في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت قوة العمليات المشتركة بمدينة الخمس الليبية مداهمة مقر عثر بداخله على مصنع غير مُرخص لتصنيع الأدوية والمستحضرات الطبية وتعبئتها، ويعمل فيه عدد من العمالة الأجنبية غير المرخصة للقيام بهذه الأعمال.
وفي مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الليبي ضبط مصنع للأدوية المغشوشة وحبوب الهلوسة داخل أحد المزارع في جنوبي مدينة طبرق (شرق)، في عملية أمنية تم خلالها القبض على جميع المتورطين، وإحالتهم إلى الجهات القضائية لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وفي أعقاب العمليتين الأمنيتين، أفادت بيانات رسمية أنه جرى بعد ضبط المصنعين التحفظ على المواد والأجهزة التي تستخدم في التصنيع، وكذلك أماكن التخزين، وثبوت ممارسة جريمة الغش التجاري للأدوية والمستحضرات الطبية، سواء في التصنيع من دون ترخيص، أو بتزوير تواريخ الصلاحية.
وعقب مداهمة المصنع في طبرق، أعلن مكتب النائب العام الليبي أنه حرك دعوى قضائية ضد المتهمين الذين تعمدوا الاتجار بأدوية مغشوشة، وكشف في بيان، عن بعض أصناف تلك الأدوية، ومن بينها مسكنات للآلام، وأدوية لتنظيم السكر في الدم وغيرها، إضافة إلى أنشطة تزييف عبوات تتطابق أوصافها مع أوصاف عبوات الدواء المعتمدة، وتعبئتها بمستحضرات غير فعالة، وتسويقها للجمهور.
كميات من الأدوية المغشوشة وجدت في صيدليات ليبية
كما حرك النائب العام دعوى سابقة في واقعة ضبط مصنع مدينة الخمس، وأوضحت النيابة أنها أمرت بالتحفظ على عدد من مسؤولي نقابة الصيدلة بالمدينة، إضافة إلى 13 أجنبياً متورطين في القضية اتُّهموا بارتكاب مخالفات ظاهرة في عمليات التعبئة والتغليف، واستيراد عبوات ذات أوصاف تتطابق مع عبوات أدوية معتمدة تمهيداً لتعبئتها بعد تزييف أغلفتها ونشراتها بمواد سبق أن وضعت في مستوعبات من دون مراعاة الضوابط التي تكفل خلوّها من الشوائب والملوّثات ومخالفات التصنيع، واعتبار الواقعة جريمة غش تهدف إلى تحقيق كسب غير مشروع.
ومن طبرق، يعبر عطية الدايل، عن خشيته من تفشي ظاهرة الأدوية المغشوشة في المجتمع في ظل كون إجراءات الجهات القضائية والأمنية لا تزال قاصرة على الضبط والتحقيق، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات المعنية خاصة إدارة الصيدلة، يفترض أن تعلن المعايير والعلامات والضوابط التي يمكن أن يستند إليها المواطن للتعرف على مشروعية الدواء الذي يشتريه، وأنه ليس مغشوشاً. تصريحات عميد بلدية طبرق إبّان ضبط مصنع الأدوية شملت تفاصيل خطيرة، منها أن الأدوية التي تم إنتاجها في هذا المصنع وُجدت في بعض الصيدليات المحلية، وأن المصنع كان ينتج الأدوية الأكثر استهلاكاً مثل مسكنات الآلام، وفي العادة لا يركز المواطن على تاريخ الصلاحية حين يشتري من الصيدليات، وليس لديه القدرة على معرفة إن كانت الأدوية سليمة أم مغشوشة".
يتابع الدايل: "يحاول البعض عدم الحديث حول مسؤولية السلطات عن هذه الكارثة، فإذا كان جشع التجار يدفعهم إلى غش الأدوية الأكثر استهلاكاً بقصد الربح، فإن على السلطات مسؤولية مكافحة ذلك بأشكال متعددة، وأحياناً يصل الغش إلى الأدوية الأخطر، مثل أدوية الأمراض المزمنة، والتي لا توجد إلا في الصيدليات الخاصة، والرقابة عليها أيضاً ضعيفة".
بدوره، يطالب أستاذ الصيدلة، عادل خلف الله، بضرورة تشديد الرقابة على الصيدليات ومراكز بيع الأدوية، ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك أسواق لبيع الأدوية بالجملة داخل مدن مثل طرابلس وبنغازي، وهي تمارس نشاطها من دون رقابة جادة، والزيارات الدورية لعناصر مركز الرقابة على الأدوية والأغذية غير كافية. مشكلة الغش التجاري تؤثر على نشاط الصيدليات الصغيرة التي بات المواطن يخشاها، ويذهب إلى الصيدليات الكبرى ظناً منه أنها أكثر أمناً".
ويوضح خلف الله أن "الأمر يتعلق بمسؤولية جميع الجهات الرسمية، ومن ذلك تحديث ضوابط منح رخص ممارسة الصيدلة وتجارة الأدوية القائمة، وأن تضم المزيد من الشروط والقيود، وتكثيف حملات جهاز الحرس البلدي، وحملات مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، كما أن إدارة الصيدلة في وزارة الصحة مطالبة بوضع خطة لمواجهة هذا الخطر، وعدم الاكتفاء بعمليات الضبط والمداهمة والإحالة على القضاء، إذ يجب معالجة جميع الثغرات، ومن أبرزها أن أسواق الجملة الخاصة ببيع الأدوية في المدن الكبرى لا تتوفر لديها مقارّ لتخزين الأدوية، وإن توفر لدى بعضها، فإنها تكون مقارّ تفتقر إلى الاشتراطات الصحية والبيئية للتخزين، وإن الأدوية الموردة من شركات معتمدة تتعرض لسوء التخزين في الغالب قبل وصولها إلى المواطن عن طريق الصيدليات الصغيرة المنتشرة داخل الأحياء والمناطق، ويزيد الأمر سوءاً في المناطق النائية والقرى".