يُرتقب أن تُصدر الولايات المتحدة الأميركية قريباً توصية بإضافة علاج جديد إلى العلاجات المستخدمة في حالات الأمراض المنقولة جنسياً، وهو مضاد حيوي طُوّر قبل عقود وقد تحوّل اليوم إلى دواء وقائي. وفي خلال تجارب سريرية، تبيّن أنّه عند تناول "دوكسيسيكلين" بعد ممارسة الجنس من دون وقاية، يتقلّص بصورة كبيرة خطر الإصابة بثلاثة أمراض هي كلاميديا (عدوى البكتيريا المتدثرة) والسيلان والزّهري.
ويُعَدّ المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) أبرز وكالة صحة فيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية، الجهة المولجة باتّخاذ قرار في شأن توصيات جديدة مرتبطة باستخدام "دوكسيسيكلين"، ويتوجّب عليها الأخذ في عين الاعتبار الحاجة إلى احتواء الأمراض التي تصيب ملايين الأميركيين (وغيرهم) وكذلك احتمال أن تزداد مقاومة المرضى للمضادات الحيوية.
وفي هذا الإطار، يقول جوناثان ميرمين، وهو مسؤول في المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، لوكالة فرانس برس إنّ "الابتكار والإبداع مهمّان في مجال الصحة العامة، ونحن في حاجة ماسة إلى أدوات جديدة".
يُذكر أنّ "دوكسيسيكلين"، الذي سُجّلت براءة اختراعه في عام 1957، مضاد حيوي واسع الطيف يُصنَّف في عائلة "تتراسيكلين"، ويعمل على القضاء على البكتيريا عن طريق تثبيط تصنيع البروتين. وهو كان يُستخدَم في حالات عدوى بكتيرية أو طفيلية مختلفة، لمعالجة حبّ الشباب والتهابات المسالك البولية والتهابات الأمعاء والتهابات الجهاز التنفسي والتهابات العين، على سبيل المثال. كذلك مثّل طويلاً علاجاً ناجعاً في إطار مكافحة الملاريا.
وقد لا تُعنى بالتوصيات المتوقّع نشرها هذا الصيف إلا الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض التي تُنقل جنسياً، على سبيل المثال الرجال فئة المثليين والنساء المتحوّلات جنسياً الذين سبق أن أُصيبوا بأحد تلك الأمراض. لكن مع انتشار الأنباء المرتبطة بالتوصيات الخاصة بالمضاد الحيوي "دوكسيسيكلين"، راح أطباء يصفونه لمرضاهم.
ويخبر مالك (37 عاماً) المقيم في واشنطن، متحفّظاً على ذكر اسمه كاملاً، أنّه استخدم "دوكسيسيكلين" مرّتَين للوقاية من الأمراض، نزولاً عند طلب طبيبه، وذلك بعد ورود تقارير خطرة ذات صلة بهذا الموضوع.
إصابات متزايدة
وتتزايد الإصابات بالأمراض الثلاثة المنقولة جنسياً منذ عقد، وقد وصلت إلى 2.5 مليون حالة في عام 2021 في الولايات المتحدة الأميركية.
وعملياً، كلّما زاد عدد الإصابات زاد انتشار المرض، بالإضافة إلى أنّ استخدام الواقي الذكري يتقلّص منذ تطوير "بريب"، وهو دواء يُؤخَذ كإجراء وقائي لتجنّب الإصابة بمرض الإيدز (نقص المناعة البشرية المكتسب). وبما أنّه يتوجّب على المرضى الذين يتناولون "بريب" الخضوع لفحوصات مرّة كلّ ثلاثة أشهر، فإنّ إصابات أكثر تُسجَّل بالتالي.
وقد أظهر "دوكسيسيكلين" فعالية في ثلاث من أصل أربع تجارب سريرية أُجريت. وتوضح آنّي لوتكيمير التي قادت تجربة سريرية أميركية لوكالة فرانس برس: "رصدنا انخفاضاً بمقدار الثلثَين في عدد الإصابات بالأمراض المنقولة جنسياً". وقد أُجري هذا الاختبار على 500 رجل يمارسون الجنس مع رجال ونساء متحوّلات جنسياً. وقد أتت فعالية الدواء أعلى ضدّ عدوى كلاميديا وداء الزّهري (أقلّ بـ80 في المائة من الإصابات) مقارنة بداء السيلان (أقلّ بـ55 في المائة من الإصابات). أمّا الآثار الجانبية فكانت محدودة.
Doxycycline has been around for a long time, but recent studies have found that it can help prevent bacterial STIs in people assigned male at birth when taken within 72 hours of sexual contact. CCR is excited to be offering this new intervention! pic.twitter.com/Ka0oMeGO8x
— Community Care Resources of FL (@CCRSFL) August 9, 2023
مقاومة المضادات الحيوية
ومع توسّع نطاق استخدام "دوكسيسيكلين"، أثيرت مخاوف عدّة من قبيل احتمال أن يُظهر متناولوه مقاومة ضدّ المضادات الحيوية، خصوصاً المصابين بداء السيلان الذي تتحوّر البكتيريا الخاصة به سريعاً. لكنّ التحليلات الأولية أتت مطمئنة.
وفي خلال التجربة السريرية الأميركية المذكورة آنفاً، قارن الباحثون عيّنات من البكتيريا المسبّبة لداء السيلان التي أُخذت من إصابات سُجّلت حتى مع تناول "دوكسيسيكلين"، بعيّنات من مجموعة لم تحصل على العلاج. وتشرح هنا كوني سيلوم، إحدى المسؤولات عن التجربة، أنّه بطبيعة الحال، أتى معدّل البكتيريا المقاومة أعلى لدى المجموعة التي تلقّت العلاج. تضيف أنّ ذلك قد يعني ببساطة أنّ المضاد الحيوي أقلّ فعالية ضدّ تلك السلالة المقاومة، لا أنّه تسبّب فيها.
وبما أنّ "دوكسيسيكلين" يقلّل من عدد الإصابات بمقدار النصف، يتعيّن إذاً معالجة نصف المرضى بالمضادات الحيوية (سيفترياكسون) التي توصف بالعادة للمصابين بالسيلان. كذلك ينبغي إجراء مزيد من الدراسات لفهم أثر "دوكسيسيكلين" على بكتيريا أخرى تطاول الأنف مثلاً أو الأمعاء.
"أداة علاجية إضافية"
وفي سياق متصل، يرى الطبيب ستيفن أبوت في واشنطن، الذي يصف "دوكسيسيكلين" ويستخدمه، أنّ أخذ التغيّرات السلوكية في عين الاعتبار مسألة مهمّة. ويقول لوكالة فرانس برس إنّه "من خلال التحدّث مع المرضى، ولأنّني من الذين يتناولون دواء بريب (...) أعتقد أنّ فكرة الوقاية من خلال استخدام الواقي الذكري تتراجع".
من جهته، يقول مسؤول في منظمة ثقافية في لندن، فضّل عدم ذكر اسمه وكذلك اسم المنظمة، لوكالة فرانس برس، إنّ الضجّة المُثارة حول هذا العلاج الجديد انتشرت بسرعة، في حين أنّه يلجأ بنفسه إلى شراء "دوكسيسيكلين" من السوق السوداء. ويتمنّى الرجل (42 عاماً) أن تصدر المملكة المتحدة توصيات جديدة كذلك، حتى يُوجَّه الناس بطريقة أفضل بشأن الجرعات المناسبة.
لكنّ لوتكيمير تشدّد على أنّ "دوكسيسيكلين" لن يكون الحلّ الوحيد للأمراض المنقولة جنسياً، إذ إنّ ابتكار لقاح مضاد لداء السيلان ينطوي على إفادة كبيرة. وتتابع: "لكنّني متفائلة. أعتقد أنّ دوكسيسيكلين أداة علاجية إضافية".
(فرانس برس، العربي الجديد)