مساعدات اليمن... بيئة معقدة وقيود تفاقم الأزمة

03 يونيو 2021
أطفال اليمن من بين أبرز المتضررين من الصراع (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الوضع في اليمن يبعث على القلق الدولي مع  مواجهة ملايين الأشخاص مجاعة غير مسبوقة تلوح في الأفق، وكما ساهمت أطراف النزاع في اندلاع الأزمة وإطالة أمد الحرب، فإنها تساهم في مفاقمة المعاناة الإنسانية من خلال فرض قيود واسعة على العمل الإنساني.

لم تفلح مساعدات المانحين، والتي تتجاوز المليار ونصف مليار دولار سنوياً، في كبح مجاعة تهدد ملايين اليمنيين، لأنها لا تصل إلى المتضررين من الصراع المتصاعد، بل إلى فئات موالية لأطرافه. تنبّه المجتمع الدولي إلى جوهر المشكلة بعد أن أصبحت المجاعة أمراً ملموساً أكثر من ذي قبل، وفي مطلع يونيو/ حزيران الجاري، كانت السويد تستضيف الاجتماع الثالث لكبار المسؤولين الإنسانيين حول الأزمة الإنسانية في اليمن، والذي خُصص لكيفية ضمان وصول المساعدات إلى اليمنيين "بسرعة وبفعالية".  
بعد تقارير أممية متكررة عن تزايد القيود المفروضة، أكد مجتمع العمل الإنساني في ختام اجتماعه تمسكه بمبادئ العمل الإنساني، ومعايير المساءلة الدولية في إيصال المساعدات الحيوية، إذ إن المنظمات الإنسانية في اليمن "تعمل تحت ظروف قاسية على الأرض".
وتعمل في اليمن أكثر من 250 منظمة محلية ودولية لتقديم المساعدات للمتضررين من النزاع، وبما أن غالبية مقار المنظمات الرئيسية تقع في العاصمة صنعاء، كانت جماعة الحوثي في صدارة منتهكي مبادئ العمل الإنساني خلال السنوات الماضية، وفقاً لتقارير أممية، إذ اعتمدت على "الآليات والأنظمة الإدارية القمعية لخلق واحدة من أكثر بيئات العمل تقييداً في العالم للعاملين في المجال الإنساني". 
وتقف محافظتا الحديدة وحجة الخاضعتان لنفوذ الحوثيين على رأس المدن التي تشهد انتهاكات للعمل الإنساني، وتليها تعز، التي يتنازعها عدد من الأطراف، بما فيها الحوثيون وقوات الحكومة المعترف بها دولياً.  
لدى الحوثيين معايير مختلفة عن باقي دول العالم في تحديد المساعدات التي يُسمح لها بدخول اليمن، وخلال شهر مايو/ أيار الماضي احتجزت سلطات الحوثي في ميناء الحديدة 786 حقيبة مدرسية تتبع منظمة "يونيسف"، وأرجعت السبب إلى أن تلك الحقائب تضم خريطة الكرة الأرضية، والتي تحدد موقع كافة دول العالم، ومنها إسرائيل، واعتبرت الجماعة أن تلك الشحنة التي كان من المفترض توزيعها على طلاب مدارس الحديدة تدخل ضمن "الأنشطة العدائية"، وتأتي ضمن مخطط يخدم أجندات "قوى الشر والاستكبار العالمي". كذلك احتجزت الجماعة في ذات الشهر عدداً من الحقائب المدرسية والقبعات الخاصة بطلاب المدارس لأنها تحمل شعار وكالة المعونة البريطانية. وفي وقت لاحق قالت سلطات الحوثيين إنها تلقت اعتذاراً من منظمة "يونيسف" على إدخال "مساعدات غير مسموح" بها إلى اليمن. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويرفض الحوثيون ممارسة منظمة "يونيسف" الأنشطة المتعلقة بالأمومة، ويمنعون وصولها إلى النساء، وخصوصاً في محافظات الشمال. في المقابل، يركّزون على المشاريع التي تجلب عوائد مالية، مثل مشروع الحوالات النقدية لمليون ونصف المليون متضرر من الحرب، وتسليم حوافز شهرية للمعلمين، والعاملين في القطاع الصحي. 
وقال عاملون في منظمات أممية ودولية في صنعاء لـ"العربي الجديد" إن تدخلات الحوثيين عادة استفزازية، وتشمل مواقف الغرض منها الهيمنة، مثل إملاء شروط حول الأمور الشخصية، ورفض منح تأشيرات لموظفين ينحدرون من دول معينة مثل أميركا وبريطانيا، وصولاً إلى منع عقد اللقاءات الخاصة عبر تقنية الفيديو بدون إذن مسبق، وكذلك تأخير اعتماد مشاريع، وحرف مسار المساعدات الإنسانية، ومراقبة هوية الأشخاص المستفيدين، والتدخل في تحديد القوائم بحيث يغلب عليهم الأشخاص الموالين لهم.  
وبعد ضغوط دولية واسعة، وصلت إلى حد التهديد بوقف توزيع المساعدات في مناطق الشمال اليمني الخاضعة للحوثيين، بدأت سلطات الجماعة، خلال العام الجاري، التراجع عن بعض التدخلات التعسفية، وقامت بالتوقيع على مشاريع الاتفاقيات المعلقة منذ العام الماضي، وفقاً لمصدر أممي.  
وتحاول المنظمات الأممية مهادنة سلطات الحوثيين من أجل ضمان الاستمرار في عملها، وغالباً ما تنشر وسائل الإعلام التابعة للجماعة تصريحات لممثلي منظمات إنسانية، يقولون فيها إنهم سيأخذون التوجيهات الصادرة من مسؤولين حوثيين، حتى لو كانت تعسفية، بعين الاعتبار.

المساعدات الأممية لا تكفي جميع اليمنيين (خالد زياد/فرانس برس)
المساعدات الأممية لا تكفي جميع اليمنيين (خالد زياد/ فرانس برس)

غادرت منسقة الشؤون الإنسانية السابقة في اليمن، ليز غراندي، منصبها في أواخر مارس/ آذار الماضي، ومؤخراً، قدمت شهادة أمام مجلس الشيوخ الأميركي بعد تولي منصبها الجديد كرئيسة لمعهد الولايات المتحدة للسلام، وكشفت فيها عن جانب من انتهاكات العمل الإنساني، إذ وصفت الحوثيين بأنهم "مفترسون، ويعملون من دون مساءلة عامة". كذلك اتهمت الجماعة بفرض مئات القيود على المساعدات الإنسانية، وتهديد العاملين في المجال الإنساني، والتنمر عليهم، وترهيبهم، واحتجازهم. 
ويشكل الوصول الإنساني بفاعلية وكفاءة الهاجس الأكبر لمنظمات الأمم المتحدة، باعتباره ركناً أساسياً لحماية الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدات، وخصوصاً في ظل ارتفاع عدد المحتاجين إلى 16 مليون شخص، مقارنة بـ5 ملايين محتاج قبل عامين.  
وتخشى المنظمات الأممية، وعلى رأسها برنامج الغذاء العالمي، أن تؤدي القيود المفروضة على العمل الإنساني إلى تفاقم الجوع، ويقول البرنامج إن اليمن "يعد من أكثر بيئات العمل تعقيداً في العالم"، إذ تقوض التحديات جهود الاستجابة الإنسانية، وتتعطل شاحنات الغذاء التابعة للبرنامج يومياً بسبب التأخير والبيروقراطية.
وشكا مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن هو الآخر من "القيود البيروقراطية"، والتي قال إنها تمثل أكثر العوائق شيوعاً أمام إيصال المساعدات، وخدمات الحماية الآمنة والمستدامة القائمة على المبادئ الأممية.  

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وكشف تقرير أممي حديث، حصل عليه "العربي الجديد" أنه تم الإبلاغ عن 4484 حادثة متعلقة بالوصول الإنساني، في 20 محافظة يمنية خلال عام 2020، بينما بلغت القيود المفروضة على تنقل الطواقم الإنسانية التي تم الإبلاغ عنها خلال الشهرين الأولين من العام الجاري 489 حادثة.  
ولا تقتصر عوائق العمل الإنساني في اليمن على المناطق الخاضعة لنفوذ جماعة الحوثيين، وحسب التقرير الأممي، فقد ظهرت تحديات متزايدة على ساحل البحر الأحمر، على شكل متطلبات إدارية جديدة، مثل "تبادل المعلومات الحساسة"، و"تصاريح النقل الشاملة"، و"ازدواجية البيانات"، وذلك من قبل سلطة محلية جديدة غير معترف بها، وتعمل بمعزل عن الحكومة اليمنية.  
وفرضت هذه السلطة قيوداً أدّت إلى تعطيل وصول المساعدات في الوقت المناسب، وإعاقة تنقل موظفي العمل الإنساني بصورة متزايدة، وصولاً إلى نقطة انقطاعها بشكل تام، وتحديداً من مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة، وحتى المخا التابعة لمحافظة تعز. 
وفي هذه الرقعة الجغرافية الخاضعة لسيطرة قوات تدعمها الإمارات، سجلت الأمم المتحدة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 33 حادثة انتهاك للعمل الإنساني، مما عرقل تقديم المساعدات الإنسانية لـ475 ألف نسمة على الأقل. 
وبعد ضغوط واسعة، قامت سلطات الساحل الغربي بتعليق الشروط البيروقراطية خلال شهر رمضان، وحتى نهاية مايو الماضي، لكن الأمم المتحدة تأمل في رفع القيود بشكل دائم، كما عبر عن ذلك منسق الشؤون الإنسانية السابق، مارك لوكوك.

يعيش ملايين اليمنيين على المساعدات الإنسانية (عيسى أحمد/فرانس برس)
يعيش ملايين اليمنيين على المساعدات الإنسانية (عيسى أحمد/ فرانس برس)

ورغم وجود أطراف منتهكة أخرى، إلا أن حقوقيين يمنيين يتهمون جماعة الحوثي باحتلال موقع الصدارة في التلاعب بمسألة المساعدات الإنسانية، والتضييق على المنظمات التي تعمل في هذا الجانب، سواء كانت محلية أو دولية، وذلك بفرض الكثير من القيود عبر ما يسمى بالمجلس الأعلى لتنسيق الشئون الإنسانية. 
وأرجع الناشط الحقوقي اليمني، رياض الدبعي، تزايد التدخلات الحوثية في العمل الإنساني إلى ما وصفه بـ"التراخي الأممي" الذي يشجّع سلطات الجماعة على مواصلة الصلف الحاصل، وحرف مسار المساعدات الإنسانية، وتوجيهها إلى فئات غير مستحقة.  
وقال الدبعي لـ"العربي الجديد": "الحوثيون فرّخوا العديد من المنظمات المحلية، وهذه المنظمات تتسلم كل الدعم الإنساني، وتقوم بحرف كثير من المساعدات إلى جبهات القتال، بدلاً من إيصالها إلى المستفيدين، كما كشفت عن ذلك تقارير دولية، ومع ذلك غضّت الأمم المتحدة الطرف، ولم تلتزم بالشفافية ومعايير المسائلة الدولية".  

المساهمون