لولوة الخاطر: ننسق جهوداً دولية لمواصلة دعم الشعب الأفغاني

09 مارس 2023
ينبغي إلغاء القرارات المجحفة بحق الفتيات (العربي الجديد)
+ الخط -

تشدد مساعدة وزير الخارجية القطري لولوة الخاطر على أهمية اتخاذ المجتمع الدولي والعالم الإسلامي خطوات حقيقية ملموسة لدعم الشعب الأفغاني، خصوصاً مع بدْء فقدان الاهتمام بالقضية الإنسانية الأفغانية نتيجةً بروز قضايا وملفات أخرى من بينها الحرب الروسية على أوكرانيا.

وقالت إن الحكومة الأفغانية أكدت للحكومة القطرية في بداية عملها، أن قرار منع تعليم الفتيات "مؤقت"، ويهدف إلى إعطاء وقتٍ كافٍ لتجهيز الشروط والمعايير والمناهج بما يتناسب مع تعاليم الدين الإسلامي، بالإضافة إلى الحاجة لوقت كافٍ لإنهاء عملية فصل تعليم البنات عن البنين.
وأوضحت الخاطر، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أنه مضت سنة كاملة على هذا القرار، واستمر الوضع بالتفاقم، وترى قطر أنه من غير المبرر أن تستمر هذه القرارات المجحفة بحق الفتيات الأفغانيات كونها تضر بجميع فئات المجتمع، لافتة في الوقت نفسه، إلى خطورة تراجع رغبة المجتمع الدولي في تقديم الدعم للشعب الأفغاني على أثر تلك القرارات.

كيف تقيّمون الموقف المتشدد لحكومة طالبان التي منعت التحاق الفتيات الأفغانيات بالجامعات بعد قرار مماثل بمنعهن من التعليم الثانوي؟

موقف دولة قطر كان واضحاً إزاء هذا القرار، كوضوح مواقفنا إزاء القرارات السابقة التي علّقت دراسة الفتيات في المرحلة الثانوية. أعربت قطر عدة مرات عن خيبة أملها من قرار الحكومة الأفغانية، إذ ندرك التداعيات الهائلة التي ستطاول المجتمع والاقتصاد الأفغاني، لا سيما في ظل قرارات أخرى، مثل حظر عمل الأفغانيات في المؤسسات والمنظمات غير الحكومية، والذي صدر في وقتٍ كان الشعبُ الأفغاني فيه في أمسّ الحاجة إلى الدور الذي تقوم به الجهات غير الحكومية.
لكن هذا يجب ألا يغيّر موقف المجتمع الدولي والعالم الإسلامي. على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات لدعم الأفغان، ولهذا أخذت كلٌ من قطر وإندونيسيا على عاتقهما تنظيم مؤتمر دولي حول تعليم المرأة الأفغانية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقد حظي بمشاركة عددٍ كبير من ممثلي الدول الإسلامية ودول العالم، إضافةً إلى عدد من المنظمات الدولية والأممية، وتوصّل المؤتمر إلى نتائج إيجابية، وأسفر عن عدد من المبادرات التي تقدّمت بها الدول والشركاء، كما تم إصدار بيان ختامي بتوافق أكثر من 40 دولة، يؤيد أهمية تضافر الجهود الدولية لدعم الشعب الأفغاني. ونؤكد استمرار تلك الجهود والمبادرات بالشراكة مع الجانب الإندونيسي، ونأمل في استضافة نسخة أخرى من المؤتمر في الدوحة في وقت لاحق، استكمالاً للجهود السابقة.
وبالتزامن مع اليوم الدولي للمرأة، علينا أن نعي أن مشكلات المرأة الأفغانية لا تقتصر على توفر فرص التعليم، فكثيرات من النساء يتولين مهمة إعالة الأسر، خصوصاً في ظل غياب المعيل الأساسي بسبب ظروف الحرب أو حالات الإعاقة التي أنتجتها الحروب السابقة. لكن الدراسات تشير إلى أن 44 في المائة فقط من النساء يتقاضين أجوراً، ولهذا فإنه من باب أولى النظر في المسألة من زاوية إنسانية وحقوقية، وبالتالي لا بد من التعامل مع قضية السماح للنساء بالعمل بالأهمية نفسها التي يوليها المجتمع الدولي لقضية تعليم الفتيات.

ما هي المقاربة التي تقدمها حركة طالبان لقضية منع تعليم الفتيات، وكيف يمكن الرد عليها؟

أكّدت حكومة تصريف الأعمال الأفغانية في بداية توليها للسلطة أنها ستسمح باستمرار الطالبات في الذهاب إلى الجامعات والمدارس شريطة تجهيز مساحات مخصصة لهن، لكن في مارس/ آذار 2022، تراجعت الحكومة عن قرار السماح للفتيات بإكمال تعليمهن الثانوي، وتم تطبيق المنع حسب العمر، واستمر الوضع بالتفاقم إلى حد منع الطالبات من الالتحاق بالجامعات أخيراً. أكدت حكومة طالبان لدولة قطر أن هذا القرار مؤقت، ويهدف إلى إعطاء وقتٍ كافٍ لتوفير الشروط والمعايير والمناهج بما يتناسب مع تعاليم الدين الإسلامي، ومن بينها إنهاء عملية فصل تعليم البنات عن البنين. لكن الواقع يؤكد أن هناك صعوبات حقيقية تواجه قطاع التعليم في أفغانستان، فهناك نقصٌ حادٌ في أعداد المدرسين، وعدم توفر الرواتب لكثيرين منهم، ما يشكل معاناة إضافية تطاول كل العاملين في التعليم وأسرهم، وهذا بدوره يخلق حلقة مفرغة، إذ يتأثر التعليم بالوضع الاقتصادي، ويتأثر الاقتصاد بغياب التعليم.

لولوة الخاطر: لا يمكن مقايضة حق المرأة في التعليم (العربي الجديد)
لا يمكن مقايضة حق المرأة في التعليم (العربي الجديد)

ندرك بلا شك أن تلك العملية تتطلب الكثير من الجهد والوقت، وها نحن نكمل سنة على قرار تعليق دراسة الأفغانيات في المرحلة الثانوية، فكم عدد الفتيات اللاتي حُرمن من الدراسة، ولا يزلن ينتظرن على أمل أن تفتح أبواب المدارس مجددا أمامهن. لذا فمن المهم إيجاد حلول بديلة لضمان عدم توقف العملية التعليمية، فبالإمكان النظر في التقسيم المؤقت للمدارس، أو للدراسة الليلية، أو استكشاف خيارات التعليم عن بعد، فقد طورت جائحة كورونا إمكانات التعليم عن بعد بشكل كبير، ونرى أنه من غير المبرر أن تستمر هذه القرارات المجحفة بحق الفتيات الأفغانيات لأنها تضر المجتمع الأفغاني كله.

ما دور المبادرة القطرية لدعم تعليم الفتيات الأفغانيات في تمويل برامج المنح الدراسية وبرامج التدريب في مختلف المجالات؟

هناك عدد من المشاريع في إطار تعهدات دولة قطر المالية لدعم أفغانستان، والتي تصل إلى 75 مليون دولار، ونؤكد مجدداً أن دعم قطر لأفغانستان مخصص لكافة قطاعات الشعب، ويشمل ذلك البعثات الدراسية التي قُدمت للبنات والبنين، وتمويل برامج التدريب في القطاعات الصحية والتعليمية والتنموية وبرامج التمكين الاقتصادي، ودعم إعادة فتح مدارس الفتيات، إذ يُعتبر تعليق التعليم من أهم العوائق الاقتصادية حالياً في أفغانستان، ويجري ذلك من خلال "صندوق قطر للتنمية" و"مؤسسة التعليم فوق الجميع"، كما قامت "مؤسسة قطر" بالشراكة مع صندوق قطر للتنمية باستضافة الجامعة الأميركية في أفغانستان، ومنح طالبات فريق الروبوت الأفغاني النسائي بعثات دراسية في جامعات مؤسسة قطر في الدوحة، وفي جامعات حول العالم، وهؤلاء الفتيات هنّ خير دليلٍ على العدد الهائل من المواهب في مختلف العلوم لدى الشابات والشبان الأفغان، وجميعهم يرغبون في تسخير قدراتهم وطاقاتهم لتطوير بلادهم إذا أتيحت لهم الفرصة.

وجهتم خلال مؤتمر بالي في إندونيسيا الدعوة إلى المجتمع الدولي للالتزام بمساعدة الشعب الأفغاني. هل تعتقدين أنه سيتم الإصغاء لهذه الدعوة بعد الموقف المتشدد لحكومة طالبان من موضوعات المرأة والحقوق والحريات العامة؟

كانت هناك مخاوف دولية كثيرة، وكنا نظن أن فيها قدراً من المبالغة، وكانت حكومة تصريف الأعمال الأفغانية ترسل الكثير من التطمينات والتعهدات بعدم المساس بحقوق كافة أطياف المجتمع، وكنا شهوداً على مؤشرات جيدة، مثل الاستمرار في السماح بعمل المرأة في القطاع الصحي، والسماح لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الأممية بمزاولة أعمالها، بالإضافة إلى تعيين شخصيات قيادية من الأقليات في الحكومة. لكن وتيرة التراجع عن هذا الاتجاه بدأت بالتصاعد، ما أعادنا إلى المربع الأول في محاولة إقناع المجتمع الدولي بضرورة الاستمرار في دعم أفغانستان. وللأسف شهدنا خلال الآونة الأخيرة تراجع رغبة المجتمع الدولي في تقديم الدعم للشعب الأفغاني على أثر بعض القرارات، وخصوصاً مع تزامن ذلك مع فقدان الاهتمام بالقضية الأفغانية نتيجةً بروز قضايا وملفات أخرى، منها الملف الروسي الأوكراني، ولا شك أن القرار الأخير الخاص بالتعليم لم يكن حافزاً جيداً لزيادة الدعم الدولي، فملف تعليم المرأة هو أحد الملفات المركزية لدى المجتمع الدولي.
حسب ما نُقل إلى دولة قطر من قبل العديد من الدول المانحة، أصبح من الصعب على الحكومات أن تبرّر لبرلماناتها وناخبيها استمرار دعم أفغانستان في ظل ما ينظرون إليه على أنه تدهور في وضع المرأة، وتراجع في بعض السياسات، وعدم إيفاء الحكومة ببعض وعودها. في المقابل، نؤكد لهذه الأطراف أن الحل لا يمكن أن يتمثل في مقايضة حق المرأة في التعليم ببقية حقوق الإنسان، والتي تشمل كل أطياف المجتمع الأفغاني، بما فيه المرأة التي ينبغي أن تملك حق الوصول إلى الغذاء والدواء.

قطر تواصل مبادراتها لدعم الشعب الأفغاني (العربي الجديد)
قطر لن توقف مبادراتها لدعم الشعب الأفغاني (العربي الجديد)

لذا نؤكد على أهمية استمرار المجتمع الدولي في تقديم الدعم، وإيجاد خطة عمل واضحة لهذا الدعم، وتوضيح ما هو مطلوب من حكومة تصريف الأعمال الأفغانية، والمتوقع منها من قبل المجتمع الدولي، وإقرار الدعم المقابل الذي سوف يحظون به. علينا ألا ننسى أن الشعب الأفغاني لا يزال يواجه خطراً مباشراً على حقوقه الأساسية في الحصول على الغذاء والماء والدواء، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية المتمثلةً في الجماعات المتطرفة، كما أن أزمة التعليم في أفغانستان تشمل البنين والبنات، ولذلك نكرر دعوتنا للشركاء الدوليين للتعاون من أجل مساعدة الشعب الأفغاني على إنهاء معاناته وتأمين مستقبله.

هل هناك نية لعقد اجتماع ثلاثي جديد بين علماء من قطر وإندونيسيا وأفغانستان، للضغط على حكومة طالبان وإقناعها بالعودة عن قراراتها المتعلقة بتعليم الفتيات واحترام حقوق الإنسان؟

شهدنا نقاشاً بنّاءً في الاجتماع الثلاثي الذي استضافته دولة قطر سابقاً بين علماء من قطر وإندونيسيا وأفغانستان، وشمل الحديث مواضيع مختلفة، كان من ضمنها الاتفاق على أن العلم وتحصيل المعرفة مبدأ إسلامي يحث عليه ديننا الحنيف، وأن تعليم المرأة جزء لا يتجزّأ من ذلك، ونحن مستمرون في هذه الجهود، فلا يكاد يزور وفدٌ من حكومة تصريف الأعمال الأفغانية قطر، إلا ويجرى ترتيب لقاءات على هامش الزيارة لمناقشة هذه المسائل من المنظور الإسلامي، ونحن في قطر عازمون على عقد مؤتمرٍ جديد لمناقشة مسألة تعليم الفتيات وقضايا المرأة الأفغانية بشكل عام.

المساهمون