لقاح كورونا... بريطانيا تسعى إلى مواجهة المشككين

29 نوفمبر 2020
تحرص البلاد على التوعية حول ضرورة وضع كمامات (جاستن سيترفيلد/ Getty)
+ الخط -

كثيراً ما عملت الحكومات والمنظمات المعنية بالصحة على محاربة الحملات المضادة للقاحات. واليوم، يعرب البعض عن خشيتهم من الحصول على اللقاح المضاد لفيروس كورونا، بسبب سرعة تطويره، مشككين في سلامته وفعاليته. 
وفي ظلّ الحديث عن إنتاج لقاح كوفيد-19 قبل نهاية العام الجاري، تسعى الحكومة البريطانية للحدّ من الأخبار المضللة عن الفيروس على جبهات عدة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدولة والمنصّات الإلكترونية وغيرها على منع نشر الأخبار التي تحذّر من الحصول على اللقاح، وتثير المخاوف لدى المواطنين.  
في الوقت نفسه، يُشير أحدث استطلاع للرأي أعدّته "يوغوف"، وهي شركة دولية على الإنترنت مختصة بأبحاث الأسواق، ومقرّها بريطانيا، إلى أنّ نحو خمس البريطانيّين لن يأخذوا اللقاح. ويقول 4 في المائة فقط أن السبب هو عدم ثقتهم بلقاح "فايزر" (تطوره شركة فايزر الأميركية وشركة الأدوية الألمانية بيونتيك)، بينما يقول 2 في المائة إنّهم يعارضون اللقاحات بشكل عام.
وتتعاون جهات أخرى مع الحكومة البريطانية لمكافحة المعلومات المضلّلة. وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن وكالة الاستخبارات البريطانية "جي.سي.أتش.كيو" (GCHQ) "كُلّفت بالحد من تفشي الأخبار الكاذبة التي تروّج لها بعض الدول". كما تتولى وزارة الدفاع مهام مماثلة. 

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

في هذا السياق، ينتقد وزير الصحة مات هانكوك أكثر من 300 من العاملين في هيئة الخدمات الصحية البريطانية وموظفي دور الرعاية لانضمامهم إلى مجموعة مناهضة للقاح على فيسبوك، ترى أن لقاح فايزر أشبه بـ "السم". كما يعارض بعض أعضائها وضع الكمامات.
وتضمّ المجموعة أطباء وممرضين، من بينهم جولي كوفي (جامعة شفيلد في بريطانيا)، التي قالت إنّها لن تضع الكمامة، وإنّ تطوير لقاحات كورونا يرتكز على السرعة وليس سلامة الناس. كذلك، شاركت مقطع فيديو شرحت فيه سبب ارتفاع نسبة الوفيات في مدينة ووهان الصينية، بؤرة تفشي فيروس كورونا، وهو حصولهم على اللقاح المضاد لمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس). 
إلى ذلك، يقول بول سرحال، أحد أشهر الأطباء المتخصصين في العقم في بريطانيا، والعضو في الكليّة الملكيّة لأطباء التوليد وأمراض النساء، لـ "العربي الجديد"، إنه في بريطانيا ما يعرف باسم وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية. والأخيرة لا تصدر ترخيصاً يسمح باستخدام أي دواء أو لقاح قبل التأكد من سلامته. يضيف أنّ "التقنيّة التي استخدمت خلال تطوير لقاح كوفيد-19 جديدة، وتعدّ قفزة نوعية في الطب، إذ تمّ أخذ جزء من الحمض النووي للفيروس من خلال الاعتماد على الشيفرة الجينية أو الكودون. وتثبت هذه التقنية أنّه بات في الإمكان تتبع أي فيروس بسرعة أكبر بكثير من قبل، بل ويمكن تطوير أي لقاح جديد في غضون ستّة أشهر ومن دون الاضطرار إلى تعطيل العالم بأسره كلما واجهنا فيروساً جديداً". 
وفي ما يتعلّق بسلامة استخدام اللقاح، يقول سرحال إنّ التجارب حتى الآن أثبتت سلامته، باستثناء تلك التي أجريت في البرازيل والتي توقفت، وقد اعتمدت تقنية مختلفة. ويوضح أنّه لا يمكن ضمان سلامة اللقاح بالكامل قبل تجربته بشكل أكثر شمولاً، لكن البيانات المتوفرة حتى الآن مطمئنة للغاية. 

كورونا - لندن (هولي آدمز/ Getty)
تستمر بريطانيا في تطبيق إجراءات الوقاية من كورونا (هولي آدمز/ Getty)

ورداً على أولئك الذين يتحدثون عن خطورة اللقاح، يقول إنّ لهذه النظريات تداعيات خطيرة على صحة الناس، وقد انتشرت في الماضي خلال تطوير لقاحات أخرى. ويعطي مثالاً على ذلك: منذ نحو عشر سنوات، قيل إن اللقاح ضد الحصبة والنكاف  (عدوى فيروسية تصيب بشكل رئيسي الغدد المنتجة للعاب) والحصبة الألمانية، تسبب مرض التوحد، وقد نشر هذا الخبر في مجلة "ذا لانسيت" الطبية البريطانية، فكانت النتيجة إصابة العديد من الأطفال بتشوهات لامتناع الأهل عن إعطائهم اللقاح. وبعد سنوات، تبين أن الدراسة لا أساس لها من الصحة.    
بدوره، يقول البروفيسور سليم الحاج يحيى، المتخصص في جراحة القلب في بريطانيا، لـ "العربي الجديد"، إن اللقاحات  بشكل عام تعد أحد أهم الإنجازات التي شهدها القرن العشرون، وقد أنقذت حياة ملايين البشر وزادت من متوسط الأعمار. يضيف أنه ما من علاج للفيروس. لذلك، هناك تركيز على تطوير لقاح طوال فترة تفشي الجائحة وليس على العلاج، لافتاً إلى أن الوقاية في مواجهة الفيروسات أهم من العثور على علاج بعد الإصابة به. يُتابع أنّ أهمية لقاح كوفيد-19 تكمن في منع الإصابة بالفيروس بنسبة أكبر من 90 في المائة من الحالات، لافتاً إلى أنّ التوصل إلى لقاح دائماً ما يكون مصحوباً بإجراءات دقيقة وحرص على السلامة، كما يخضع لرقابة وكالات طبية وعلمية عدة. 

ويُشدّد على أهمية هذا اللقاح، خصوصاً بالنسبة لكبار السن ومرضى القلب والرئة والربو وأصحاب المناعة الضعيفة، مثل مرضى القلب والسرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي، ومرضى الكلى والأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة. 
وفي ما يتعلّق بالأشخاص الذين يعارضون اللقاح خشية حدوث مضاعفات، يقول إن التقنية المعتمدة لتطوير اللقاح حديثة، ولا يمكن الحكم عليه قبل استخدامه مدة سنوات. لكنّه يؤكّد أنّ فائدة اللقاح كبيرة ومهمة لإنقاذ حياة ملايين البشر. ويفترض أن يحصل جميع الناس على اللقاح، خصوصاً الأشخاص البالغين أو أي شخص تجاوز الـ 14 عاماً، لأن كوفيد-19 لا يقتل الأطفال، وإن كان هناك استثناءات. 
ويتحدث الحاج يحيى عن أهميّة التقنية المبتكرة التي استخدمت لإنتاج هذا اللقاح، ويشرحها بطريقة مبسطة. فيقول إنّها تمت من خلال المركب الجيني المسؤول عن نسخ البروتينات. والمادة المحقونة عبارة عن بروتينات مطابقة للبروتين الخاص بالفيروس والمسؤول عن دخول الخلية واستغلال المادة الوراثية بجسم الإنسان للتكاثر. لذلك، فإن حقن مادة اللقاح البروتينية هذه، تساعد خلايا المناعة في الجسم على تشخيص البروتين باعتباره جسماً غريباً، فتهاجمه وتقضي عليه قبل دخوله الخلية، ما يؤدي إلى تكون مناعة في الجسم تمنع دخول الفيروس إلى الخلية والتكاثر والإصابة بالمرض.

المساهمون