توسّعت دائرة القبائل الليبية المطالبة بسرعة الإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المغيبّين في السجون السرية، وذلك في ظل اهتمام أممي وآخر حكومي بدأ يظهر. فأيّ مصير ينتظر السجناء والمغيّبين في ليبيا؟ وكانت قبائل عدّة في وسط وجنوب البلاد قد طالبت في بيان مشترك أصدرته الأسبوع الماضي، السلطات القضائية بالإفراج عن المعتقلين منذ سنوات في السجون الرسمية التي تشرف عليها السلطة، وكذلك أماكن الاحتجاز السرية الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة. وهذه ليست أولى الدعوات، فقد سبقتها بيانات من قبائل الشرق الليبي عبّرت فيها عن المطالب ذاتها.
وانتقدت قبائل وسط وجنوب ليبيا في بيانها استمرار اعتقال أبنائها على يد "الذين يدّعون الإنسانية والوطنية"، داعية إلى "قيام دولة القانون والمؤسسات والوحدة الوطنية". وأشارت إلى أنّ عدم التفات حكومة الوحدة الوطنية الجديدة إلى قضيتها الإنسانية "يقتل الأمل ببناء الدولة والمصالحة والتحام النسيج الاجتماعي والسلام".
ويقول الناشط الحقوقي خميس الرابطي لـ"العربي الجديد" إنّ "البلاد شهدت في السنوات الماضية عشرات عمليات الاعتقال التعسفي والخطف التي طاولت شرائح سياسية وقضائية وإعلاميين وناشطين حقوقيين، على الرغم من التنديد الدولي والأممي. وكانت تقارير أممية سابقة قد كشفت عن أكثر من ثمانية آلاف سجين في نحو ثلاثين سجناً رسمياً خاضعاً لسلطة الحكومتَين السابقتَين وموزعاً في كل أنحاء البلاد، مشيرة إلى أنّ أكثر من ثلثَي هؤلاء المحتجزين رهن المحاكمة من دون أن يصار إلى الفصل في قضاياهم". بالنسبة إليه فإنّ المجلس الرئاسي مطالب بـ"ضرورة الإفراج عن جميع المحتجزين قسراً ومتابعة الأوضاع الإنسانية في السجون، وتقديم توضيح شامل حول ملف السجناء والمحتجزين". ويؤكد الرابطي أنّ "هذا التحرك الرسمي جاء بسبب الضغط القبلي المتتالي من أجل فتح هذا الملف، على الرغم من كونه من أكثر الملفات صعوبة".
ويؤكد الرابطي أنّ "الظهير القبلي وتشجّعه على إعلاء مطالبه في هذا الشأن، دفع حقوقيين كثيرين إلى الظهور على شاشات القنوات الفضائية للتحدث عن السجون السرية والاعتقالات والقتل خارج القانون"، لافتاً إلى أنّ "تناول هذه القضية كان يعني حتى مطلع العام الجاري مواجهة الموت أو الإخفاء، لكنّها باتت مع تغيّر الوضع السياسي قضية رأي عام".
من جهته، يرى الشيخ فرج الفيتوري وهو من الزعماء القبليين، أنّ "توالي بيانات القبائل المطالبة بفتح التحقيق في السجون السرية والمعتقلات شكل ضغطاً على الجهات الرسمية، ووضعها في موقف حرج أمام الرأي العام الدولي". ويتحدث الفيتوري لـ"العربي الجديد" عن "خطوات قريبة بشأن التنسيق للقاء قبلي موسّع يجمع ممثلي عدد من القبائل لتوحيد المواقف ومخاطبة المنظمات الدولية كمجلس الأمن، بهدف دفع الأطراف الليبية إلى القبول بفتح هذا الملف أمام الجهات العدلية".
وقد أفاد تقرير أخير لمنظمة العفو الدولية بأنّ المحاكم العسكرية أدانت مئات المدنيين في شرق ليبيا في خلال محاكمات عسكرية سريّة بالغة الجور، إذ حُكم على 22 منهم على أقل تقدير بالإعدام، وزُجّ مئات آخرون في السجون بين عامَي 2018 و2021، وتعرّض متهمون كثر إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحبس الاحتياطي. ونقل التقرير عن ديانا الطحاوي، وهي مسؤولة في المنظمة، قولها إنّ "المحاكمات العسكرية للمدنيين تضرب عرض الحائط بالمعايير الدولية والإقليمية، وهي جائرة بطبيعتها. وفي شرق ليبيا، تجري هذه المحاكمات سراً وأحياناً في غياب المحامين والمتهمين". وأكدت أنّ هذا الشكل من المحاكمات يقوّض أيّ مظهر من مظاهر العدالة.
وفي حين يطالب تقرير المنظمة الأممية حكومة الوحدة الوطنية بوضع حدّ للمحاكمات العسكرية الخاصة بالمدنيين، يؤكد الرابطي أنّ "مطلب توقف المحاكمات العسكرية لن يحلّ الأزمة"، موضحاً أنّ "تأكيد التقرير الأممي أنّ تلك المحاكمات جرت بمعظمها بشكل سري يعني إمكانية إفلات من قام عليها من العقاب، كذلك فإنّه يصعب التوصّل إلى حقيقة مصير المدانيين في تلك المحاكم". يضيف الرابطي أنّ "مليشيات مسلحة في طرابلس ألقت القبض على نحو عشرين مدنياً في أثناء مشاركتهم في احتجاجات شعبية ضد الفساد في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيَين. وبقي مصيرهم مجهولاً طيلة الأشهر الماضية، لكنّ تلك المليشيات أطلقت سراح معظمهم مع بدء بروز ملف السجون السرية أخيراً". ويرى الرابطي أنّ "الحراك الشعبي الممثل في البيانات القبلية شكّل عاملاً ضاغطاً على الأطراف المسلحة، خصوصاً بعد هدوء الحرب"، مرجّحاً أنّ "إثارة القضية أكثر سوف تشكّل عاملاً مساعداً للسلطات في المضي قدماً في التحقيق فيها".