شبّهت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير اليوم السبت، مشاهد الدمار في غزة والخراب إثر العدوان الإسرائيلي على القطاع، المتواصل لليوم الخامس والثمانين، بما خلّفته الحرب العالمية الثانية.
وخلّفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دماراً مماثلاً في حجمه لأشد حروب المدن تدميراً في السجّل الحديث، وذلك بعد أن دكّت معظم البنية التحتية والمنازل والمساجد والمواقع التاريخية والكنائس، ولم تترك إلا مشاهد الغبار والخراب بعد 3 أشهر من القصف.
إسرائيل تدمر 70% من مباني غزة
وقالت "وول ستريت جورنال" إنه بحلول منتصف ديسمبر/كانون الأول، كانت إسرائيل قد أسقطت 29 ألف قنبلة وذخيرة وقذيفة على القطاع. وبلغ حجم الدمار في غزّة مستوى غير مسبوق، إذ تعرض ما يقرب من 70% من منازل القطاع البالغ عددها 439 ألف منزل، ونحو نصف مبانيها، لأضرار أو دمرت بالكامل.
Nearly three months of bombing have turned Gaza into a ruined landscape reminiscent of the most devastating campaigns in modern history. https://t.co/HMov4r2WyR https://t.co/HMov4r2WyR
— The Wall Street Journal (@WSJ) December 30, 2023
وأضافت أن القصف الإسرائيلي ألحق أضرارا بالكنائس البيزنطية والمساجد القديمة والمصانع والمباني السكنية ومراكز التسوق والفنادق الفاخرة والمسارح والمدارس. كما أن الكثير من البنية التحتية للمياه والكهرباء والاتصالات والرعاية الصحية أصبحت غير قابلة للإصلاح.
ولحق الدمار في غزة المستشفيات، وتقول "وول ستريت جورنال" إن معظم مستشفيات القطاع البالغ عددها 36 أضحت خارج الخدمة أو مغلقة، ولا تستقبل سوى ثمانية منها المرضى. وتم تدمير أشجار الحمضيات وبساتين الزيتون. وتضرر أكثر من ثلثي مدارسها.
الدمار في غزة يشبه مشاهد الحرب العالمية الثانية
ويشبه الدمار في غزة ما خلفه قصف الحلفاء للمدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. وقال روبرت بيب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو ومؤلف كتاب تاريخ القصف الجوي: "إن كلمة (غزة) سوف تُسجل في التاريخ مع مدينة دريسدن وغيرها من المدن الشهيرة التي تم قصفها". "ما ترونه في غزة هو ضمن أعلى 25% من حملات العقاب الأكثر شدة في التاريخ". وفقاً لما نقلت عنه الصحيفة.
وقبل ثلاثة أشهر، كانت غزة مكانا نابضا بالحياة. وفقاً لما أوردت الصحيفة وعلى الرغم من عقود من الاحتلال الإسرائيلي والحصار والحروب، استمتع العديد من الفلسطينيين بالعيش هناك بجانب البحر الأبيض المتوسط، حيث كانوا يتجمعون في المقاهي والمطاعم المطلة على البحر. لعبت العائلات على الشاطئ. وكان الشباب يتجمعون حول أجهزة التلفاز في المساء لمشاهدة كرة القدم، وفق ما تصف الصحيفة.
وتوضح: "واليوم، يطغى مشهد الدمار في غزة على كل تفاصيل الحياة. وفي شمال غزة، وهو محور الهجوم الإسرائيلي الأولي، يتنقل عدد قليل من الأشخاص الذين بقوا في الشوارع المليئة بالأنقاض مروراً بالمتاجر والمباني السكنية التي تم قصفها وسط تحليق طائرات إسرائيلية في سماء المنطقة".
وفي الجنوب، حيث فر أكثر من مليون من السكان النازحين، ينام سكان غزة في الشوارع ويحرقون القمامة لطهي الطعام. وفر نحو 85% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة من منازلهم، وأصبحوا محصورين بموجب أوامر الإخلاء الإسرائيلية في أقل من ثلث القطاع، وفقا للأمم المتحدة.
وأوردت الصحيفة ما قال الجيش الإسرائيلي إنه يستهدف حماس ويتخذ خطوات لتجنب قتل المدنيين، بما في ذلك عن طريق تشجيع السكان على مغادرة المناطق التي يهاجمها. وقالت القوات الجوية الإسرائيلية إن حملة القصف التي تشنها تسبب "أقصى قدر من الضرر".
واتهمت إسرائيل حماس باستخدام المباني المدنية لإخفاء مداخل الأنفاق التي تخزن فيها الأسلحة وتخفي القادة. قال إيلون ليفي، المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 17 ديسمبر/كانون الأول: "عندما تسأل عن سبب تدمير البنية التحتية المدنية في غزة، انظر إلى المكان الذي بنت فيه حماس بنيتها التحتية العسكرية"، وفقاً للصحيفة.
مسح أضرار الدمار في غزة
ومع إغلاق منطقة الحرب أمام العالم الخارجي، يقوم الخبراء بمسح الأضرار من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية واستخدام الاستشعار عن بعد، الذي يراقب الخصائص الفيزيائية. وقالوا إن النتائج التي توصلوا إليها أولية وستحتاج إلى التحقق منها على الأرض، ولكن من المرجح أن تكون أقل من الواقع.
ووفقاً لتحليل بيانات الأقمار الصناعية التي أجراها خبراء الاستشعار عن بعد في جامعة مدينة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون، فإن ما يصل إلى 80% من المباني في شمال غزة، حيث كان القصف أشد قسوة، قد تضررت أو دمرت، وهو ما يزيد بكثير عن النسبة المئوية في دريسدن الألمانية، كما تقول الصحيفة.
ويقدر هي يين، أستاذ الجغرافيا المساعد في جامعة ولاية كينت في ولاية أوهايو، أن 20% من الأراضي الزراعية في غزة قد تضررت أو دمرت. وقال إن القمح الشتوي الذي من المفترض أن ينبت الآن غير مرئي، ما يشير إلى أنه لم يكن مزروعا. بحسب ما نقلت عنه "وول ستريت".
وخلص تحليل أجراه البنك الدولي إلى أنه بحلول 12 ديسمبر/كانون الأول، دمرت الحرب 77% من المرافق الصحية، و72% من الخدمات البلدية مثل المتنزهات والمحاكم والمكتبات، و68% من البنية التحتية للاتصالات، و76% من المواقع التجارية. دمار شبه كامل للمنطقة الصناعية في الشمال. ووجد البنك الدولي أن أكثر من نصف الطرق قد تضررت أو دمرت. ولحقت أضرار بنحو 342 مدرسة، وفقا للأمم المتحدة، بما في ذلك 70 مدرسة تابعة لها.
وخلص تقييم أجراه مكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية إلى أن إسرائيل أسقطت 29 ألف قذيفة على غزة خلال ما يزيد قليلا عن شهرين، وفقا لمسؤولين أميركيين. وبالمقارنة، أسقط الجيش الأميركي 3678 قذيفة على العراق في الفترة من 2004 إلى 2010، وفقا للقيادة المركزية الأميركية. ومن بين الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل خلال حرب غزة قنابل "خارقة للتحصينات" تزن 2000 رطل مصممة لاختراق الملاجئ الخرسانية، والتي يقول محللون عسكريون إنها تستخدم عادة لضرب أهداف عسكرية في مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة.
استهداف المواقع التاريخية في غزة
الصحيفة تطرقت إلى تاريخ غزة الغني الذي يبلغ 4000 عام. إذ كانت مدينة ساحلية كنعانية وفرعونية وبمثابة نقطة التقاء طرق التجارة بين أفريقيا وآسيا. عبر التاريخ، جرى بناؤها من جديد بعد الحروب والحصار والأوبئة والزلازل. وفي عام 332 قبل الميلاد، كانت آخر مدينة تقاوم زحف الإسكندر الأكبر إلى مصر، وهو عمل من أعمال التحدي الذي غذى أسطورة شعب لن ينحني أبدًا، ورمز بلدية غزة هو طائر الفينيق وفق تعبير الصحيفة، في إشارة إلى الطائر الذي يولد من رماد احتراق جسده.
وبحسب الصحيفة، لم تستثنِ الحرب الحالية المواقع التاريخية الثمينة. تم تدمير المسجد العمري الكبير، وهو مبنى قديم تم تحويله من كنيسة تعود للقرن الخامس إلى مكان عبادة إسلامي، وسقطت مئذنته. أصابت غارة جوية إسرائيلية، في أكتوبر/تشرين الأول، كنيسة القديس بورفيريوس التي تعود إلى القرن الخامس، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 فلسطينيًا كانوا يحتمون هناك.
وقال فاضل العتيل، عالم آثار من غزة فر من منزله للاحتماء في الطرف الجنوبي من القطاع: "إن فقدان المسجد العمري يحزنني أكثر من تدمير منزلي". وفقاً للمصدر نفسه.
لقد تحول حي الرمال المتميز بشوارعه الواسعة وصالونات التجميل إلى أنقاض في الأيام الأولى للحرب. دمرت الهجمات الإسرائيلية مبنى المحكمة الرئيسي في غزة ومبنى البرلمان والأرشيف المركزي.
وتقول إسرائيل إن العديد من غاراتها الجوية استهدف شبكة أنفاق حماس تحت غزة، والتي تقول إنها كانت تخفي أيضًا الرهائن الذين تم احتجازهم في 7 أكتوبر. وتقع هذه الأنفاق تحت مناطق مكتظة بالسكان في الأرض التي تحتوي على بنية تحتية بلدية مهمة، ما يجعل ساحة المعركة صعبة.
غزة لم تعد صالحة للعيش
وقال إيال وايزمان، وهو مهندس معماري إسرائيلي بريطاني: "لم تعد غزة مدينة صالحة للعيش فيها". وأضاف أن أي عملية إعادة إعمار ستتطلب "نظاماً كاملاً من البنية التحتية تحت الأرض، لأنه عندما تهاجم باطن الأرض، فإن كل ما يمر عبر الأرض - المياه والغاز والصرف الصحي - يدمر". بحسب ما نقلت عنه الصحيفة.
وتواجه غزة تحديات كبيرة "ولا أحد يعرف من سيتولى زمام الأمور إذا حققت إسرائيل هدفها المتمثل في تدمير حماس، كما تعارض إسرائيل خطة أميركية لتولي السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، مسؤولية القطاع". وفقاً للصحيفة.
وخلص تحليل أجرته مجموعة المأوى، وهي ائتلاف من جماعات الإغاثة بقيادة المجلس النرويجي للاجئين، إلى أنه بعد الحرب الحالية، سوف يستغرق الأمر سنة على الأقل لإزالة الأنقاض، وهي مهمة معقدة بسبب الاضطرار إلى إزالة الذخائر غير المنفجرة بأمان.
وقالت المجموعة استناداً إلى مقال "وول ستريت" إن إعادة بناء المساكن ستستغرق من سبع إلى عشر سنوات إذا توفر التمويل. وتقدر التكلفة بنحو 3.5 مليارات دولار، ولا تشمل تكلفة توفير السكن المؤقت.
ويكاد مستوى الأضرار في غزة يبلغ ضعف ما كان عليه خلال صراع عام 2014، الذي استمر 50 يومًا، مع خمسة أضعاف عدد المباني المدمرة بالكامل، وفقًا لمجموعة المأوى. وفي الصراع الحالي، وحتى منتصف ديسمبر/كانون الأول، لم يعد لدى أكثر من 800 ألف شخص منزل يعودون إليه، حسب ما يقول البنك الدولي.
ونقلت الصحيفة عن كارولين سانديس، الخبيرة في إعادة التنمية في مرحلة ما بعد الصراع في جامعة كينغستون بلندن، قولها إنه: "في أفضل السيناريوهات، سيستغرق الأمر عقوداً من الزمن".