ألمانيا: مطالبات بتغيير قانون اللجوء

10 نوفمبر 2024
قد تطبق ألمانيا إجراء رفض المهاجرين على الحدود فوراً (ينس شلوتر/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت ألمانيا جدلاً حول سياسات اللجوء، حيث دعت المعارضة لتعديل قانون اللجوء الأساسي وتقليل عدد طالبي اللجوء، مع التركيز على ترحيل المهاجرين من دول ثالثة آمنة دون فحص، وسط انتقادات من الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

- مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، توقعات بزيادة الهجرة دفعت سياسيين للمطالبة بتغييرات جذرية في سياسات اللجوء، بينما استبعد خبراء انسحاب ألمانيا من الاتفاقات الدولية.

- اتخذت ألمانيا تدابير أمنية مشددة على حدودها للحد من الهجرة السرية، ورغم انخفاض عدد طالبي اللجوء، إلا أن هناك انتقادات للإجراءات المقترحة باعتبارها ضد الكرامة الإنسانية.

دفعت التفاعلات الداخلية التي نتجت من تعايش ألمانيا مع موجات اللجوء والهجرة خلال العقد الأخير، أحزاب المعارضة إلى رفع صوتها في وجه الحكومة الاتحادية، وتأجيج الجدل في موضوع اعتماد تدابير ملموسة للحدّ من أزمة الهجرة السرّية وصولاً إلى المطالبة بتعديل قانون اللجوء الأساسي الذي يرتكز على القانون الأوروبي.
ويجري تداول مقترحات عدة لتكييف الحق الأساسي للجوء مع الوضع الحالي في ألمانيا من أجل تقليل عدد طالبي اللجوء من 200 ألف إلى 30 ألف سنوياً. ويطرح هذه المطالب الملّحة رؤساء حكومات ولايات يقودها الحزب المسيحي الديمقراطي، من بينهم رئيس ولاية سكسونيا، ميخائيل كراتشمر، الذي دعا إلى اعتماد تسوية اللجوء التي جرى التوصل اليها عام 1993، والتي رفضت بالكامل استقبال لاجئين على الحدود بعدما زاد عددهم بشكل كبير حينها. ومن بين مقترحات تغيير القانون الأساسي الألماني ترحيل مهاجرين وصلوا من دولة ثالثة آمنة من دون أي فحص.

وفي ظل هذه الاندفاعة المفاجئة، قال ماركوس سودر زعيم حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الشريك الأصغر لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الحكومة، لموقع "مركور أونلاين": "تحتاج ألمانيا إلى تغيير جذري، وسيكون الرفض الفوري على الحدود أمراً ممكناً، وبالطبع يجب أن يحصل تغيير في الحق الأساسي للجوء في ألمانيا وأوروبا، والاتحاد المسيحي مستعد لهذه التعديلات". 
وانتقد سودر اكتفاء أحزاب الائتلاف الحاكم في البرلمان (بوندستاغ) بإقرار اجراءات تقييدية بسيطة بينها تقديم ميزات لطالبي اللجوء المرفوضين، وحصر إعادة المهاجرين واللاجئين إلى بلدانهم بمرتكبي الجرائم الكبيرة، وقال: "يدعو الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى اتخاذ تدابير مشددة واسعة النطاق وكافية، ونشدد على أهمية الضغط لإجراء تعديلات دستورية للتعامل بخطوات أكثر حسماً مع أزمة اللجوء، ومنح صلاحيات إضافية للسلطات الأمنية.
وتوقع سودر أن "تحصل موجة هجرة كبيرة بسبب التصعيد الحالي في الشرق الأوسط، كما أن أحداً لا يعرف كيف ستنتهي الأمور في أوكرانيا. وعلى سبيل المثال إذا قررت الولايات المتحدة وقف دعمها لكييف لا يمكن التنبؤ بعدد الأشخاص الذين سيهربون إلينا في فصل الشتاء".
ولاقت هذه المقترحات انتقادات حادّة من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وقال رئيس حكومة ولاية شمال الراين فستفاليا، ستيفان فايل، لصحيفة "هاندلسبلات": "حق اللجوء للأشخاص المضطهدين سياسياً جزء أساسي من الدستور الألماني، وأدرجه المشرعون في القانون الأساسي على وجه التحديد بسبب الفظائع التي ارتكبت خلال الحقبة النازية، واستبعد أن تتراجع ألمانيا بمفردها عن منح هذا الحق لأنه سيكون نهجاً خاطئاً بالكامل".
وعموماً استبعد خبراء أن تنسحب ألمانيا من الاتفاقات الدولية المختلفة، ومن بينها الاتفاق الأوروبي الخاص باللاجئين. وقال خبير الهجرة جيرالد كناوس لشبكة "ايه آر دي" الإخبارية: "أتفهم مدى إلحاح رؤساء حكومات بعض الولايات على إجراء تعديلات على قانون اللجوء الألماني، لكن لا جدوى من تغييره. حق اللجوء مكرّس في قانون الاتحاد الأوروبي، ما يتطلب تعديل ألمانيا معاهداتها. وأعتقد بأنه يجب التركيز بدلاً من ذلك على حلول البلدان الثالثة، أي إبرام اتفاقات مع ثلاث أو أربع دول مصنّفة بأنها آمنة مثل تلك الموقعة بين تركيا والاتحاد الأوروبي عام 2016، فهذا هو الإجراء الوحيد الذي يحدّ في شكل قوي من الهجرة واللجوء غير النظامي".
وأشار كناوس إلى أن "تداعيات الحرب ضد أوكرانيا وقفت وراء مطالبة رؤساء حكومات الأقاليم بتقليص عدد اللاجئين، علماً أن اللاجئين الأوكرانيين لا يحتاجون الى طلب لجوء، كما وصل عدد أكبر من المهاجرين من تركيا وسورية وأفغانستان".
وأخيراً، شددت ألمانيا تدابيرها الأمنية على حدودها مع الدول الأوروبية المجاورة، وفرضت ضوابط وعمليات تفتيش وتحقق من الهويات، كما أغلقت طرقات بديلة قد تستفيد منها عصابات تهريب البشر. لكن تساؤلات ظهرت في شأن عدم تعليقها حق اللجوء على الحدود كما فعلت بولندا. ولم يتردد رئيس كتلة حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا في القول إن "ألمانيا يجب أن تشدد سياسة اللجوء الخاصة بها بشكل كبير كما تفعل كل من هولندا وبولندا والدنمارك وفرنسا، لأن الهجرة السرّية تستخدم كسلاح تهديد". 
وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد "إنسا" أخيراً أن 59 في المائة من الألمان يريدون أن توقف حكومة "ائتلاف إشارات المرور" مؤقتاً حق الفرد في اللجوء، في حين عارض 26 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع هذا الأمر.

تعزيز صلاحيات أجهزة الأمن من بين التعديلات المتوقعة في ملف الهجرة (Getty)
تعزيز صلاحيات أجهزة الأمن من بين التعديلات المتوقعة في ملف الهجرة (Getty)

وفي مقابلة مع صحيفة "بيلد" قال خبير الهجرة دانييل ثيم إن "ألمانيا تملك بحكم الأمر الواقع جميع الخيارات لوقف حدود اللجوء، لكن ذلك يطرح أسئلة صعبة، علماً أن رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك يريد تقييد حق اللجوء رسمياً، وتغيير القوانيين الأوروبية والمعاهدات الدولية إذا لزم الأمر". 
وكانت وزارة الداخلية الفيدرالية أوضحت، رداً على طلب إحاطة من حزب اليسار، أنه "جرى تسجيل 42,307 حالة دخول غير نظامي عبر الحدود خلال النصف الأول من العام الحالي، وأعيد 21,611 منهم. وعام 2023 دخل 127,549 مهاجرا بطريقة غير نظامية الى ألمانيا، وأعادت الشرطة 35,618 منهم من الأماكن التي أتوا منها. وحصلت حالات طرد عبر الحدود مع كل من جمهورية التشيك وبولندا وغيرها".
وكان البرلمان الألماني وافق أخيراً على الحزمة الأمنية التي قدمتها الحكومة الفيدرالية لتحسين الأمن الداخلي ونظام اللجوء. وهي ستحرم طالبي اللجوء من الحماية في المستقبل إذا ارتكبوا جرائم بدوافع معادية للأجانب أو غير إنسانية، وكذلك معادية للسامية أو عنصرية. وإذا سافر الأشخاص الذين يحق لهم الحصول على حماية الى وطنهم يجب إلغاء الحق الخاص بهم، واستبعاد طالبي لجوء تتحمل دول أوروبية أخرى مسؤولية حمايتهم بموجب قانون دبلن، وبالتالي إلغاء الميزات الاجتماعية الممنوحة إليهم إذا كانوا يستطيعون مغادرة البلاد.
إلى ذلك، بات المكتب الاتحادي للهجرة يسمح بمقارنة البيانات البيومترية مع تلك الموجودة على الإنترنت من أجل التحقق من هويات طالبي اللجوء. 
من جهة أخرى، رفض مجلس تمثيل ولايات جمهورية ألمانيا الاتحادية (بوندسرات)، رغم موافقة "بوندستاغ"، السماح بالبحث عن الوجوه والأصوات باستخدام تطبيق آلي إلا إذا حصل رئيس مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية أو ممثله على موافقة المحكمة على هذا الأمر. 
وكانت منظمات الدفاع عن اللاجئين رفضت الإجراءات التي يقترح تطبيقها على اللاجئين، ووصفتها بأنها "سياسات ضد الكرامة الإنسانية". واعتبر البعض أن "قانون الحزمة الأمنية سيحوّل ألمانيا الى دولة مراقبة". 

وذكر المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء أن عدد طالبي اللجوء في ألمانيا انخفض في الفترة الأخيرة، وقدم 195,095 شخصاً طلب لجوء بين يناير /كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول الماضيين، بينهم 179,212 طلباً أولياً و15,833 طلباً لاحقاً. ومقارنة بنفس الفترة من عام 2023 كان هناك 233,744 طلباً، ما يمثل تراجعاً بنسبة 23.3 في المائة. وجاء ذلك بعد بدء تنفيذ إجراءات عدة لتقليل عدد المهاجرين السرّيين، ومن بينها خصوصاً تسوية اللجوء الأوروبية والضوابط على الحدود، كما تحسّنت آلية التضامن وجرى تسريع إجراءات اللجوء جزئياً على الحدود الخارجية للأشخاص القادمين من بلدان مصنّفة بأنها آمنة. 

المساهمون