لم تمضِ أيام على زفافها. كانت الحياة سهلاً أخضر أمام مدّ عينيها، ولكن قذيفة روسية أنهت حياة مريم بركات، في بلدة أحسم، في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، شمال غربي سورية.
لم تقتلها تلك القذيفة وحدها، بل قتلت معها زوجها وستة من أفراد عائلته جاؤوا ليباركوا للعروسين فرحتهما بعد طول انتظار. مريم التي كانت تعمل ممرضة في "مشفى إنقاذ روح" بمدينة "سلقين"، بريف إدلب، باتت حديث وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن نشر ناشطون صورة لكفّها حيث يبدو خاتم زواجها الذهبي المدمّى. في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، جرّب الروس قذائفهم الموجهة بالليزر على جسد مريم وزوجها وأقاربه، في مشهد يتكرّر منذ عدة سنوات.
مريم التي باتت اليوم "عروس جبل الزاوية" هي عنوان جديد لمأساة السوريين التي لا تنتهي. تختصر مريم بركات حكاية النساء السوريات اللواتي كنّ وما زلن الحلقة الأضعف في صراع بدأ في عام 2011 ولا تلوح في أفقه حلول. قتل النظام وحلفاؤه آلاف النساء السوريات، ولا يزال هناك عدة آلاف منهن مغيّبات في معتقلات النظام ومليشياته. دفعت المرأة السورية الثمن الموجع في المأساة، فهي إما قتيلة أو معتقلة أو مشردة ومهجّرة، أو أم فقدت أبناءها، أو زوجة قتيل أو أم معتقل تنتظره ولا يعود. لقد تكلّم كف مريم بركات. تكلّم حيث ربطت المأساة الألسن. تكلّم ليبيّن عجز العالم أو ادعاءه العجز عن وضع حد للقتلة. تكلّم كف القتيلة ليحذّر من كارثة ربما ستطاول نحو 4 ملايين مدني في الشمال الغربي من سورية يتوعدهم الروس كل يوم. جلّهم نازحون من مناطق سيطر عليها النظام بعد أن حوّلها الطيران الروسي إلى خراب.
نعى السوريون مريم على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بات الحزن قسيم حياتها، سواء في بلادهم أو في بلاد المهجر حيث تقتات الغربة من أرواحهم. هم مقتولون حيثما حلّوا؛ في بلادهم بقذائف الروس والإيرانيين، وفي بلاد الاغتراب بالحنين حيناً وبالعجز أغلب الأحيان.
الزميل عماد كركص رثى القتيلة بقصيدة باللهجة المحكية، قال فيها: يالعروس.. يالعروس.. إيدك تغطي الشمس..
مضاوية خمس شموس. يالعروس.. يالعروس.. المحبس يلي بنّصرك زعلان.. بعتم القبر محبوس. يالعروس.. يالعروس..
زغاريد عرسك لسا ما سكتت.. شويي فرح.. وشويي حزن.. وكتير تكوي نفوس.
أما صبري الهلالي فقد كتب على فيسبوك: " بعد أن انتظر عروسته لسنوات حتى تخرجت وجهز نفسه أتت قذيفة روسية لتبدل فرح العائلة لحزن، وتقتل العروس (مريم بركات) وتصيب العريس وتقتل ستة مع أهلهم جاءوا ليباركوا لهم في منزلهم الجديد.. عروس جبل الزاوية السورية.. قبل يومين زُفّت إلى زوجها بالثوب الأبيض، واليوم إلى ربّها بالثوب الأحمر".
وكتب محمد الشامي: "عروس جبل الزاوية.. يومان فقط بين زفافها في الدنيا وزفافها إلى الأخرة، تاركةً خلفها كل أحلامها التي تنتظرها منذ سنين".
ونعى أدهم الحلبي مريم: "عروس جبل الزاوية بعد زواجها بأيام قتلتها صواريخ دولة الاحتلال الروسي.. حسبي الله ونعم الوكيل".