مستشفى شهداء الأقصى... آخر مراكز غزة الصحية الكبرى يحتضر

08 يونيو 2024
جرحى يتلقون العلاج على الأرض في مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مستشفى شهداء الأقصى يصبح الملاذ الوحيد للمصابين في وسط وجنوب غزة بعد توقف خدمات مستشفيات أخرى، مع خدمته لأكثر من مليون نسمة وتعرضه لقصف ونقص في الوقود.
- الضغط الشديد على المستشفى يؤدي لتجاوز طاقته الاستيعابية أربعة أضعاف، مع زيادة الأسرة إلى 240 وتأجيل العمليات الجراحية بسبب توافد الإصابات الخطيرة.
- تفاقم الوضع الإنساني داخل المستشفى يشمل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وضغط نفسي ومهني هائل على الأطباء، مع توقعات بارتفاع أعداد الوفيات بدون تدخل لتوفير الدعم.

بعد خروج مجمع ناصر الطبي في خانيونس من الخدمة، وتوقف العمل في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، بات مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح الملجأ الوحيد للمصابين والجرحى في وسط وجنوب قطاع غزة.

يعد مستشفى شهداء الأقصى الحكومي المستشفى المركزي الوحيد في محافظة وسط قطاع غزة، وهو يوفر الخدمات الطبية لأكثر من مليون نسمة، غالبيتهم من النازحين إلى مدينة دير البلح وأربعة مخيمات للاجئين في محيطها، وكذا أجزاء من مدينة خانيونس التي خرجت غالبية المراكز الصحية فيها عن الخدمة.
وتعرض محيط مستشفى شهداء الأقصى لقصف إسرائيلي صباح السبت، وتحذر إدارته من كونه يحتضر في ظل عدم التمكن من تأمين الوقود اللازم لتشغيل المولدات، إذ يعمل مولد واحد فقط للكهرباء بعد أن كانت هناك أربعة مولدات عاملة، رغم الزيادة الكبيرة في أعداد المتوافدين على المستشفى، والتي تتجاوز عدة أضعاف طاقته الاستيعابية، ويتزامن كل ذلك مع قلة المعدات الطبية، والنقص الحاد في المستلزمات والمستهلكات الطبية، خصوصاً لوازم الطوارئ والعمليات، وندرة الأدوية، ما يُنذر بكارثة صحية تهدد عشرات الجرحى والمرضى والأطفال الخُدج في غرف العناية الفائقة وتحت أجهزة التنفس الاصطناعي التي لن تعمل في غياب التيار الكهربائي.
يوجد في المستشفى أكثر من 700 جريح ومريض، بينما لا تتجاوز طاقته الاستيعابية الأصلية 150 سريراً فقط، وزيدت طاقة المستشفى إلى 200 سرير في مختلف الأقسام قبل ثلاثة أشهر، ثم زُود بـ40 سريراً إضافياً عبر منظمات صحية بعد خروج مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس عن الخدمة قبل شهرين.

مستشفى شهداء الأقصى الوحيد الذي تعمل كامل أقسامه في وسط وجنوب غزة

ويتزايد الضغط على مستشفى شهداء الأقصى في ظل كونه الوحيد في وسط وجنوب القطاع الذي يعمل بكامل أقسامه وعياداته، ويؤكد الناطق باسم المستشفى خليل الدقران أنه يستقبل يومياً عشرات المصابين من مختلف المناطق والمخيمات في دير البلح وخانيونس، وحتى من مدينة رفح، وتزايدت الأعداد خلال الأيام الأخيرة مع تكثيف الهجوم الإسرائيلي على مخيمي النصيرات والبريج.
ويبين الدقران لـ"العربي الجديد" أن "مستشفى شهداء الأقصى في الوقت الحالي هو أكبر مستشفى عامل في قطاع غزة، ويجرى داخله العديد من العمليات الجراحية المعقدة يومياً، من بينها عمليات بتر أطرف، وعمليات في الجمجمة، وأخرى لربط الأوردة، وعمليات في الأمعاء، وأقسام المبيت تجاوزت أربعة أضعاف طاقتها في جميع الأقسام. المخاطر تحيط بالمستشفى في ظل وجود أقسام للولادة، وأقسام علاج الأطفال، وهي من بين الأقسام الحساسة التي تعمل بطاقة زائدة عن طاقتها الاستيعابية، وهناك الكثير من عمليات الولادة القيصرية، وعمليات ولادة مبكرة نتيجة ظروف النزوح المتكرر، وبعضهن يفقدن أجنتهن".

الصورة
إمكانيات محدودة في مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
إمكانيات محدودة في مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

يضيف: "مؤخراً، جرى تحويل جميع الحالات الخطرة والعمليات الطارئة إلى مستشفى شهداء الأقصى كونه يتوسط قطاع غزة، والاحتلال دمر المستشفيات والمراكز الطبية الكبرى الأخرى، أو أخرجها من الخدمة، والمستشفى يخدم حالياً نحو مليون ومائتي ألف من النازحين إلى المناطق الأكثر اكتظاظاً في قطاع غزة، لكنه يعاني من نقص حاد في الأدوات والأدوية، خصوصاً تطعيمات الأطفال".
وقامت إدارة المستشفى بوضع خيام لاستقبال حالات الطوارئ خارج ساحة المستشفى حتى تتولى إسعاف المصابين الذين يحتاجون إلى إجراءات طبية لا تستدعي دخول قسم الطوارئ الداخلي، لكن أصبحت تكتظ بالمصابين الذين يضطرون إلى البقاء على الأرض لساعات قبل أن يتلقوا العلاج.
ويوضح الدقران: "بعض الجرحى يفارقون الحياة نتيجة عدم قدرة الطواقم الطبية على تقديم العلاج اللازم لهم بسبب ازدحام المستشفى بالإصابات الخطيرة، وهناك اختلاط بين فئات المرضى والجرحى، وهذا وفق البروتوكولات الصحية أمر خطير، كما أن المستشفى يكتظ بالأطفال المصابين بأمراض معدية مختلفة، ونطالب بسرعة وصول الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية اللازمة لعلاج الأطفال لتجنب كارثة صحية، فنحن على أعتاب أزمة كبيرة قد توقع أعداد وفيات غير مسبوقة داخل المستشفى بسبب تأخر العلاج".
بدوره، يقول طبيب الأعصاب محمد حسين، من مستشفى شهداء الأقصى، إن جميع الأطباء يعملون في نطاقات تتجاوز تخصصاتهم، والجميع باتوا يشرفون على حالات جرحى بحاجة إلى رعاية صحية أولية ومتابعة طبيب عام، ويوضح أن الطبيب الواحد في المستشفى يشرف على ما لا يقل عن 30 جريحاً ومريضاً في اليوم، فضلاً عن الحالات التي تحضر للعلاج الدوري ثم تغادر المستشفى.

الصورة
تتجاوز أعداد الجرحى طاقة استيعاب مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
تتجاوز أعداد الجرحى طاقة مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول

ويوضح حسين لـ"العربي الجديد" أن "إدارة المستشفى تتخذ في بعض الأيام قراراً اضطرارياً بتأجيل العمليات الجراحية لعدد من الجرحى والمرضى، رغم الإدراك التام للمخاطر التي قد تلحق بهم نتيجة التأجيل، لكن ذلك يكون بسبب توافد عشرات الجرحى في وقت واحد من جراء المجازر الإسرائيلية المتكررة، فحينها تصنف حالات الجرحى مستعجلة، ولا يمكن عندها إلا العمل على إنقاذ حياتهم في لحظة دخولهم عبر نقلهم إلى غرف العمليات، وبات هذا يتكرر كثيراً خلال الأيام العشرة الأخيرة، وهناك عمليات جراحية تجرى في الخيام بسبب امتلاء غرف العمليات، وبعض الحالات التي تدخل في غيبوبة لا يمكننا نقلها سريعاً إلى الغرف أو أقسام المبيت أو العناية المركزة، ونحاول دائماً اتباع البروتوكول الصحي كي نحافظ على حياتهم، وهذا يدفعنا إلى تأجيل العمليات المجدولة".
يضيف: "هناك عمليات جراحية يمكن لأصحابها الانتظار وفق تقييم يجرى لهم بعد موافقة الطاقم الطبي، لكن هذا لا يخلو من صعوبات بالنسبة للجريح الذي يعاني من الآلام، والذي لا يتلقى في العادة علاجاً كافياً، ما يجعل الطاقم الطبي يعيش حالة من الضغط النفسي والمهني، فبعض الحالات لا تستطيع الانتظار، وأتوقع أن تكون هناك وفيات كثيرة داخل المستشفى خلال الأيام القادمة ما لم يوقف العدوان، وتُدخل مساعدات كافية للمستشفيات".
ويؤكد الجريح ساهر مصلح أن مشكلات علاج الجرحى تبدأ حين يُنقلون إلى المستشفى، فيبقون على الأرض ساعة أو ساعتين قبل أن يُوضعوا على أحد الأسرة، ويُبدأ في علاجهم، وفي كثير من الأحيان، تتحول أرضية قسم الطوارئ في المستشفى إلى بركة من الدماء.
أصيب مصلح بجروح في الرأس وتمزق في الساق وحروق في الظهر، في قصف إسرائيلي على منزل نزح إليه في مخيم النصيرات في الرابع من يونيو/حزيران الماضي، وعندها عاينه عناصر الدفاع المدني، ثم حضر أشخاص متطوعون للمساعدة في نقل المصابين إلى العيادات الصحية القريبة، لكن إصابته كانت تحتاج إلى نقله إلى مستشفى، وجرى نقله إلى المستشفى على عربة يجرها حمار، لأن سيارة الإسعاف حين وصلت، اضطرت إلى نقل الإصابات الأشد خطورة، وعندما وصل إلى المستشفى، شاهد الكثير من الجرحى الذين يطلبون الإغاثة من الطواقم الطبية المشغولة.

يقول مصلح لـ"العربي الجديد": "أعاني من جراء الإصابة في ظهري، وقد اضطررت إلى المبيت في الخيمة الخارجية بالمستشفى التي تضم أسرة طبية خُصصت للجرحى الذين لا تصنف حالاتهم خطيرة مثلي، لكني أشعر بآلام شديدة، ولا أحصل سوى على علاج محدود لا يكفي لتخفيف الألم، وأعاني من ارتفاع درجات الحرارة في الخيمة، وكلما حاولت الحديث مع الأطباء، يخبرونني أنه لا توجد أماكن للمبيت داخل المستشفى الممتلئ تماماً".
بدوره، أصيب محمد بركة في يده اليمنى خلال قصف إسرائيلي على شرق دير البلح قبل أسبوع، واضطر بعد عملية جراحية لبتر يده إلى البقاء في الخيام الخارجية لاستكمال تلقي العلاج، وهو لا يحصل سوى على مسكنات ألم خفيفة، ومضادات حيوية ضعيفة.
يقول بركة لـ"العربي الجديد": "قبل إصابتي، كنت أحضر إلى المستشفى كثيراً، إذ كنت من بين المتطوعين لنقل الجرحى، لكن الأوضاع حالياً أسوأ كثيراً، فالمستشفى أصبح مكاناً خطيراً، وبعد يومين من إجراء عملية البتر، عدت إلى خيمة قريبة من منزلي المدمر، وأنتظر الحصول على العلاج، كما أنتظر الحل من عند الله، فليس هناك مغيث غيره، وأنا لا أثق بالمجتمع الدولي، فهم إما مشاركون في جرائم الاحتلال بالدعم أو الصمت، أو يكتفون بالشجب والتنديد من دون فعل حقيقي".

المساهمون