لصوص المساعدات... مخطط فوضى إسرائيلي لتجويع غزة

20 ديسمبر 2024
فلسطينيون يتولون تأمين شاحنات المساعدات، 7 ديسمبر 2024 (إياد البابا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاقم أزمة المساعدات في غزة: يعاني القطاع من نقص حاد في المساعدات الإنسانية، حيث تتهم جهات فلسطينية الاحتلال الإسرائيلي بحماية لصوص المساعدات بقيادة ياسر أبو شباب، مما يفاقم معاناة السكان المحليين.

- عمليات السطو وتأثيرها: شهدت غزة سرقة 100 شاحنة مساعدات في نوفمبر، مما أثر على توزيع المساعدات وعمل المنظمات الدولية مثل "أونروا"، التي تجد صعوبة في إيصال المساعدات بسبب السرقات المتكررة.

- جهود محلية ودولية: اجتمع ممثلون عن "أونروا" ومنظمات دولية مع مخاتير العشائر لتأمين شاحنات المساعدات، لكن التحديات مستمرة بسبب انتشار العصابات وقيود الاحتلال، مما يعقد الوضع الإنساني.

تتهم جهات فلسطينية الاحتلال الإسرائيلي بحماية لصوص المساعدات الإنسانية، كونهم يوجدون بالقرب من دبابات الاحتلال، وتحلق طائراته المسيرة فوق مناطق وجودهم من دون التعرض لهم

دفع شح الطحين في جنوبي قطاع غزة، الشاب الفلسطيني علي للتوجه إلى مدينة رفح محاولاً إحضار كيس طحين من منزل شقيقته، في ظل ظهور ملامح مجاعة نتيجة رفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع إلا بكميات قليلة يتعرض نحو نصفها للسرقة على أيدي لصوص وقطاع طرق ينتشرون في المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال.
مع اقترابه من شرقي مدينة رفح بعد السير لمسافة طويلة، قابل علي حاجزاً على شارع صلاح الدين، وتحديداً بالقرب من محطة "بهلول" للبترول في منطقة "منتجع الواحة"، وكان يقف على الحاجز ثلاثة أشخاص ملثمين يتحدثون باللهجة البدوية، ويحملون أسلحة خفيفة، وإلى جوارهم سيارة دفع رباعي، وعلى مقربة منهم أشخاص آخرين من المجموعة نفسها، وبالقرب من المكان شاهد شاحنة وقود محترقة رجح أنها تعرضت لقذيفة.
يروي علي لـ "العربي الجديد": "كان يرافقني صديقي، وأخبرناهم أننا نريد الذهاب إلى رفح للبحث عن الطحين، فرفضوا مرورنا، وبدأ أحدهم إطلاق الرصاص إلى جانبنا وفوقنا، فعدنا، ثم قمنا بالالتفاف من الشوارع الفرعية حتى وصلنا إلى بيت شقيقتي، وأحضرنا كيسي طحين منه. أثناء عودتنا من الشوارع الفرعية، صادفنا جيبٌ عسكريٌّ كان يقوم بدورية تمشيط للمكان، وبدأ أحدهم بإطلاق الرصاص في الهواء لأننا أكملنا طريقنا، وأخذوا منا كيس طحين وتركونا نرجع بالكيس الثاني".
وبحسب شهادة الشاب، قام اللصوص قاموا خلال وجوده على الحاجز بالاستيلاء على خمس شاحنات مياه، وتمزيق الغالونات، وإلقاء بعضها في الشارع، كما قاموا بسرقة كراتين ملابس، مشيراً إلى أن أفراد العصابات لا يهتمون بشاحنات المياه كثيراً، ويركزون على سرقة شاحنات الطحين والوقود والطرود الغذائية والخيام.

وبحسب إفادة شهود عيان آخرين، فإن لدى تلك العصابات مخازن تقع إلى الشرق من حي "الجنينة" بمحافظة رفح، وأنهم يصدرون فواتير تحمل اسم "الياسر" في تعاملاتهم المالية مع التجار والأشخاص الذين يشترون منهم البضائع، نسبة لاسم زعيمهم الذي يدعى "ياسر أبو شباب".
وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نفذت تشكيلات عصابية إحدى أكبر عمليات السطو على المساعدات، حين قامت بسرقة 100 شاحنة مساعدات، واقتيادها إلى مخازن شرقي رفح، وتفريغ الحمولة قبل الإفراج عن السائقين، ما دفع الأجهزة الأمنية في غزة إلى مهاجمة اللصوص، في عملية أمنية أسفرت عن مقتل نحو 20 منهم، وتخللها اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
يقول أحد سائقي هذه الشاحنات لـ "العربي الجديد": "قام اللصوص باقتيادنا إلى منطقة تعرف باسم (كشف المشروع)، وهذه المنطقة لا يصلها إلا اللصوص، واحتجزونا طوال الليل، وأفرجوا عنا في صباح اليوم التالي بعد تفريغ الحمولة. كان عدد الشاحنات يقترب من 150 شاحنة". ويضيف السائق الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "إنهم مجموعات كثيرة، وليسوا عصابة واحدة، وهناك عصابات مكونة من عشرين شخصاً، وعصابات أعدادها أقل. قبل عملية السطو الأخيرة بنحو شهر، تعرضت 100 شاحنة للسرقة أيضاً".

الجوع متفش في أنحاء غزة. 1 ديسمبر 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
الجوع متفش في أنحاء غزة، 1 ديسمبر 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)

ويفيد بأن سائقي الشاحنات يتعرضون أحياناً لإطلاق النار وهم يسيرون، وأحياناً يطلق جيش الاحتلال النار عليهم، ورغم خطورة ذلك يعملون من أجل توفير لقمة العيش.
وتصاعدت احتجاجات المنظمات الدولية على سماح الاحتلال بعمل لصوص المساعدات بحرية، ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن مذكرة داخلية للأمم المتحدة، أن عصابات سرقة المساعدات في غزة "تستفيد من تساهل، إن لم يكن حماية الجيش الإسرائيلي"، وأن قائد العصابة ياسر أبو شباب أنشأ ما يشبه قاعدة عسكرية في منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وهو طرف رئيسي في النهب المنظم للمساعدات في غزة، كما أن قوات إسرائيلية كانت على مقربة من عمليات نهب في غزة ولم تتدخل.
ويؤكد مصدر حكومي فلسطيني لـ"العربي الجديد" أن "العديد من أفراد هذه التشكيلات العصابية كانوا محكومين بقضايا جنائية، كالاتجار بالمخدرات أو جرائم القتل، وبعد خروجهم من السجون خلال العدوان على غزة تخصصوا في سرقة المساعدات، وتطور الأمر إلى إنشاء تشكيلات عصابية يقارب عدد أحدها، وهو الموجود في شرقي رفح، نحو 500 عنصر يمتلكون أسلحة خفيفة وقذائف محمولة سرقوها.
ويوضح المصدر أن "منطقة انتشار تلك العصابة يبدأ من محيط مستشفى غزة الأوروبي إلى الشرق من مدينتي خانيونس ورفح، ويمتد إلى طريق صلاح الدين حتى معبر رفح البري، وكذا طريق مرور شاحنات المساعدات القادمة من معبر كرم أبو سالم، لكن مقر تمركزهم يقع إلى الشرق من رفح، ولديهم أشخاص مهمتهم الإبلاغ عن أي تحركات أمنية، كما أن لديهم أكثر من مخزن، ومكان يقومون فيه باحتجاز وتعذيب المواطنين، وهم يقيمون حواجز، ويقومون بدوريات بواسطة دراجات نارية ومركبات دفع رباعي لتأمين مناطقهم، وينشرون قناصة وأسلحة رشاشة فوق أماكن وجودهم".
ورغم تغيير طريق المساعدات في الآونة الأخيرة، لكن ذلك لم يمنع سرقتها، إذ تعرضت قافلتان مكونتان من نحو 100 شاحنة للسرقة نتيجة استهداف الاحتلال لعناصر التأمين. وفجر الخميس 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استهدفت طائرات الاحتلال عناصر تأمين قافلة مساعدات مكونة من 100 شاحنة، ما خلف استشهاد 15 عنصراً وإصابة آخرين.

يحملان أكياس طحين في مخيم النصيرات. 3 ديسمبر 2024 (مجدي فتحي/Getty)
يحملان أكياس طحين في مخيم النصيرات، 3 ديسمبر 2024 (مجدي فتحي/Getty)

استشهد والد الصحافية دعاء خالد شيخ العيد، في استهداف الاحتلال لعناصر تأمين المساعدات فجر الخميس الماضي، والذي كان يعمل شرطياً، وأتم عامه الخمسين قبل أيام من استشهاده. تقول لـ"العربي الجديد": "كانت أول مرة يخرج أبي لتأمين المساعدات، وقد كانت مهمته الأولى والأخيرة. دار بيننا حديث قبل خروجه، وطلبنا منه عدم الذهاب خشية القصف، لكني فوجئت بأنه غادر الخيمة مساء يوم الأربعاء. علمنا أنه قبل الاستهداف، أقام اللصوص حفرة في طريق الشاحنات، وعندما  تقدم والدها وزملاؤه لطمر الحفرة، جرى استهدافهم. يسمحون بإدخال المساعدات، ثم يقومون باستهداف عناصر التأمين".
ويدفع الجوع آلاف الأهالي إلى مطاردة شاحنات المساعدات للحصول على كميات من الأغذية والطحين، وبعد استهداف عناصر التأمين فجر الخميس الماضي، تناثر الطحين في الشارع، فقام بعض الأشخاص بجمع ما يمكنهم منه لاستخدامه.
استيقظ محمد الزبن (27 سنة) عند الفجر على أصوات صراخ وحالة من الفوضى في منطقة "فش فرش" غرب محافظة رفح. ويقول لـ "العربي الجديد": "خرجت من خيمتي، فرأيت الناس يتوجهون إلى طريق الشاحنات رغم قربها من مناطق توجد فيها آليات الاحتلال، والتي قامت بإطلاق الرصاص لإبعادهم، لكن الناس لم تهتم لأنهم جائعون. كان اللصوص يسرقون المواد الغذائية عبر عربات نقل ويملؤونها بزيت الطهي والطحين، وبعض الأشخاص أخذوا أضعاف احتياجهم، فضلاً عن حالة من الفوضى والاقتتال، حتى بين اللصوص. قافلة المساعدات كلها تعرضت للسرقة والنهب".
ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، لـ "العربي الجديد": "أدى الاستهداف المتكرر من قبل جيش الاحتلال لعناصر تأمين المساعدات إلى استشهاد 722 عنصراً حتى الآن، في 144 جريمة. يمارس الاحتلال سياسة التجويع، ويفرضها على المدنيين والأطفال والنساء والفئات الضعيفة والهشة، كما ينسق مع فئات خارجة عن القانون لسرقة المساعدات، وضمان عدم وصولها إلى مستحقيها كي يرسخ الاحتلال مبدأ التجويع. اللصوص يتمتعون بحماية من طائرات الاحتلال، ويقومون بسرقة الطحين والمواد التموينية، وينتشرون في مناطق جغرافية يسيطر عليها الاحتلال. كمية المساعدات التي يسمح الاحتلال بإدخالها لا تتجاوز 5% من احتياجات القطاع، وغزة بحاجة إلى ألف شاحنة في اليوم لتجاوز الأزمة الإنسانية العميقة".

وتؤثر عمليات السطو على عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وأدت إلى تأخير توزيع الدورة الرابعة من الطحين، فضلاً عن إعاقة عمل المنظمات الدولية. ويؤكده المستشار الإعلامي للوكالة، عدنان أبو حسنة، لـ "العربي الجديد": "إسرائيل تسمح بإدخال كميات قليلة من المساعدات تقدر بنحو 6% من حاجة القطاع، لكن ما يتم إدخاله يتعرض للسرقة، وحدثت لقاءات بين ممثلينا ومخاتير العشائر للتدخل ووقف السرقات. نجحنا في إدخال قافلة مكونة من 103 شاحنات قبل أيام، ولم يستهدف الاحتلال عناصر تأمينها، وقامت الوكالة بتوزيعها على الفور، ولو استمر الوضع هكذا ستكون الأمور أفضل. للأزمة شقان واضحان، الأول يتعلق بقلة عدد الشاحنات التي يسمح الاحتلال بإدخالها، والثاني متعلق بقطاع الطرق، والذي استطاعوا سرقة مئات الشاحنات".
وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعادت سلطات الاحتلال فتح معبر "كيسوفيم" الذي يقع شرق مدينتي خانيونس ودير البلح لأول مرة منذ إغلاقه في عام 2006، على أن تدخل منه شاحنات المساعدات بعد خضوعها للتفتيش في معبر كرم "أبو سالم"، ​​لكن الشاحنات تتعرض للسطو رغم جهود عائلات ومخاتير.
وقبل نحو شهر، اجتمع أكثر من 25 مختاراً مع ممثلين عن وكالة "أونروا" ومنظمات دولية، لبحث التعاون في تأمين شاحنات المساعدات. يقول المختار نجيب البحيصي لـ "العربي الجديد": "الأمر نجح في تأمين المساعدات وتوزيعها بمخيم النصيرات، ولكن بمدينة دير البلح، ونظراً إلى وجود أكثر من مليون مواطن ونازح، فإن الأمر صعب، وهناك خشية من صدامات تؤدي إلى اقتتال رغم تعهد عائلتين كبيرتين بالمشاركة في التأمين. يجب أن يتم استيعاب عديمي الضمير والأخلاق والتربية هؤلاء، فهذه المساعدات هي لشعب منكوب، ومخصصة لمن دمرت منازلهم ونزحوا، وأصبحوا بلا معيل أو مأوى، لكنهم ينتشرون بمناطق مختلفة، ويصعب تحديدهم وملاحقتهم".

المساهمون