مارتن تاولو... مصور اللاجئين السوريين الدنماركي

01 ديسمبر 2020
مستمر في مناصرة قضايا اللاجئين (العربي الجديد)
+ الخط -

في معرض صور فوتوغرافية أُقيم في الهواء الطلق في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، حيث الأغنياء، أمسكت طفلة دنماركية اصطحبها أهلها معهم إلى المعرض صورة فتاة سورية لاجئة، وقد بدا المشهد مؤثراً بعض الشيء. ويبدو أن المصور الصحافي مارتن تاولو أراد ذلك، هو الذي عرض صوراً لأشخاص من ضحايا الحرب والتعذيب في سورية، ضمن مقاربة "قائمة على الاحترام والإنسانية"، رافضاً التعامل مع أبطال صوره وغيرهم من اللاجئين كأرقام، كما يقول لـ "العربي الجديد". 
مُدّد معرض مارتن، الذي نُظّم بالتعاون مع وزارة الخارجية والمجلس الدنماركي للاجئين، شهراً إضافياً، أي حتى ديسمبر/كانون الأول الجاري. ويمكن للزوار المهتمين الاطلاع على صور، هي عبارة عن بورتريهات، للاجئين سوريين في لبنان والأردن وتركيا. يقول إنّ اختيار كوبنهاغن لإقامة المعرض لم يكن صدفة، إذ يقصد الأثرياء المكان حيث أقيم المعرض، وقد أراد أن يحدث صدمة، حين يلتقي هؤلاء بأشخاص مهمشين ذاقوا ويلات الحرب وتعرضوا للتعذيب.  
هو ابن عائلة غنية تعيش في منطقة فيلوم، حيث يقطن الأثرياء. والدته راقصة باليه ومعلمة ووالده مهندس إلكترونيات ورجل أعمال يجوب العالم وينتمي سياسياً إلى يمين الوسط. لكن مارتن أراد طريقاً مختلفاً. "قضايا العدالة والظلم وغيرها كانت تؤرقني". درس الرسم في كلية الفنون وانتقل للعيش في بورنهولم (جزيرة دنماركية تقع في بحر البلطيق)، حيث كان يؤسس شركته الخاصة، ثم تزوج ورزق بثلاثة أطفال.
خلال عام 2014، انقلبت حياته رأساً على عقب من جراء أزمة اللاجئين. أراد أن يكون قريباً من الأشخاص الأكثر تهميشاً،  فتوجه إلى معسكر اللاجئين السوريين في الجزيرة للاطلاع على قصصهم، والتقط صوراً شخصية لهم، "طبعتها وأهديتهم إياها". إلا أن قصّة الطفلة السورية روشين غيّرت حياته. "كانت مع والدتها وشقيقها في الجزيرة، فيما كان السياسيون في بلدي يريدون فصلها عنهما وإعادتها إلى بلغاريا بحسب اتفاقية دبلن" التي تنظم تعاطي الدول الأوروبية مع اللاجئين. قصة روشين دفعت مارتن للتوجه إلى الدول المجاورة لسورية. "ليس من المعقول أن أصمت على كيفية تصوير أولئك الباحثين عن فرصة للنجاة مع أطفالهم، باعتبارهم مشكلة لأوروبا". 

الصورة
مارتن تاولو 2 (العربي الجديد)
مجموعة من زوار المعرض (العربي الجديد)

يضيف مارتن: "أردت أن أكون صوت الضحايا الذين دمّر الرئيس السوري بشار الأسد حياتهم وهجّرهم ونكل بهم. بداية، قدمت هؤلاء الضحايا في الفيلم الوثائقي الأول الذي أعددته. ثم توجهت إلى لبنان وتركيا والأردن وقابلت أشخاصاً تعرضوا للتعذيب أو إلى إصابات أدت إلى بتر أطرافهم، وآخرين خسروا أفراداً من عائلاتهم. أردت تغيير الصورة النمطية المتعلقة باللاجئين". لتحقيق ذلك، اطلع على الصور الصحافية التي نقلت أزمة اللاجئين بين عامي 2000 و2010 ، قائلاً: "وكأن هناك عرفاً غير مكتوب يتعلق بالتقاط صور اللاجئين بطريقة معينة، منها صور لأطفال مشعثي الشعر يقفون خلف سياج المعسكرات، أو وجوه فحسب. لكنني أردت تسليط الضوء على قصص هؤلاء بطريقة أخرى، ومن دون التركيز على الخلفية". يضيف أن الصور الموجودة في المعرض شكلت صدمة للأغنياء، كونها تبيّن جراح هؤلاء الذين عُذبوا أو أصيبوا بقصف طائرات الأسد". ويقول إنه يصعب أحياناً التعامل مع اللاجئين انطلاقاً من مبدأ المساواة، وغالباً ما يكون هناك نظرة فوقية وأحكام مسبقة". لذلك، كتب قصة كل شخص صَوّره إلى جانب صورته.  

الصورة
مارتن تاولو 3 (العربي الجديد)
إحدى صوره (العربي الجديد)

أنشأ مارتن، بعدما كرّس اهتمامه بقضايا اللاجئين، موقعاً إلكترونياً باللغة الإنكليزية، يُسلّط من خلاله الضوء على قضايا مثل "التعذيب وضحايا الحرب وزواج القاصرات"، ساعياً إلى مخاطبة السياسيين الأوروبيين والرأي العام. في هذا الإطار، كان لا بد له من العمل في السياسة، فانتخب عضواً في المجلس البلدي عام 2015. "بعد 20 دقيقة من إعلان النتيجة، دعتني رئيسة البلدية لمناقشة قضية روشين، التي كانت ترفض سابقاً التدخل فيها. وبعد تعليق قرار الترحيل، شعرت بدافع أكبر للمتابعة والحد من انحدار الخطاب السياسي والإعلامي المتعلق باللاجئين في البلاد". 

في السياق نفسه، واجه وزيرة الهجرة السابقة إنغا ستويبرغ، التي اتخذت موقفاً متشدداً حيال لاجئي سورية، وخصوصاً حين تحدثت عن إعادة لاجئي دمشق وريفها. رداً على موقفها هذا، سافر إلى إلى دول الجوار السوري، وسلط الضوء على الواقع في دمشق وريفها، وسجون النظام السوري، وخصوصاً سجن المزة من خلال شهادات وصور لأشخاص تعرضوا للتعذيب، ليقدمها أمام الرأي العام وبالتالي دحض ما يقال عن كونها آمنة لعودة اللاجئين. 

الصورة
مارتن تاولو 4 (العربي الجديد)
خلال تصويره مجموعة من الأطفال اللاجئين (العربي الجديد)

مؤخّراً، سلّط الضوء، من خلال عدسته، على قضّية يصفها بـ "المخزية" بالنسبة إليه كدنماركي، تتعلّق بتزويد شركتين محليتين طائرات الأسد الحربية بالوقود ليقصف بها المدنيين، في إشارة إلى شركة "دان بونكرينغ" والشركة الأم "بونكر هولدينغ"، التي تنقل الوقود للطائرات الحربية من روسيا إلى نظام الأسد، من خلال عمليات تفريغ في البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت الحالي، تحاكم الشركتان لخرق العقوبات الأوروبية على سورية. ما حصل دفعه إلى تصوير السوريين الذين أصيبوا نتيجة قصف الطائرات في الشمال السوري. وخلال الأسبوع الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قدم مارتن هدية إلى "دان بونكرينغ" تتضمّن صوراً لأربعة أشخاص من ضحايا القصف، أصيبوا وفقد بعضهم أطرافه. 
يقول: "بالنسبة إلي، فإن لعدسة المصور دوراً أساسياً في إبراز القضايا الإنسانية، وقد لمست التغيير الذي قد تحدثه على الصعيدين السياسي والشعبي، وخصوصاً إذا ما ابتعد المصورون عن النمطية. وفي وقت يسعى إلى تغيير سياسة بلاده، يعترف بأنه يصعب على المصور أن يكون حيادياً لدى نقله الواقع. فخلف الصور قصص لم يتمكن أصحابها من روايتها. لذلك، أعتبر نفسي صوتهم وناقل معاناتهم وليس أعدادهم وجنسياتهم فحسب". 

الصورة
مارتن تاولو 5 (العربي الجديد)
من معرضه (العربي الجديد)

تبقى الإشارة إلى أن مارتن، وأثناء سعيه إلى عدم ترحيل الفتاة السورية روشين إلى بلغاريا، قابل لاجئة أخرى تدعى روان، كانت تعمل مترجمة لدى الصليب الأحمر الدنماركي، ليقع في حبها ويتزوجان بعدما كان قد انفصل عن زوجته الأولى. اليوم، بات قادراً على لفظ بعض الكلمات العربية، منها "إن شاء الله". يضيف: "عملي لم يغير مسار حياتي المهنية فقط، بل الأسرية أيضاً، بعدما تعرفت إلى حب حياتي".  

المساهمون