنة متزوجة وقد رُزقت مؤخراً بمولودها الأول. معاذ الذي التقى اليوم زوجته وولديه وحفيده، هرعت العائلة لانتظاره في بلدة العبودية عند الحدود الشمالية للبنان مع سورية، فقد كلفنا سائق تاكسي بنقله من الشام نحو لبنان، وجهزنا الزفة والطبول لاستقباله بعد طول انتظار". ويختم أبو عمر بالقول: "السعادة عارمة وسط العائلة بأكملها، والدي توفي قبل اختفاء معاذ، أما والدتي ففرحتها لا توصف بعد أكثر من عشرين عاماً بين الغياب والسجن، عاشت خلالها فترات القهر والانتظار والترقب. لم تقطع الأمل بلقاء أخي واحتضانه وضمه إلى صدرها، ولم يتمكن اليأس من سلبها الرجاء بزوال تلك المعاناة، ولو بعد حين. وها قد أتى اليوم الذي ارتحنا فيه من قمع هذا النظام الظالم، الذي طاول أسلوبه الإجرامي السوريين واللبنانيين على حد سواء. عاد اليوم معاذ إلى عائلته وإخوته، بعد أكثر من عقدين، إذا ما احتسبنا سنوات القتال في العراق والسجن والمعاناة والتعذيب في سورية".
وصول الاسير المحرر معاذ مرعب من سجن صيدنايا بعد غياب دام عشرين سنة الى بلدة البيرة العكارية
— AlKalimaOnline (@AlkalimaOnline_) December 10, 2024
ويشرح معاذ، المعتقل المحرر، لـ"العربي الجديد"، كيف أن "النظام السوري كان يدّعي دعم المقاومة العراقية لكن على أرض الواقع كان يعتقل كل داعم لها". وإذ يؤكد أنه لا يملك أي معلومة عن معتقلين لبنانيين آخرين تم تحريرهم، يشير إلى أن "همّه الأول كان تدبير نفسه والتنقل بحذر والتأكد من عدم وجود بقايا للنظام السوري". ويضيف: "لقد منّ الله علينا بالتحرير والفرج، إنها فرحة كبيرة بسقوط هذا النظام الديكتاتوري في سورية وتحرر الشعب السوري، الأمر الذي سينعكس خيراً على سورية ولبنان وكل المنطقة، خاصة أن نظام الأسد زال على يد أشخاص عقلانيين، ومن دون أن يتم سفك الدماء".
ابن عم الوالد رحمه الله
— الشيخ حسن مرعب (@imammoraib) December 8, 2024
الاسير معاذ مرعب منذ أكثر من 20 سنة سجين في #سجن_صيدنايا الآن بفضل الله حر طليق وفي طريق العودة الى #لبنان
اللهم لك الحمد والشكر pic.twitter.com/R4LPoCtdWS
السجون السورية: تعذيب وقتل
معاذ، وهو أحد أفراد عائلة مؤلفة من خمسة شباب وأربع شابات، يروي بحسرة كيف أنه ترك ولديه محمد ومريم طفلين، ليعود رجلاً خمسينيّاً ويجدهما قد اجتازا مرحلة الطفولة بعيداً عنه وصارا في عزّ شبابهما، حتى أنه أصبح جداً لحفيد واحد. ويستذكر أيام التعذيب المريرة، بالقول: "العنوان العريض للسجون السورية هو التعذيب، يتم اعتماده كسياسة وممارسة منهجية يومية لكسر الإرادة ونموذجاً وعبرةً لتخويف الشعب وترهيبه. اعتمدوا كل أساليب التعذيب التي تنتشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كلها أساليب حقيقية وليست خيالية، أما القتل فكان بمثابة روتين يومي في السجون، الموت حتمي كل يوم، والإجرام يفوق الوصف من ضرب وتعذيب وحرق وكل الانتهاكات التي لا يتصورها عقل، خاصة مع المعتقل السياسي الذي لا حقوق ولا ثمن له، وبأي لحظة يمكن أن يردونه قتيلاً. كانوا يشتموننا بأشد العبارات الطائفية البغيضة التي كانت لا ترحم أي طائفة مغايرة لهم".
هذا، ولفت وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، القاضي بسام مولوي، بعد اجتماع اليوم الثلاثاء لمجلس الأمن الداخلي المركزي لمتابعة الأوضاع الأمنية في لبنان والإجراءات المتخذة عند المعابر الحدودية، إلى أن "تسعة من المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وصلوا إلى لبنان". وأعلن الوزير أسماء التسعة المعتقلين الذين وصلوا إلى بلادهم كالتالي: محمد عمر الكيلاني، أحمد ياسر عبيد، محمد علي محمود عباس، حسن محمد علي حيدر أحمد، حسين زهير حيدر أحمد، إدريس محمد فارس، حامد متنبي شوشة، محمد ياسر حمادة، سهيل جوزف حموي.
وفي سياق متصل، بادر القضاء اللبناني إلى اتخاذ إجراءات قانونية لمتابعة ملف المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، وجمع المعلومات حول أسمائهم، من أجل معرفة مصيرهم. كما كُلّف وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هنري الخوري بمتابعة الملف مع الجهات المعنية، للتأكد من أسماء المواطنين الذين تم تحريرهم من داخل السجون.
كما تحركت النيابة العامة التمييزية، لمواكبة قضية المفقودين اللبنانيين، ما يساهم في تسهيل عمل "الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً"، عبر تعميم أصدره النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار إلى كافة النيابات العامة، يطلب بموجبه تزويد الهيئة بالمعلومات الموجودة لديها عن المفقودين، والطلب إلى الضابطة العدلية مواكبتها، وإجراء الفحوص اللازمة للتأكد من هويات رفات المفقودين وتحديد مكان وجود الأحياء منهم.