استمع إلى الملخص
- يشير الباحثون إلى أن التقاعد المتأخر سيؤدي إلى تحديات جديدة في رعاية الأطفال والمسنين، ويُقترح تحسين تدابير دعم الرعاية بإنشاء نظام شامل يجمع بين الرعاية الطبية والصحية.
- تعتمد رعاية المسنين في الصين على الدعم الذاتي، مما يستدعي تحسين هيكل مؤسسات الرعاية وتوسيع خدماتها، مع تشجيع مشاركة الشركات والقوى الاجتماعية لتخفيف الضغط على الأسر.
مع عزم السلطات الصينية على رفع سن التقاعد في مطلع العام المقبل إلى 63، تزداد المخاوف في المجتمع من تأثير هذا الأمر على الرعاية الأسرية.
وأظهرت تعليقات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قلق الشبان من واقع الحياة العملية المطولة والتقاعد الأقل متعة. وربما كانت أبرز حالات التهكم قول أحدهم: "عندما نسدد أخيراً أقساط الرهن العقاري يحين وقت الانتقال مباشرة إلى دار رعاية المسنين من دون قسط للراحة والمتعة الشخصية".
وأظهرت دراسة حديثة أجراها المركز الصيني للتحديث المجتمعي، في أغسطس/ آب الماضي، أن نصف النساء اللواتي استطلعت آراؤهن (تتجاوز أعمارهن 50 سنة)، يقضين نحو ربع وقتهن في المتوسط في رعاية أسرهن في النصف الثاني من حياتهن. وقالت نسبة 45% منهن إنهن يحتجن إلى رعاية أفراد الأسرة، الأب أو والد الزوج والأطفال بعد التقاعد، علماً أن متوسط وقت تقديم الرعاية اليومي يبلغ نحو خمس ساعات. وذكرت نسبة كبيرة منهن أن وقت تقديم الرعاية طويل للغاية، وأنهن يشعرن بتوتر شديد من احتمال رفع سن التقاعد العام المقبل.
وأوضحن أن مخاوفهن تنبع من نقص التخطيط والإعداد قبل التقاعد لمسائل عدة تتعلق بالتمويل، إذ تشعر نحو 75% منهن بقلق من عدم كفاية الاحتياطيات المالية، وتعتقد 54% منهن أن المعاش التقاعدي لا يكفي لسد احتياجات الرعاية الأسرية، ويأملن في الحصول على الميزات الاجتماعية لزيادة الدعم بعد التقاعد.
ويشخص الباحث الاجتماعي تيان شانغ الحالة الديموغرافية في الصين وتأثير رفع سن التقاعد على الرعاية الأسرية، بالقول لـ"العربي الجديد": "في الوقت الحالي يُشكل كبار السن في العديد من الأسر الصينية القوة الرئيسية في تربية الأطفال. وفي الوقت نفسه، يتعين على بعض الأمهات البقاء في المنازل بدوام كامل لأنهن يحتجن إلى رعاية أطفالهن، لكنهن لا يستطعن الحصول على مساعدة من كبار السن خصوصاً من هم بحاجة أصلاً إلى رعاية".
يضيف: "بعد تطبيق التقاعد المتأخر سنكون أمام معضلة تعرف باسم فرد صغير وآخر كبير، وهو مصطلح يُطلق على قوام أسر الطفل الواحد التي ترسّخت في ظل سياسات تحديد النسل الحكومية التي استمرت نحو أربعة عقود، وتعني طفلاً واحداً صغيراً، وجداً كبيراً"، ويلفت إلى "ضرورة مواصلة تحسين تدابير دعم حل هذه المشكلة من خلال إنشاء نظام لخدمة رعاية المسنين يلائم عمل المؤسسات المجتمعية والحكومية، ويجمع بين الرعاية الطبية والصحية، ويعمل بقوة على تطوير نظام شامل لخدمات رعاية الأطفال والمسنين في آن واحد".
ويشير إلى أن "رعاية المسنين في الصين تعتمد على الدعم الذاتي، أي أن نحو 90% من كبار السن يعتنون بأنفسهم في المنزل، ونحو 7% يعتمدون على الدعم المجتمعي لرعايتهم، و3% يعيشون في مؤسسات الرعاية. وبناء على ذلك يعتبر المجتمع مفتاح تعزيز الرعاية الأسرية في كل المستويات، لذا من الضروري تحسين الهيكل الوظيفي لمؤسسات رعاية المسنين وتوسيع خدمات الرعاية الشاملة، وتشجيع الشركات والقوى الاجتماعية الأخرى على المشاركة بنشاط في تخفيف الضغط على كبار السن في الأسرة، وتلبية الاحتياجات الخدماتية المتنوعة والمتعددة المستويات للمسنين والأطفال معاً".
ورداً على سؤال حول كيفية تقديم خدمات رعاية أسرية أفضل للمسنين والأطفال بعد التأخير التدريجي لسن التقاعد القانوني، يقول أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة شينزن لي شانغ، لـ"العربي الجديد": "لا شك في أن الرعاية الأسرية تعد جانباً مهماً لحل المخاوف المتعلقة بتأخر سن التقاعد، فمع تزايد الاتجاه العام نحو تقليص عدد أفراد الأسرة في المجتمع الصيني باعتباره نتيجة طبيعية لسياسة الطفل الواحد، تضعف قدرات الرعاية بين الأجيال، ويستمر الطلب على خدمات رعاية الأطفال وكذلك المسنين، ما يعزز أيضاً تطوير صناعة خدمات الرعاية في مجتمع يضم 1.4 مليار نسمة. وهناك ثلاثة اتجاهات مهمة، أولها بناء نظام خدمة شاملة للرعاية الأسرية تشمل المسنين والأطفال، والثانية توسيع وتحسين المعروض من خدمات الرعاية، والثالثة تشكيل لجان تدمج بين العمل المجتمعي على مستوى المنظمات والمؤسسات، والعمل المنزلي على مستوى الأفراد".
يضيف: "تطوير مؤسسات الرعاية المجتمعية للمسنين يمكن أن يسمح لكبار السن بأن يستمتعوا بخدمات رعاية عالية الجودة ومريحة يمكن الوصول إليها بسهولة، مثل المساعدة في تناول الوجبات والخدمات الطبية المساعدة والمشاركة الاجتماعية"، ويشير أيضاً إلى أن "تطوير صناعة رعاية المسنين والأطفال يتطلب المزيد من تحسين الجودة، لكنه يخلق في المقابل المزيد من فرص العمل، ويدفع بشكل مباشر نحو الاستهلاك ذي الصلة ويحفز قدراً كبيراً من الاستثمار، ويعزز تطوير الصناعات في هذا المجال، مثل إنشاء مقاصف المسنين ومدارس المسنين، وتوفير الرعاية المتوسطة والطويلة الأجل، والرعاية قصيرة الأجل، والرعاية المنزلية وغيرها من خدمات الرعاية المهنية".