قبل عشرة أعوام، طلب القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي من المصريين "تفويضاً" لإنقاذهم من "الإرهاب" ومن حكم الرئيس حينها محمد مرسي. واليوم، يترأس السيسي دولة بات القانون فيها متاهة يعجز حتى الخبراء عن التعامل معها.
منذ عقود "يُعتقل ناشطون أو محامون" بسبب آرائهم أو نشاطهم السياسي في البلد العربي الأكثر تعداداً للسكان، بحسب ما تقول المحامية المدافعة عن حقوق الإنسان ماهينور المصري. أمّا اليوم، "فيُتَّهَم مواطنون عاديون بالإرهاب بسبب مقطع مسجّل على تيك توك أو تدوينة على فيسبوك تدين غلاء المعيشة"، وفقاً للمصري.
من جهته، يقول مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت إنّ "الناس كلّهم يخشون اعتقالهم واحتجازهم إلى أمد غير محدّد". يضيف: "هذه أداة للحكم فعّالة جداً، إذ انتقلنا من الرقابة الذاتية إلى وضع بات فيه شعب كامل رهينة".
يؤكد ناشطون حقوقيون أنّ القضاء المصري بات خاضعاً، من جرّاء تقديم العلاوات والترقيات أو قرارات نقل عقابية لضمان ولاء القضاة. وسامر الدسوقي واحد من الذين عانوا من قرارات القضاء.
في الثامن من مايو/أيار 2022، أُوقف الدسوقي في الشارع، بحسب ما يفيد بهجت وكالة فرانس برس. من جهتها، تؤكّد أسرة الدسوقي أنّه ليس إسلامياً ولا ينتمي الى المعارضة الليبرالية. يُذكر أنّ محاميه لم يتمكّنوا حينها من الاطلاع على ملفه، كما هي الحال في قضايا كثيرة تُحال على محاكم أمن الدولة.
وفي يوليو/تموز 2022، قضت محكمة مختصة بقضايا الإرهاب في مدينته دمياط (شمال مصر)، ببراءة الدسوقي من تهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية". وأعيد تقديمه للمحاكمة بالتهمة نفسها مرّتَين بعد ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، ليُصار إلى تبرئته أيضاً في المرّتَين. لكنّ الدسوقي ما زال قيد الحبس الاحتياطي، وفي كلّ مرّة تُسجَّل قضية جديدة برقم جديد ويُحبَس مجدداً.
وفي السياق، تلفت واشنطن إلى أنّ مصر تنتهك حقوق الإنسان في كلّ المجالات؛ من السجون إلى حرية التعبير والتعذيب وحقوق مجتمع الميم وغيرها. ويؤكد بهجت أنّ "مصر لم تكن قطّ ديمقراطية ليبرالية بالمعنى الحرفي، ولكن في ظلّ حكم السيسي" زادت الأمور سوءاً.
من جهتها، نزلت ماهينور المصري إلى الشارع في 30 يونيو/ حزيران 2013 للمطالبة برحيل الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي. بعد عشرة أعوام، سُجنت في خلالها ثلاث مرّات في عهد السيسي، لم تعد تشارك في أيّ تظاهرات.
ويوضح بهجت أنّه قبل الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في عام 2011 وبعدها، كانت الإضرابات والمسيرات الاحتجاجية أمراً عادياً. أمّا اليوم، "فلا تظاهرات على الإطلاق". ويتحدّث عن "عدم توفّر أيّ صحيفة معارضة ولا أيّ وسيلة للتعبير عن رأي معارض بطريقة منظّمة". ووفقاً لمنظمات حقوقية، فإنّ "562 موقعاً" إخبارياً أو تابعاً لحزب أو جمعية حُجبت في مصر.
ولا تتوقف الرقابة عند هذا الحدّ. فقد مُنعت موسيقى الراب وموسيقى "المهرجانات" الإلكترونية، إذ عُدّت "مخالفةً للقيم الأسرية". وبسبب مخالفتهنّ لتلك القيم أيضاً، أُوقفت نحو عشر من المؤثّرات المصريات وأُخضعنَ للمحاكمة. ويطالب نواب بانتظام بمنع خدمة "نتفليكس" للسبب نفسه.
في المقابل، تتحدّث الدولة باعتزاز عن "استراتيجيتها لحقوق الإنسان". كما باشرت الدولة المصرية "حواراً وطنياً" يشارك فيه، بحسب منسقه العام ضياء رشوان، "سجناء سابقون" و"يتناقشون بحماسة مع أفراد يمثّلون النظام". كذلك، أصدر السيسي قرارات عفو رئاسي عن عدد كبير من السجناء وألغى حالة الطوارئ. لكنّ الناشطين الحقوقيين الذين صدرت في حقّ كثيرين منهم قرارات بالمنع من مغادرة البلاد أو بتجميد حساباتهم المصرفية، يقولون إنّ هذا مجرّد ذرّ للرماد في العيون.
ويفيد بهجت بأنّ الإجراءات الاستثنائية التي كانت تنبغي إزالتها مع إلغاء حالة الطوارئ، دُمجت تدريجياً ضمن القوانين العادية لتتحول إلى "أداة للقمع". ويرى أنّه "حتى في أوج الحكم السلطوي" في عهد الرؤساء السابقين، كان ثمّة "إطار قانوني" لتغطية الانتهاكات، وهو ما لم يعد قائماً اليوم.
وتحتلّ مصر المرتبة 135 من أصل 140 دولة في التصنيف الدولي لدولة القانون الذي يضعه مركز "وورلد جاستس بروجكت". ويضطر المحامون المصريون، بحسب ما تشرح المصري، إلى حضور جلسات تجديد الحبس الاحتياطي مع موكليهم عبر الفيديو، إذ إنّ الإجراءات التي اتُّخذت في خلال أزمة كورونا الوبائية لم تُرفع قط. وتقول "نرى 20 محتجزاً على الشاشة محاطين بحرّاس، وبالتالي هم غير قادرين على التحدّث عن ظروف احتجازهم في حال كانت لديهم أيّ شكوى".
تجدر الإشارة إلى أنّ القاهرة أقامت خمسة "مراكز تأهيل" مزوّدة بمكتبات وورش ومصانع يُفترض أن تحلّ محلّ السجون القديمة. لكن منذ مطلع عام 2023 الجاري، أحصى الناشطون وفاة 16 موقوفاً، من بينهم خمسة في هذه المراكز. وفي حين تلتزم السلطات الصمت المطبق بشأن عدد السجناء، تستند المصري إلى تجربتها الشخصية لتقدير العدد. فعندما سُجنت في عام 2016، كان سجن النساء الذي احتُجزت فيه يضمّ 30 سجينة سياسية. وعندما عادت إلى السجن في عام 2019، كان قد خُصّص "جناح كامل للسجينات السياسيات"، أي ما يُقدَّر بـ"نحو 200 سجينة".
(فرانس برس)