مجازر مخيم جباليا| حكاية العريس فادي علي وفرحة لم تكتمل (13)

09 ديسمبر 2024
فادي علي العريس الشهيد (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مخيم جباليا في قطاع غزة شهد مئات المجازر منذ أكتوبر 2023، حيث تم محو العديد من الشهداء من السجل المدني، مما يعكس الجرائم المستمرة للجيش الإسرائيلي.
- فادي علي، لاعب كرة سلة بارع وقائد فريق المدرسة، عاش في جباليا وعمل كسائق أجرة بسبب قلة الفرص، وتزوج في أغسطس 2023 قبل أن يستشهد مع زوجته وعائلته في قصف إسرائيلي.
- عائلة فادي فقدت ثلاثة أبناء في القصف، بينما نجا الأب والأم وشقيقتان، وشقيقه حسن يعبر عن حزنه لفقدان عائلته.

لا أعلم إلى أين سيأخذني قلمي في رصد وتوثيق مئات المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهالي مخيم جباليا شمالي غزة، وسط جرائم الإبادة المستمرة على القطاع منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن كلّ ما أعرفه أنني خذلت نفسي ودماء شهداء الحيّ الذي أسكنه، حين انتظرت كل هذه المدة للبدء في الكتابة عنهم. ولأنه لا وقت للتبريرات، فإنّ هذه الشهادات بمثابة بوابة على مئات القصص عن شهداء في مخيم جباليا مُسحوا من السجلّ المدني، في الوقت الذي تستمر فيه آلة الحرب بحصد المزيد من أرواح الأبرياء.


في المرحلة الإعدادية، شاركت مع منتخب المدرسة لكرة السلة. كان قائد الفريق يدعى فادي علي، ببنية جسمانية قوية جدا، كان رجل التسديدات الثلاثية.. بسهولة تامة أحرزنا كأس البطولة على مستوى محافظة شمال غزة. تبين لي لاحقا أن فادي هو شقيق فداء لاعبة كرة الطائرة التي سبق أن مُني فريقنا بهزيمة أمام فريقها في مباريات ودية في المرحلة الابتدائية. كانت تشغل مركز الضارب، وبارعة جدا في اللعب وقيادة الفريق. وبجانب أنهما كانا بارعان في الرياضة الجماعية، فإنهما تميزا دراسيا، فصديقي وزميلي فادي درس معي في المرحلة الثانوية بمدرسة أبو عبيدة غرب مخيم جباليا، كان متفوقا في مادة الرياضيات، حتى أنه أنهى دراسته الجامعية في هذا التخصص.

فادي وعائلته المكونة من ثمانية أفراد يقطنون في بلوك "6" المعروف بحي السنايدة، الواقع في قلب مخيم جباليا، في منزل مغطى بالصفيح، والده عاطل من العمل، وفادي كحال أبناء جيلنا، حاول مرارا وتكرارا البحث عن وظيفة تليق بشهادته الجامعية، ولانعدام الفرص؛ اضطر للعمل سائق أجرة، يتشارك العمل مع شقيقه الأصغر محمد (30 عاما) والذي أنهى أيضا دراسة العلوم السياسية من جامعة الأزهر.

بكثير من الصبر والجهد، جهّز فادي شقة صغيرة، تمهيدا لمشروع زواجه، وفي نهاية أغسطس/آب عام 2023، أي قبل الإبادة المستمرة على قطاع غزة بنحو شهرين تقريبا، تزوج الشاب (33 عاما) من عروسته آية عبد الجواد (27 عاما)، وأقام حفلا شارك فيه نساء الحي ورجاله وأطفاله.

فرحة لم تدم طويلا. ففي عصر يوم 31 أكتوبر 2023، تبخر فادي مع زوجته وجزء من عائلته واحترق ألبوم صور حفل الزفاف، حين ألقى الجيش الإسرائيلي قنابل، أقل واحدة يصل وزنها طناً على الحي الذي يسكن فيه وعشرات العوائل، وقدّر عدد الشهداء بـ600 شهيد.

الشقيقان الشهيدان فادي ومحمد علي (العربي الجديد)
الشقيقان الشهيدان فادي ومحمد علي (العربي الجديد)

لم يهنأ فادي بعروسته ولا بحلم إنجاب أطفال من صلبه، وارتقى رفقة عدد من عائلته هم: عروسته آية (27 عاما)، وشقيقه محمد (30 عاما)، وشقيقته الممرضة ملاك (31 عاما)، فيما نجى بأعجوبة الأب خضير (60 عاما) والأم سناء (55 عاما)، والشقيقتان فداء ولولو.

الشهيدة ملاك علي (العربي الجديد)
الشهيدة ملاك علي (العربي الجديد)

لدى فادي شقيقان يدرسان بالخارج، أحدهما يدرس الطب البشري، ويدعى نسيم (25 عاما)، وهو أصغرهم، فيما حسن (29 عاما)، يكمل دراسة الأدب الإنكليزي في إحدى أوروبا.

بالحديث مع حسن شقيق الشهداء الثلاثة قال: "كنت أحاول الرجوع إلى غزة للمشاركة في حفل زفاف فادي، ولكن لظروف متعلقة بالدراسة لم أتمكن، اكتفيت بمشاركتهم فرحتنا الأولى من خلال إرسالهم الصور، وها أنا أيضا أشارك الحزن مع من تبقى من عائلتي في منزل تحول إلى حفرة".

حكاية العريس فادي، من بين عشرات قصص الفقد في مخيم جباليا، إذ كان شابا عصاميا رياضيا، لم يستسلم لظروف الحصار الإسرائيلي، كرّس كل طاقته لأسرته وساندها معنويا وماديا، حتى أن أصدقاءه كانوا يصفونه بالملهم نظرا لطاقته الإيجابية العالية.

المساهمون