ما زالت أزمة الكهرباء واحدة من الأزمات الكبرى التي يعانيها لبنان وتؤثّر سلباً على السكان وعلى كلّ القطاعات في البلد الذي يشهد حالياً أسوأ أزماته الاقتصادية. وتكثر ساعات انقطاع التيار، لتكون التغذية به أحياناً لمدّة ساعتَين فقط في 24 ساعة، أو قد تنعدم كلياً. وفي مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين الواقع في الضاحية الجنوبية لبيروت، قد يُزوَّد السكان بالكهرباء لمدّة ساعة واحدة في الأسبوع أحياناً، وهو الأمر الذي يجعلهم يعيشون معاناة كبيرة.
محمد سليم صالح، من سكان مخيم برج البراجنة وتعود أصوله إلى بلدة كويكات في فلسطين المحتلة، يقول لـ"العربي الجديد": "نحن نعاني منذ أكثر من ثلاثة أعوام من مشكلة انقطاع دائم في التيار الكهربائي، وكان من المفترض أن تؤمّن اللجان الشعبية محوّلاً كهربائياً. لكنّ الأمر لم يتمّ حتى اليوم، علماً أنّ ثمّة مشكلة في المحوّل الذي يوفّر الكهرباء للمخيم الآن، لذا فهي تصل إلى بيوتنا ضعيفة في حال توفّرها"، موضحاً أنّ السبب يعود إلى "تزايد عدد السكان في المخيم، وليس هناك من يسأل، لا أونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) ولا فصائل فلسطينية. كذلك فإنّ اللجان الشعبية تعزو عدم قدرتها على شراء محوّل إلى عدم توفّر المال الكافي لذلك. ويلفت صالح إلى أنّ "المعاناة ازدادت مع ارتفاع ساعات قطع التيار الكهربائي في المخيمات الفلسطينية كافة، بعد اشتداد أزمة الكهرباء في لبنان ككلّ".
يضيف صالح أنّ "الناس اليوم يدفعون كلّ ما يجنونه من مال لأصحاب مولّدات الكهرباء الخاصة، إذ إنّهم لا يستطيعون البقاء من دون كهرباء، خصوصاً في فصل الصيف"، مشيراً إلى أنّ "قيمة الاشتراكات في مثل هذه المولّدات مرتفعة جداً، وعلى الرغم من ذلك يرى الناس أنفسهم مضطرين إلى تأمين الكهرباء".
بالنسبة إلى صالح، فإنّ "أهالي المخيم يعايشون واقعاً اقتصادياً صعباً. فأنا كنت أعمل في مجال الألمنيوم في إحدى الشركات، لكنّها أغلقت أبوابها قبل خمسة أعوام، وخرجت من العمل بلا تعويض مادي. لذلك لا بدّ من أن يكون لنا وضع سياسي إنساني يتيح لنا العيش بكرامة".
من جهته، يعمل وليد حسين، وهو لبناني من بيروت، في محل لبيع الفول في مخيم برج البراجنة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أزمة الكهرباء مشكلة عامة في لبنان، ويتأثر بها سكان المخيم، لأنّ الكهرباء تؤثّر على المياه وعلى المحلات في المخيم التي تحتاج إلى تغذية دائمة بالكهرباء، تحديداً محلات اللحوم والدجاج والأفران ومحلات المواد الغذائية. ولم يعد يشغلنا إلا العمل من أجل تأمين الكهرباء. كلّ ما نتقاضاه من عملنا ندفعه لصاحب المولّد".
أمّا علي، من سكان المخيم ذاته الذي تعود أصوله إلى يافا في فسطين المحتلة، فيقول لـ"العربي الجديد": "منذ سنوات ونحن نعاني من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، لكنّ الأمر تفاقم أخيراً، ونحن لم نعد نحتمل ارتفاع أسعار الاشتراكات المرتبط بشكل مباشر بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة اللبنانية. وبتنا نأكل من جلدنا حتى نوفّر تكلفة اشتراك المولّد، لأنّنا لا نستطيع البقاء من دون كهرباء لمدّة طويلة قد تتجاوز أسبوعاً واحداً".
ويشدّد علي على أنّ "المطلوب اليوم هو تأمين حياة كريمة، ومن أبسط الأمور تأمين كهرباء"، قائلاً "أنا لم أعد قادراً على الاحتمال". ويشرح: "أعمل سائق سيارة أجرة، وعندي أولاد أريد إطعامهم وتأمين أدويتهم. فاثنان من أولادي يعانيان من إعاقة ويحتاجان إلى علاجات، فيما أسعار الأدوية ارتفعت بشكل جنوني. كذلك تحتاج زوجتي إلى أدوية، لا بدّ من تأمينها لها".
في سياق متصل، يقول موسى ديراوي، الذي يسكن في مخيم برج البراجنة وتعود أصوله إلى بلدة عمقا في فلسطين المحتلة، وهو صاحب ملحمة، إنّ "مشكلة الكهرباء هنا ليست مشكلة جديدة، فأنا أطرح هذا الموضوع منذ خمسة أعوام من دون أن يستجيب أحد لمطالبنا. لكنّ المشكلة تفاقمت أخيراً مع تفاقم الأزمة في كلّ لبنان". ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "المشكلة تفاقمت كذلك في المخيم بسبب ازدياد عدد سكانه وعدم قدرة المحوّل الموجود فيه على توفير التغذية للمخيّم ككلّ". ويشدّد ديراوي على أنّه "لا يمكننا الاستغناء عن الكهرباء. فأنا أعمل لحاماً ومن الضروري أن أوفّر التيار الكهربائي لملحمتي حتى لا تفسد اللحوم لديّ. لذلك لجأت إلى اشتراك في مولّد خاص، علماً أنّ ثمّة اشتراكاً آخر للبيت، بالتالي فإنّ كلّ مدخولنا يذهب لمولّد الكهرباء".