مسلمو الغرب... حماسة وتفانٍ لتقاليد رمضان

15 مارس 2024
إفطار جماعي في مدينة روترادم الهولندية العام الماضي (عبد الله أسيران/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المسلمون في الدول الغربية يظهرون حماسة للاحتفال برمضان، مع التركيز على الفوائد الروحية والجماعية، ويتأملون في أهمية الشهر وتكييف شعائرهم الدينية مع البيئات غير الإسلامية.
- يحرصون على تحضير الطعام الحلال والوجبات الخاصة، وتزيين منازلهم بزينة رمضانية لخلق جو ترحيبي يعكس روح الشهر، مع تحسن خيارات الحلال بفضل التنوع الثقافي.
- تعزز الفعاليات الرمضانية في المدن غير الإسلامية، مثل تجمعات الإفطار وصلاة التراويح، التواصل بين المسلمين وتقوي شعورهم بالانتماء، مع تعزيز التفاهم بين الثقافات وتجعل شهر رمضان تجربة غنية.

في وقت تحتفل البلدان التي تعتمد الإسلام دين الدولة رسمياً بشهر رمضان، يحيي المسلمون في الدول الغربية شعائره بحماسة وتفانٍ تقليديين من خلال استعدادات وممارسات تؤكد تمسكهم بأهمية جني الفوائد الروحية الأكبر على الصعيدين الفردي والجماعي.

حين يستعد المسلمون لشهر رمضان يفكرون في أهميته، وكيف يستطيعون تكييف شعائر إيمانهم التي تتضمن ممارسات معينة، مع الأجواء السائدة في مجتمعاتهم، والتي تتأثر خصوصاً بواقع كونها في بيئات إسلامية في الأصل، او في بيئات غير إسلامية، وهو الحال لدى الوجود في دول أوروبية أو في القارة الأميركية.   
عموماً، تهتم المجتمعات الإسلامية بتسهيل ممارسة سكانها الشعائر الخاصة بشهر رمضان، وفي مقدمها الصيام الذي يمتد ساعات طويلة، وأداء الصلوات وبينها التراويح الخاصة بهذا الشهر، في شكل مريح من أجل تعزيز التركيز على المعاني الروحية للشهر الفضيل، وبينها التقرّب من الأحباب والتفكير بأهمية السلام والمصالحة والخدمة في المجتمع، التي تجعل الحياة تسير في إيقاع أفضل للجميع.
أيضاً، يعتبر شهر رمضان مهماً لتركيز المسلمين على تقديم صدقات وتنفيذ أعمال صالحة تزيل الأخطاء المرتكبة في التعامل مع الآخرين.
وباعتبار أن هذا الواقع غير سائد في المجتمعات غير الإسلامية التي قد لا تتآلف مع "اللمسات الخاصة" بشهر رمضان، وبينها أذان المسجد لإعلان موعدي الإفطار والسحور، والتجمعات الكبيرة مع الأصدقاء أو العائلة، والأسواق الرمضانية الصاخبة، تتحوّل تجربة المسلمين المتمسكين بشعائر الشهر إلى التركيز، من خلال الصوم بالدرجة الأولى، على ممارسة تطهير الذات، والتخلص من السموم الروحية. 
وانطلاقاً من الصوم نفسه، يجب أن يتكيّف المسلمون الملتزمون بشعائره والذين يعيشون في بيئات غير إسلامية مع فتراته الطويلة التي قد تتراوح بين 10 ساعات و17 ساعة، بحسب موعد حلول شهر رمضان خلال السنة، والموقع الجغرافي. 
وفي أوروبا، تكون ساعات الصوم أطول وأكثر سخونة خلال فصل الصيف. أما هذا العام، فيحل شهر رمضان في موعد قريب من فصل الربيع، ما يقصّر فترة الصيام مقارنة بالسنوات السابقة. وهذه نعمة كبيرة، بحسب ما يقول مسلمون في القارة العجوز، تضاف إلى نعمة أن حلول رمضان في الربيع يجلب الإحساس بالتجدد الذي يشبه أهداف المسلمين خلال شهر رمضان عموماً، وفي مقدمها تقوية إيمانهم ومحاولة أن يصبحوا نسخة أفضل من أنفسهم خلال هذا الشهر وبعده.
ومن الجوانب الممتعة لعيش الصائمين تجربة رمضان في أوروبا خلال فصل الربيع، إمكان الاستمتاع بالطقس اللطيف والتجول في الهواء الطلق في وقت متأخر من بعد الظهر لتصفية الذهن والبقاء نشيطين.

ويشكل ذلك روتيناً صحياً جيداً خلال رمضان، إذ يساعد المشي في زيادة تدفق الدم والأوكسجين إلى الجسم، ما يقلل الشعور بالتعب المرتبط بالصيام.
ومن الاستعدادات المهمة جداً بالنسبة إلى الصائمين في بيئات غير إسلامية خلال شهر رمضان، العثور على خيارات الطعام الحلال، ما يجعل طهي الوجبات الخاصة الخيار الأكثر مثالية، ويستدعي وضع خطة أسبوعية للوجبات من أجل توفير الوقت وتجنّب الضغط غير الضروري.
وفي السنوات الأخيرة، تحسّنت خيارات الحلال في بلدان غير إسلامية كثيرة، بينها هولندا مثلاً التي تتضمن متاجرها الكبيرة أقساماً للحوم الحلال، ما يعكس تزايد التنوع في مجتمعها، وقبوله الثقافات والأديان المختلفة الذي يحسّن فرص عيش شهر رمضان أسهل فيه.
يذكر أن تقاليد الطعام الأقدم والتي يحافظ عليها غالبية المسلمين في العالم تتمثل في تناول التمر والمنتجات الغذائية مثل الحليب، علماً أن التمر فعّال في استعادة مستويات السكر في الدم بعد ساعات عدة من الصيام، في حين توفر منتجات الألبان الفيتامينات والبكتيريا الجيدة (بروبيوتيك) الضرورية ليوم صيام صحي.

مصلون في جامع بواشنطن (جلال غونيز/ الأناضول)
مصلون في جامع بواشنطن (جلال غونيز/ الأناضول)

وإذا كانت زينة الشوارع الخاصة بشهر رمضان غائبة في الدول غير الإسلامية، يتعمّد المسلمون إيجادها في منازلهم تحديداً للمساهمة بشكل كبير في توفير جو ترحيبي يرمز إلى الوحدة والنعيم في إطار روح رمضان.
ويستخدم البعض أضواء خيالية أو فوانيس معلّقة، وقد يصنعون ديكورات بنفسهم تتناسب مع أهدافهم في رمضان، وتحفّزهم على ممارسة الشعائر طوال الشهر. وحالياً يمكن شراء أي شيء عبر الإنترنت.
وخلال احتكاكهم بمجتمعاتهم، لا يمانع مسلمون في الإجابة عن أي سؤال يوجهه أشخاص غير مسلمين إليهم حول شعائر شهر رمضان وتوضيحها، ما قد يساهم أيضاً في جعل أصدقائهم غير المسلمين يهتمون بالانضمام إلى تجربة الصيام، والاستمتاع بالإفطار معهم. وهكذا يعزز التفاهم بين الثقافات شعور المسلمين الموجودين في بيئات غير إسلامية بمزيد من الدعم والانتماء للمجتمع، وهذا أمر ذو قيمة كبيرة للمسلم في بلد أجنبي.
إلى ذلك، باتت مدن غير إسلامية عدة تضم منظمات إسلامية تحرص على تنظيم فعّاليات خاصة بشهر رمضان، مثل تجمعات الإفطار وصلاة التراويح والمحادثات الإسلامية، ما يعزز التواصل بين المسلمين ويخلق شعوراً لديهم بالانتماء إلى المجتمع، ويساهم في رفع روح شهر رمضان لديهم، ويجعله أكثر أهمية وغنىً بالنسبة إليهم. 
ويعتبر مسلمون كثيرون في ألمانيا أن تناول إفطار رمضان في مساجد مع أفراد من الأسرة ومعارف وحتى أصدقاء ألمان من بين الممارسات الأكثر تميّزاً خلال الصيام في هذا البلد. وعلى سبيل المثال، ينظم مسجد الفاتح في لينداو على بحيرة كونستانس برنامجاً رمضانياً خاصاً يحضره نحو 500 شخص.
وتكثر تجمعات الإفطار الجماعي في الساحات والحدائق في أنحاء ألمانيا، ويستضيف بعضها أفراداً وشركات وجمعيات لرجال أعمال وسياسيين وحتى رجال دين مسيحيين.  
ومن خلال تناول الإفطار معاً في الأماكن العامة، يؤكد المسلمون أنهم جزء من المجتمع، وأنهم مهتمون بتعزيز التواصل وخلق فرص التعرف على آخرين.
وعلى غرار أوروبا، تواكب استعدادات المسلمين لإحياء شهر رمضان في الولايات المتحدة جاهزية كبيرة على الصعيدين الفردي والجماعي، تعكس حسن تجذرهم في المجتمع منذ سنوات. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ولا تختلف تقاليد مسلمي الولايات المتحدة خلال رمضان عن تلك في باقي أنحاء العالم. واللافت خلال اجتماعات الإفطار وجود أنواع مختلفة من المأكولات لأن مسلمي هذا البلد قدموا من بلدان مختلفة.
وتقدم العديد من المساجد المحلية وجبات إفطار جماعية وتنظم فعّاليات ودروس تعليمية على مدار شهر رمضان، كما تنتشر أسواق الحلال والمكتبات الإسلامية والأزياء الإسلامية في كل الولايات.
ويؤدي المسلمون الأميركيون صلاة التراويح في شهر رمضان، وتعقبها التلاوة. وتعتبر طقوس التسّوق فريدة بالنسبة إليهم لأنه يجب أن يعثروا على متاجر توفر منتجات حلال. وينفذ رجال دين خلال شهر رمضان برنامجاً مخصصاً لشباب يجعلونهم سفراء للإسلام لتقديم حقيقته للمجتمعات غير المسلمة.
وتفتح بعض المساجد أو البيوت الخاصة أبوابها لجميع المسلمين في الولايات المتحدة، كما تستقبل ضيوفاً من المجتمعات المحيطة لتعزيز العلاقات.

المساهمون