مصر: طلب للإفراج الصحي عن طبيب بعد إصابته بالاكتئاب

24 يناير 2023
يقضي عقوبة الحبس في قضية اتهم فيها بإهمال طبي (يحيى ديور/ فرانس برس)
+ الخط -

تقدّم نقيب الأطباء المصريين، حسين خيري، اليوم الثلاثاء، بطلب رسمي إلى المستشار حمادة الصاوي النائب العام، يطلب فيه الإفراج الصحي عن الطبيب بستاني نعمان محمد، استشاري التخدير بالقصير، بمحافظة البحر الأحمر سابقاً، والذي يقضي عقوبة الحبس لمدة 6 أشهر منذ 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقت مثوله أمام محكمة النقض دائرة الجنح للطعن على الحكم الصادر ضده بالحبس لمدة عامين في قضية اتّهم فيها بإهمال طبي أدى إلى وفاة سيدة.
حُكم على الطبيب بستاني نعمان، في مارس/ آذار الماضي بحكم واجب النفاذ بالحبس لمدة عامين في قضية خطأ طبي، وتولت النقابة العامة للأطباء الدفاع عنه، متيقنة من براءته، وقصور تقرير الطبيب الشرعي الذي استندت إليه المحكمة في حكمها، قبل أن يخفف الحكم في 11 يناير/ كانون الثاني الجاري، بحبسه لمدة سنتين مع الشغل، إلى الحبس لمدة 6 أشهر مع الشغل.

وسبق أن طلب المستشار القانوني لنقابة الأطباء، محمود عباس، إحالة القضية إلى لجنة ثلاثية من الاستشاريين، الأمر الذي لم تستجب له محكمة مستأنف القصير. 

وقال خيري، في طلبه إلى النائب العام، طبقا لبيان رسمي صادر عن النقابة، إن البرلمان المصري بصدد إصدار قانون المسؤولية الطبية على غرار كثير من الدول العربية والأجنبية، والذي يتضمن أن الطبيب المؤهل والمرخص له بمزاولة مهنة الطب والتخصص وقام بخطأ طبي أثناء ممارسته مهنته تسبب في ضرر للمريض، تجري معاقبته بالقانون المدني بالتعويض المالي، وليست العقوبات الجنائية بالحبس، وأن تأخر صدور هذا القانون تسبب في مآس لأطباء وأسرهم، فضلاً عن الضرر البالغ للمريض، نتيجة تخوف الأطباء من عقوبة الحبس عند مناظرتهم للمرضى. 

واستدل خيري بمأساة بستاني الذي اقتصر عمله المهني على القطاع الحكومي مفضلاً بإرادته العمل في المناطق النائية التي تعاني من نقص الخدمات الطبية، ويتم حبسه في سن الشيخوخة عن عمر 67 عاماً ليعاني في السجن من الاكتئاب الشديد وارتفاع ضغط الدم وجفاف شديد نتيجة رفضه التغذية، وطلب نقيب الأطباء من المستشار حمادة الصاوي الأمر بالإفراج الصحي عن الطبيب لخطورة حالته الصحية، وتعرض حياته للخطر.

في سياق متصل، قال محمود عباس، المستشار القانوني لنقابة الأطباء، إنه استند قانونياً في الطلب الذي كلفه خيري بإعداده، إلى المادة 36 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 والمعدل بالقانون 14 لسنة 2022 والتي تنص ضمنها على: كل محكوم عليه يتبيّن لطبيب السجن أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالخطر أو يعجزه عجزاً كلياً يُعرض أمره على مدير إدارة الخدمات الطبية للسجون لفحصه بالاشتراك مع الطبيب الشرعي للنظر في الإفراج عنه.

وينفذ قرار الإفراج بعد اعتماده من مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون وموافقة النائب العام، وتخطر بذلك جهة الإدارة والنيابة المختصة.

ويتعين على جهة الإدارة التي يطلب المفرج عنه الإقامة في دائرتها عرضه على طبيب الصحة لتوقيع الكشف الطبي عليه كل ستة أشهر، وتقديم تقرير عن حالته يُرسل إلى مصلحة السجون، لتتبين حالته الصحية توطئةً لإلغاء أمر الإفراج عنه إذا اقتضى الحال ذلك.

ويجوز لمساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون ندب مدير إدارة الخدمات الطبية للسجون والطبيب الشرعي للكشف على المفرج عنه لتقرير حالته الصحية كلما رأى ذلك.

وأشار محمود عباس إلى انطباق نص المادة على حالة بستاني، حيث أصيب مؤخراً بالإعياء الشديد، وأعراض مرضية مهددة لحياته، ومعها جرى حجزه بالعناية المركزة بأحد مستشفيات محافظة البحر الأحمر الحكومية.

وقبل توجه الطبيب بستاني نعمان، إلى المحكمة في مارس/ آذار الماضي، ترك رسالة قال فيها "مع إيماني بأن كل ابن آدم خطّاء، لكن يحزّ في نفسي أن تكون مكافأة نهاية عمري هي الحكم بالسجن بغير ذنب. منذ تخرجي في 1982، ولمدة أربعين سنة لم أتغيّب مرة عن عملي، وما تلكأت أو أجلّت حالة، اخترت أن أكون صادقا مع نفسي لأني أعرف أنه (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه)، وما دامت وظيفتي في بطاقتي الشخصية هي (طبيب تخدير في مستشفى كذا)، فليكن عملي الأساسي هو في المستشفى العام وليس في العيادات الخاصة".

وأضاف "وفي آخر خمسة عشر عاما، فرّغت نفسي للعمل في المناطق النائية، سواء بالندب أو القوافل أو التعاقد، متحمّلا آلام الاغتراب ومشقّات السفر وصعوبة الإقامة وسوء وجبات متعهد التغذية، كم نمت على سرير من غير مخدة أو ملاءة في حرّ الواحات كأنه الجحيم بدون حتى مروحة. وفي كل مستشفى أنا دائما تحت الطلب، ستين ثانية في الستين دقيقة في الأربعة وعشرين ساعة.. لا أغادر المستشفى أبدا لأنني مثل عسكري المطافي، أنتظر الحريق في أي لحظة، ودقائق قليلة قد تكون الحد الفاصل بين الحياة والموت لأي مصاب يأتي فجأة".

وفي رسالته، أعرب عن أسفه لعدم إقرار مشروع قانون المسؤولية الطبية، وكتب "لم أرفض تخدير حالة مهما كانت. كم خدّرت حالات عمرها 95 سنة، وحالات بلا نبض ولا ضغط ولا نَفَس، حتى حالات العملية القيصرية المصابة بكورونا كنت أخدّرها، وأعانني الله فيها. وعندما حدث خطأ ليس منّي، لأننا فريق لكلّ واحد دوره الذي يعرفه وتدّرب عليه.. وجدتني وحدي في الظلام، والقانون جامد بلا أي مرونة، يحاسبني كأنني موظف جالس على مكتب من الساعة كذا حتى الساعة كذا، يحاكمني القانون على أنني تركت المريضة في العمليات وخرجت أتعقّم قبل العملية! يتهمني القانون بالإهمال وعدم الاحتراز والرعونة".

ومنذ سنوات تطالب نقابة الأطباء المصريين بسرعة إصدار مشروع قانون المسؤولية الطبية، والذي يمثل ضرورة ملحة لانتظام تقديم الخدمة الصحية وضبط آليات التعامل بين مقدم الخدمة ومتلقيها في حالة حدوث ضرر طبي، وتغليظ عقوبة الاعتداء على الأطقم والمنشآت الطبية. 

المساهمون