مبادرات أهلية... الزلزال يزيد التعاضد بين الأتراك والسوريين

10 فبراير 2023
مواطنون يقدمون مساعدات غذائية في كهرمان مرعش (علي أوجكان/ الأناضول)
+ الخط -

أزال الزلزال المدمر، الذي ضرب تركيا وسورية الإثنين الماضي، العبارات العنصرية التي تعالت في تركيا خلال الأشهر الأخيرة ضد السوريين، وجدد التعاضد بين "المهاجرين والأنصار" في مهمات انتشال العالقين تحت الأنقاض قبل أن يختنقوا تحت ركام الأبنية، أو يقتلهم البرد في ظل تدني درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
وعلى الأرض زادت المبادرات الفردية أو تلك للمؤسسات الصغيرة لمحاولة تأمين بعض مستلزمات بقاء ناجين فقدوا منازلهم على قيد الحياة، من طعام وألبسة وأغطية، وأطلق سوريون وأتراك مبادرات لمساعدة الناجين من دون معرفة وجهتها.
ومع اتساع المساحة الجغرافية للزلزال المدمّر الذي شمل عشر ولايات تركية ومناطق في شمال ووسط وغرب سورية، أطلق نشطاء سوريون وأتراك في مجموعة بيت الإعلاميين العرب منصة "سلامتك تركيا وسورية" للإفادة من التقنيات وشبكة الاتصالات لمعرفة التطورات في مناطق الزلزال، ومتابعة أوضاع المنكوبين، تمهيداً لتوجيه المساعدات الإنسانية أو المراسلين الإعلاميين من أجل تسليط الضوء على مناطق قد تكون بعيدة، أو لا تحظى باهتمام دولي.
يقول الإعلامي السوري فراس ديبة لـ"العربي الجديد": "جرى تعميم مبادرة المنصة على الإعلاميين والمهتمين بالشأن الإنساني من أجل نقل نشطاء ومتعاونين موجودين في المناطق المنكوبة معلومات عن حجم المعاناة والعوز والمآسي، ما يجعل المنصة بمثابة ضوء تنبيه مبكر، ووسيلة لتوجيه المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجها، أو حتى لنقل أحوال هذه المناطق إلى معنيين بإجراءات الإنقاذ، أكانوا جهات خاصة أو رسمية. ونشرت عناوين المنصة على موقع بيت الإعلاميين العرب في تركيا، وتضم أخوة أتراك كثيرين".
يضيف: "ستركز المنصة حالياً على البحث عن المفقودين، ونشر معلومات عن أوضاع السوريين في مناطق الزلزال".
وتكشف مصادر أخرى في مجموعة بيت الإعلاميين العرب لـ"العربي الجديد" أن "منصة سلامتك تركيا وسورية تستهدف إلى جانب نشر معلومات عن أساليب الوصول إلى الناجين وعرض أحوالهم واحتياجاتهم، معرفة أوضاع السوريين في مناطق الزلزال بتركيا، ومحاولة إحصاء المفقودين. وقد بدأت تصل إلينا مئات من الرسائل عن أسر لم يعرف مصيرها حتى اليوم، خاصة في ولايتي كهرمان مرعش وأنطاكيا، وبدأنا في تعميم معلومات بعد التأكد منها، ونشر صور لبعض الناجين أو لأشخاص فارقوا الحياة للأسف بعد انتشال جثثهم من تحت الركام".

الصورة
جمع ألبسة لمنكوبي الزلزال في إسطنبول (أوزتورك أوزغونكشو/ الأناضول)
جمع ألبسة لمنكوبي الزلزال في إسطنبول (أوزتورك أوزغونكشو/ الأناضول)

وفي سورية، أبدى مدرب كرة القدم عبد الوكيل بيرقدار، خلال بث حيّ على موقع "فيسبوك"،  استعداده لاستقبال أي متضرر من الزلزال في منازل بقرية تير معلة بريف حمص، وتوفير بعض احتياجاتهم. كما أعلن الناشط السوري عروة عيسى فتح مستودعات يملكها على طريق بين بلدتي الدانا وسرمدا المحاذيتين للحدود مع تركيا لاستقبال أي متضرر من الزلزال، موضحاً أنها مجهّزة بتدفئة.
وتتالت العروض التي قدمها سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي لتأمين مساكن ومعدات لأي متضرر، بصرف النظر عن كونه موالياً للنظام أو معارضاً. ونشر المهندس ماهر حميد على "فيسبوك" عناوين وأرقام هواتف لأماكن إيواء، ومؤسسات مستعدة لتقديم معدات للمساعدة في انتشال العالقين تحت الأنقاض، وأخرى لتوفير أغطية وأدوية.
ونشرت الإعلامية مزن مرشد والناشطة مفيدة عنكير وغيرهما أرقام هواتف في جميع المحافظات السورية كي يتصل بها أي محتاج لسكن أو طعام. أما الناشط عمار الشيخ حيدر فعرض تقديم مساعدات لمناطق شمال غربي سورية التي لم تلقَ اهتماماً دولياً.
ويقول الناشط محمود عبد الرحمن من منطقة الدانا لـ"العربي الجديد": "عرض عشرات من أصحاب المنازل والصالات استقبال متضررين، وإدلب اليوم مظلومة ولم تستقبل مساعدات خارجية، خاصة معدات ثقيلة لرفع الأنقاض".
ويعلّق عبد الرحمن على مبادرة "جسد واحد"، التي أطلقها نشطاء في شمال سورية، بأنها "تحاول إنقاذ العالقين أولاً، لكن العاملين فيها يعانون من نقص كبير في المعدات، وكل دقيقة تمر الآن تزيد تلاشي الأمل بإخراج أحياء".
إلى ذلك، تزداد المبادرات الفردية من أتراك وسوريين لمحاولة تضميد بعض جروح المنكوبين وتقديم ما يمكن، وأسس رجل الأعمال نور نديم الأتاسي، بالتعاون مع أصحاب مطاعم في إسطنبول ورجال أعمال ومتبرعين، مطبخاً متنقلاً يستهدف السوريين والأتراك المعوزين في إقليم هاتاي (جنوب).

ويشير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المساعدات التي يساهم فيها كثير من السوريين تستهدف كل محتاج سوري أو تركي، وتشمل أيضاً ألبسة وأغطية، لكن الهدف الأساس هو تقديم طعام طازج في المناطق المتضررة. والمتعاونون في المبادرة مستعدون لتزويد المركز بكل الاحتياجات، سواء مواد أولية للطعام والطبخ أو ألبسة وأغطية وحتى أدوية".
إلى ذلك، يقول بولانت كان الذي يعمل سائقاً في حي بيلك دورز بمدينة إسطنبول، لـ"العربي الجديد"، إن السائقين أعلنوا تقديم عائدات النقل لمساعدة المناطق المنكوبة، مشيراً إلى أن "باب تبرع الركاب مفتوح، ووضعنا لافتات في السيارات تفيد بأن العائدات ستذهب إلى متضررين".
وفي حي درامان بإسطنبول، تقول عائشة بوستان لـ"العربي الجديد": "باشر سكان مبادرة فردية غير مرتبطة بالبلدية تشمل جمع تبرعات ألبسة وأغطية وطعام وحليب للأطفال لإرسالها إلى مناطق الجنوب، فنحن الآن أخوة، وأقل ما يمكن أن نساهم به هو إطعام من يحتاج".
ويتحدث الأكاديمي السوري عبادة تامر من ولاية كيليس (جنوب) لـ"العربي الجديد" عما يصفه بـ"أعمال رائعة"، بينها لمالك صالة "بياظ كوشك" التي حوّلها إلى مركز إيواء استقبل هاربين من الهزات الارتدادية التي ما زالت تضرب المنطقة.
ويشير إلى فتح العديد من الأتراك صالات أفراح ومقار مؤسسات إلى مراكز إيواء تقدم الطعام والدفء.
وفي غازي عنتاب، يخبر عمر حسين "العربي الجديد" بأن مساجد تحوّلت إلى مراكز إيواء يضم أحدها حالياً نحو 2000 متضرر سوري وتركي، يجرى تقديم طعام وتدفئة لهم، كما يجلب فاعلو خير أطباء بشكل مستمر لمساعدة الأطفال وكبار السن وتقديم العلاج.

الصورة
يشاركون في نقل مساعدات مياه في إزمير (ياسين أغكول/ فرانس برس)
يشاركون في نقل مساعدات في إزمير (ياسين أغكول/ فرانس برس)

ويقول الناشط السوري محمد عنتابلي لـ"العربي الجديد" إن "الجمعية الطبية السورية البريطانية تركز نشاطها على تأمين أطراف صناعية ومساعدات لمبتوري الأطراف وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وجمع تبرعات لسكان شمال غربي سورية، كما أنشأت بالتعاون مع منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) نقطة طبية متنقلة".
يضيف: "لم تلقّ مناطق شمال غربي سورية اهتماماً دولياً، وجرى ربط هذا التصرف بذرائع غير مقبولة، بينها إغلاق طرق ومعابر، علماً أن تلبية احتياجات الظروف الإنسانية المرعبة أهم وذات أولوية على السياسة وأي اعتبارات غير إنسانية لا تجعل حياة الناس في الصدارة".
وفي مناطق سيطرة النظام السوري، تأخذ المبادرات أشكالاً مؤسساتية بحسب ما تقول عبير إبراهيم من ريف حمص لـ"العربي الجديد"، موضحة أن "أهل الخير فتحوا منازل وصالات لطلاب مقطوعين عن مناطقهم ومتضررين من الزلزال، كما قدموا ألبسة وطعام. ورغم ضيق العيش في سورية، إلا أن الزلزال كشف معدن الناس الطيب". تضيف: "تكفلت شركات بإجراء عمليات جراحية لمصابي الزلزال، وقدم بعضها مساعدات لمئات العائلات المتضررة، خصوصاً الطعام".
أيضاً، ينفذ فريق "ملهم" التطوعي حملة استجابة طارئة لتأمين المأوى وتوفير الاحتياجات العاجلة للمتضررين من الزلزال في شمال غرب سورية، في حين تجمع فرق "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء) تبرعات لتغطية احتياجات فرق البحث والإنقاذ ضمن حملة "ادعموا أبطال سورية".
وأيضاً تشمل الحملات منظمة "غراس النهضة" ومنظمة "أسرة" ومجموعة "هذي حياتي" التطوعية ومنظمات إغاثة أخرى. وفي مناطق سيطرة النظام، تنشط حملات منظمة "غراس التنموية" و"مشروع أحمد الإنساني" وجمعية "حفظ النعمة"، واتحاد الجمعيات الخيرية في دمشق لجمع التبرعات وتلبية الاحتياجات الأساسية للمتضررين.
من جهته، يتحدث المحلل التركي باكير أتاكجان لـ"العربي الجديد" عن "إنشاء البلديات الكبرى في كل الولايات مراكز للتبرع ونقل المساعدات إلى المناطق المنكوبة. وفتحت بلدية إسطنبول الكبرى والبلديات في كل حي مراكز للتبرع بألبسة وأطعمة وأغذية للأطفال تمهيداً لنقلها إلى مناطق جنوبي تركيا، علماً أن الاحتياجات المتزايدة تفوق قدرة أي دولة".

يضيف: "أعادت المصيبة الرشد إلى الجميع، إذ بتنا لا نسمع اليوم عن معارضة وحزب حاكم وبيانات مؤسفة واتهامات متبادلة، كما ألغت مآسي الزلزال التي طاولت الجميع مقولات لاجئ وسوري التي كان يرددها كثيرون ضمن حملات التأليب التي تسبق الانتخابات. السوريون إخوتنا ويساهمون في تخفيف المصاب".
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي عبد الناصر الجاسم لـ"العربي الجديد" إن "المبادرات الفردية وحتى شبه المؤسساتية خففت أحمال الدولة التي واجهت تأخر المساعدات الدولية والنتائج الكارثية للزلزال على الصعيد الإنساني والخسائر والأضرار. وقد تلاشت الأحقاد التي كان السياسيون يغذونها قبل الكارثة، سواء داخل تركيا أو داخل سورية".
وحول ضرورة تنظيم آليات التبرعات والمساعدات، يلفت الجاسم إلى "ضرورة إنشاء شبكة معلومات لتنظيم المهام وتوزيعها استناداً إلى دراسة المناطق الأكثر احتياجاً، لكننا لاحظنا أيضاً أن المروءة والأعمال الفردية السريعة أكثر جدوى في الأزمات".

المساهمون