ليبيا: حقوق مصابي "بنت بيه" ضحية الصراع

14 اغسطس 2022
محاولات إنقاذ مصابي انفجار ليبيا (عبد المنعم الجهمي/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش أم حسام على أمل استفاقة ابنها الذي دخل في غيبوبة كاملة منذ اليوم الثاني لتعرضه لإصابة خلفت جروحاً عميقة في أنحاء جسده، في حادث انفجار صهريج الوقود بمنطقة "بنت بيه" جنوبي ليبيا، والذي وقع في الأول من شهر أغسطس/ آب الجاري. على الرغم من إفادة الطبيب بأن جسد ابنها البالغ 17 سنة، تعرض للتسمم كون الحريق ناتجا عن اشتعال بنزين يحتوي على مواد كيماوية، إلا أنها قالت لـ"العربي الجديد"، إنها تطمح في العثور على طريقة تمكنها من إرساله للعلاج خارج البلاد لإنقاذ حياته.
عقب الحادث، وجهت مستشفى مدينة سبها، القريبة من منطقة بنت بيه، نداء استغاثة للسلطات بسبب ضعف إمكانياتها، ما دفع عدداً من عائلات المصابين إلى نقلهم لمصحات خاصة، خصوصاً في مدن طرابلس وبنغازي، على الرغم من المسافة التي تزيد عن 1000 كيلومتر.

يقول  بشير صوله، وهو أحد المتطوعين لنقل مصابي انفجار الصهريج، لـ"العربي الجديد"، إن "الأنباء المتداولة بشأن منع قوة موالية للحكومة المكلفة من مجلس النواب طائرات إسعاف من الهبوط في مطار سبها صحيحة للأسف، لكن في ذات الوقت، استغلت الحكومة الثانية المنافسة منع هبوط الطائرة بشكل سيئ، فطائرات الإسعاف التي أرسلت كانت صغيرة، وليست لديها القدرة إلا على نقل مصاب واحد، بينما كان هناك أكثر من خمسين مصاباً، وتم إجلاء قرابة الثلاثين منهم بطائرة عسكرية إلى بنغازي، وتلك الطائرة لم تكن تتوفر على إمكانيات تقديم الإسعاف".
ويضيف صوله أن "كلا الحكومتين وجدتا في الحدث وسيلة لتبادل الاتهامات بدلاً من التنبه إلى حجم الكارثة الإنسانية، وكنا كمتطوعين مكتوفي الأيدي، ولم نستطع فعل شيء سوى الحذر خلال النقل، فأغلب المصابين كانوا في حالة حرجة، وتحريك أجسادهم كان يحتاج تدريباً خاصاً وعناية زائدة، وبينما يمكننا التطوع للإسعاف في أي إصابات أخرى، أو أي حدث، لكن التعامل مع الإصابات بحروق بليغة حدث غير مألوف".
ويتذكر المتطوع الليبي مشاهد وصول الكوادر الطبية والأهالي إلى مستشفى سبها، قائلاً: "كان بعض المصابين بحروق من الدرجة الأولى يقدم المساعدة للآخرين متجاهلاً آلامه من شدة بؤس واقع المصابين الآخرين، وبعض الأهالي كانوا يبحثون عن أبنائهم بين المصابين من دون القدرة على التعرف إليهم من جراء التشوهات الكبيرة، أما الكوادر الطبية فكانت عاجزة تماماً، وبلا أية إمكانيات".
وأعلنت دول من بينها مصر وتونس وإيطاليا وإسبانيا، استعدادها لاستقبال الحالات الحرجة، لكن بعض هؤلاء تأخر في الوصول إلى مستشفيات تلك الدول، ويشير صوله إلى أن "بعض المصابين لم يكونوا يمتلكون جوازات سفر، واحتاج استخراج جوازات سفر لهم سلسلة من الإجراءات الطويلة، رغم ادعاء الحكومة في طرابلس تسهيلها".

الصورة
إمكانات المستشفيات الليبية محدودة (عبد المنعم الجهمي/فرانس برس)
إمكانات المستشفيات الليبية محدودة (عبد المنعم الجهمي/فرانس برس)

في اليوم الرابع للحادث، أعلنت وزارة الصحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وصول 35 حالة إلى مستشفى الحروق في طرابلس، وأن ثماني حالات منها تماثلت للشفاء، وأشارت الوزارة إلى نقل 21 حالة إلى خارج البلاد، بواقع 4 إلى إسبانيا، و7 إلى تونس، و6 إلى تركيا، و4 إلى إيطاليا.
وتساءل صوله عن المصابين الذين تم نقلهم إلى مصر، قائلاً إن "بيان الوزارة لم يتحدث عنهم بسبب استقبال الجانب المصري للحالات التي تم تسفيرها عبر الحكومة المنافسة، ولا أدري ما علاقة الصراع السياسي بحدث إنساني وقع من جراء كارثة تعيشها البلاد بسبب تنافس حكومتين".
ويسأل سعد الحسناوي، من سبها: "إذا كانت الحكومة في طرابلس استقبلت 35 مصاباً، ونقلت 21 منهم إلى الخارج، فكم عدد المصابين الذين استقبلتهم مصر؟ هذا التناقض يؤكد أن أعداد المصابين أكبر من المعلن، ولا ننسى أن هناك مصابين نقلهم أهلهم إلى مصحات خاصة في البلاد، وبعضهم تم نقله إلى خارج البلاد على حساب أسرته".
ويعبر الحسناوي لـ"العربي الجديد" عن استيائه مما وصفه بـ"المتاجرة السياسية بأوضاع المواطنين الإنسانية"، ويقول: "هل هناك استعدادات طبية لمواصلة متابعة أحوال المصابين؟ الحدث لن ينتهي عند نقل المصابين إلى الخارج، فهناك قسم كبير منهم يعاني من إصابات لن تشفى في القريب العاجل، ويحتاجون لمتابعة مستمرة لعدة أشهر، لكن السلطات لم توفر شيئاً حتى الآن لمستشفيات الجنوب، ولا يعنيها إلا استغلال الحدث في المصالح السياسية".

ويتحدث الحسناوي عن معاناة أسر بكاملها بعد الحادث، موضحاً أن "بعض الأسر تعيش بين ألم فقد أحد أبنائها، وأمل نجاة فرد آخر من إصاباته. كان انفجار الصهريج حدثاً كافياً لتنبيه السلطات إلى أهمية معالجة أوضاع الجنوب السيئة، ورغم الوعود الحكومية بالكشف عن أسباب الانفجار، إلا إن أياً من الحكومتين لم تعلن الحقيقة، ويكتفي الجميع بالقول إن تماساً كهربائياً كان السبب، لكن ما لم تقله الحكومتان إن السيارة كانت تهرب الوقود، وتعطلت قريباً من منطقة بنت بيه، وكان توقفها فرصة لأهل المنطقة للحصول على الوقود الذي يشترونه بأسعار مضاعفة عن سعره الأصلي". وأضاف أن "الحقيقة التي لا ترغب السلطات المختلفة في إعلانها هي أن كل شيء يتم تهريبه عبر الحدود، فالغذاء يتم تهريبه، وكذلك الدواء، والوقود، ولا يحصل المواطن على حاجاته الأساسية إلا بأسعار باهظة، رغم أن الوقود مثلاً يستخرج من آبار تقع بالقرب من مناطق سكنه".

المساهمون