لبنان: تعديل قانوني يحد من جرائم التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوّة

30 سبتمبر 2020
يضمن القانون عدم التحقيق مع المشتبه بهم تحت الترهيب والتعذيب(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

 

أقرّ البرلمان اللبناني، اليوم الأربعاء، في جلسة تشريعية برئاسة الرئيس نبيه بري، اقتراح القانون الرامي إلى تعديل أحكام المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لجهة حق الموقوف بالاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيقات الأولية، في خطوةٍ مهمّة جداً على طريق مناهضة التعذيب والترهيب وانتزاع الاعترافات بالقوة من المدعى عليهم، والتي كانت تشكّل الدليل الوحيد على إدانتهم، في ظلّ وجود معوقات عدّة تحول دون إثبات استخدام هذه الوسائل غير المشروعة.
ويقول عضو "تكتل الجمهورية القوية" (ممثل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع في مجلس النواب)، النائب زياد حواط، الذي تقدّم باقتراح القانون مع زميله في التكتل النائب جورج عقيص، لـ"العربي الجديد"، إنّ إقرار البرلمان لهذا القانون هو بمثابة مسار أساسي لتثبيت الحريات العامة وحقوق الإنسان. وأضاف أنّه "من غير المقبول بعد اليوم أنّ يتم استدعاء أشخاص إلى الضابطة العدلية، والتحقيق معهم تحت الترهيب والتعذيب والتخويف والاحتجاز، في ظلّ احتمال تركيب الملفات في الغرف السوداء، من دون أن يحقّ لهم الاستعانة بمحامٍ، الأمر الذي من شأنه أن يدفع هؤلاء إلى الإقرار بأفعالٍ لم تُرتكب من قبلهم، ما يضعنا أمام عملية تشويه للحقيقة التي يجب أن تكون في متناول القضاء".
من جهته، يقول المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد"، إنّ أهمية إقرار مجلس النواب اقتراح القانون الرامي إلى تعديل أحكام المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لجهة حق الموقوف بالاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيقات الأولية، تكمن في أنّها تشكّل ضمانة قانونية للمُشتبه به أو المدعى عليه في التحقيقات الجارية أمام الضابطة العدلية. إذ إنّ حضور المحامي من شأنه أن يحميه من سوء معاملة المحقق له، أو من انحراف التحقيق عن غايته، فيضمن بذلك صحّة التحقيقات بشكل يحول دون الزعم لاحقاً، بوجود تعذيب أو إكراه تعرّض له موكله، بهدف انتزاع أقواله بالقوّة. بذلك يتخلّص القضاء، بصورة نهائية، من الدفع ببطلان التحقيق الأولي لعيب الإكراه، والذي غالباً ما يُدلى به أمام قضاء الحكم، في محاولةٍ من وكيل المدعى عليه لدحضِ الاعتراف الذي بُنيَ على إكراه، باعتبار الإكراه يفسد كل شيء.
ويضيف عزو أنّه لا يمكن فصل المدعى عليه أو المُتهم عن محاميه أثناء الاستجواب والتحقيق، حيث إنّ غالبية التشريعات في الدول الحديثة تحتّم حضور المحامي كي يلعب دور الرقيب على محقّق الضابطة العدلية، وهو بتوقيعه على محضر التحقيق، يُضفي عليه المزيد من الثقة والمشروعية. كما أنّ حضور المحامي يدخل الطمأنينة إلى نفس المدعى عليه ويقوّي معنوياته، لأنه غالباً ما يكون هذا الأخير في وضع نفسي مضطرب، فيستمدّ القوة المعنوية من وجود محاميه إلى جانبه، لقول أو السكوت عما يريد، دون خوف أو ترهيب. من هنا، يضمن حضور المحامي تجنيب المدعى عليه الوسائل غير المشروعة، كالتعذيب والترهيب والتهديد والابتزاز، التي قد يتم اللّجوء إليها بهدف انتزاع المعلومات والاعترافات منه، فيضفي حضور المحامي مزيداً من الموثوقية والمصداقية على محضر التحقيق الأولي، الذي يوقّع عليه مع موكله المدعى عليه. وعليه، فإنّ حضور المحامي للتحقيق الذي تجريه الضابطة العدلية لموكّله، يشكّل ضمانة قانونية للمدعى عليه وللتحقيق في آنٍ معاً، ويبعد شبهة (التركيبات) و(الإكراه) عن هذا الأخير.

 

من ناحية ثانية، يشير المحامي هيثم عزو إلى أنّ لبنان، وبحسب تقارير وبيانات صادرة عن منظمات حقوقية ودولية، تحوّل إلى ما يشبه الدولة البوليسية، ولا سيما بُعيد الأحداث الأخيرة والتظاهرات التي شهدتها الساحة اللبنانية، وقد تجلّى ذلك في ما أقدمت عليه المخابرات من احتجاز وأحياناً إخفاء قسري للموقوفين، علماً أنّها ليست من عداد الضابطة العدلية قانوناً، أي لا صلاحية لها لإجراء التحقيقات مع المدنيين الموقوفين، لكونها ليست الشرطة العسكرية المُناط بها هذا الأمر حصراً. وقد تأكَّد هذا العنف في تصريحات الموقوفين لاحقاً عند خروجهم، لجهة تعرّضهم لسوء المعاملة والترهيب والضرب وأحيانًا التعذيب، وهذه الوسائل والأساليب ما كانت لتُستخدم لو أنّ الخطوة التشريعية التي تمّ الإقدام عليها اليوم كانت متوافرة في حينه، ولو كنّا فعلياً في دولة قانون لا دولة بوليسية.
كما خلص المحامي عزُّو إلى أنّه إذا كان يمكن قانوناً للمحامي الحضور مع موكله أثناء التحقيق الاستنطاقي الذي يجريه قضاء الظن، فهو ليكون له هذا الحق قانوناً، أثناء التحقيق الأولي الذي تجريه الضابطة العدلية، وهو ما تمّ إقراره اليوم تماشياً مع حداثة النظم الإجرائية القانونية المعمول بها في كثير من الدول المتحضّرة، نظراً لأهمية الدور  الذي يلعبه المحامي في الرقابة على حسن سير التحقيق الأولي، كدليل من أدلة الإثبات، وفي توفير الضمانات التي تكفل لموكله، المدعى عليه، حرية حق الدفاع المقدس تجاه ما هوَ منسوب إليه، وهذا يفضي بالنتيجة إلى تعزيز نظام العدالة الجزائية.
وتقول المحامية جوديت التيني، لـ"العربي الجديد"، إنّ التعديل في المادة 47، شمل إضافة حقّ المشتبه به أو المشكو منه حضور محاميه إلى جانبه خلال الاستماع إليه من قبل الضابطة العدلية، ومواكبة المحامي لكلّ التحقيقات الأولية، الأمر الذي لم يكن منصوصاً عليه، والذي من شأنه أن يحول دون اللجوء إلى الضرب أو الشدّة في سبيل انتزاع أيّ إقرار، ويمنع التلفيق، كون المحامي سيكون حاضراً منذ بداية التحقيقات وإلّا فتتعرّض للبطلان.

وتضيف أنّ هذا التعديل الذي سعت إليه جاهدة أيضاً نقابة المحامين في بيروت، يكرّس حق الدفاع المقدّس ورسالة المحاماة في تحقيقه وصونه.
بدورها، أشارت "المفكرة القانونية" إلى أنّ اللافت في الموضوع، هو أنّ النّص ذهب إلى حدّ إعلان حقّ المتقاضي الذي لا تمكّنه أوضاعه الماليّة من تكليف محامٍ، بالحصول على مساعدة محامٍ مجّاناً، بالتنسيق مع نقابتي المحامين (في طرابلس وبيروت)، إضافة إلى حقّ المشتبه به في معرفة ماهيّة الشبهات القائمة ضدّه، والأدلّة والقرائن المؤيّدة لها، وحقّه في معاينة طبّية مجّانية (النفسيّة والجسديّة) وحقّه في الترجمة، فضلاً عن تسجيل إجراءات التحقيق بالصّوت والصّورة.

كما نصّ الاقتراح على ضمانات تمثّلت في فرض الالتزام بالأحكام الواردة فيه، من خلال تجريم عدم مراعاتها أو تخويل المشتبه به المطالبة بإبطال محضر التحقيق.
في المقابل، أوضحت المفكرة، أنّ هناك جانبين سلبيين للاقتراح. الأول، تجاهل تام للممارسة غير القانونية المتمثّلة في تفتيش محتوى الهواتف النقّالة، من دون الحصول على إذن مسبق من أيّ مرجع قضائي، أما الثاني، فيتّصل بالممارسة التي تمثّلت في إبقاء أشخاص محتجزين في النظارات "لحساب النيابة العامّة"، رغم انقضاء الحدّ الأقصى للاحتجاز الذي تسمح به المادة 47، أثناء فترة التحقيق الأوّلي، وهي 4 أيام.
وكانت لجنة السجون في نقابة المحامين في طرابلس قد أشارت في تقرير لها، إلى أنّه من أبرز معوقات إثبات جريمة التعذيب، عدم السماح للمحامي بزيارة الموقوف أثناء التحقيقات الأولية إلّا عند عرضه على قاضي التحقيق، الأمر الذي يسهل لمرتكبي جريمة التعذيب استعمال القسوة على الموقوف لانتزاع الاعترافات منه بالقوة.

المساهمون