- الأمم المتحدة تشير إلى أن 90% من السوريين تحت خط الفقر، مع اعتماد الكثيرين على الحوالات المالية من المغتربين بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والأمني.
- في شمال غرب سوريا، النازحون يواجهون ظروفًا معيشية قاسية، مع توقف المساعدات الغذائية من برنامج الأغذية العالمي بسبب أزمة التمويل، مما يزيد من معاناتهم.
يكافح حمزة لتأمين رزق عائلته التي تضم زوجته ووالدته وأربع فتيات، بعدما أصبح عاملاً مياوماً في أسواق مدينة حلب في سورية، فيما كان سابقاً صاحب ورشة لتصنيع أكسسوارات الأحذية دمرتها الآلة العسكرية للنظام في الأيام الأخيرة لحصار الأحياء الشرقية من مدينة حلب عام 2016.
يقول حمزة لـ"العربي الجديد": "لم أكن يوماً معارضاً ولا موالياً. لكنّ مصدر رزقي ومنزلي تضررا، وإلى الآن لا أستطيع استعادة ما فقدته. دمر طيران النظام منزلي، لأعود للسكن مع عائلتي في منزل أحد الأقرباء المهجرين لأنني كنت أرفض التهجير، ودمر القصف ورشتي، فأصبحت مياوماً، والمعاناة جعلتني نادماً على عدم المغادرة مع المهجرين".
يضيف: "لا يوجد أي من مقومات النهوض، فالوضع الأمني سيئ، والحكومة (النظام) لا تفعل أي شيء لمساعدتنا على العودة إلى أعمالنا. في السابق، كنت أوفر سنوياً مبلغاً من المال بعد مصاريف عائلتي، واليوم أعيش تحت ضغط تأمين القوت اليومي، وكل طارئ يوقف العمل ليوم أو يومين يجعلني مهدداً بعد وجود مال في جيبي، لكنّ هناك كثيراً من الشبان من دون أعمال، وعائلات بلا معيل، وهؤلاء تجاوز بؤسهم حد الفقر". في الماضي، كان يصعب أن تسمع أنّ هناك حلبياً فقيراً. الآن نحن إما عند حد الفقر أو فقراء، وإن استمر الوضع هكذا سنذهب إلى ما هو أدنى من الفقر".
وتُعتبر مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسورية، وكانت تنتشر فيها المصانع والورش، والمشاريع الكبيرة والمتوسطة، وعشرات المشاريع الصغيرة التي تحتضنها الأحياء، وقلما كان يوجد حلبي بلا عمل، أو يشتكي الفقر، فالمجتمع طابعه تجاري وصناعي.
وفي منتصف العام الماضي، حذرت الأمم المتحدة من أن الصراع المستمر في سورية دفع 90 في المائة من سكانها إلى العيش تحت خط الفقر، وأن عدد المحتاجين إلى المساعدة في البلاد يفوق 15 مليون إنسان.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أخيراً، إن الاحتياجات الإنسانية في سورية أعلى من أي وقت مضى؛ مشيراً إلى أن "16.7 مليون شخص باتوا بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، ومع دخول الصراع عامه الثالث عشر، دمرت البنية التحتية، والخدمات الأساسية غير موجودة، والاقتصاد في حالة سقوط حر، ولا يزال نحو 7 ملايين شخص نازحين".
والمعاناة كبيرة في مناطق سيطرة النظام، حيث توجد شريحة واسعة من موظفي الدولة والعمال المياومين، ولا سيما في العاصمة دمشق وريفها، وفي حمص وحماه واللاذقية وطرطوس والسويداء ودرعا وحلب، إذ انخفضت القيمة الشرائية للأجور مع الانهيار اليومي لليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وبات متوسط راتب الموظف لا يتجاوز 15 دولاراً.
وتعتمد شريحة واسعة من السكان على الحوالات القادمة من المغتربين، كحال مريم ونذير، وهما زوجان لديهما ابنة لاجئة في ألمانيا، وابن مغترب في الخليج، وهما يرسلان لهما كل شهر 300 دولار ليتدبرا معيشتهما، كما أنهما ينفقان على ثلاثة أبناء، إحداهم طالبة طب، واثنان في التعليم الثانوي.
تقول مريم لـ"العربي الجديد": "تضغط ابنتي على نفسها لتوفير 100 دولار ترسلها لنا، وهي تقتطعها من راتب المساعدة الذي تأخذه هناك، ويوفر ابني لنا مبلغ 200 دولار يرسله شهرياً، فراتب زوجي التقاعدي لا يكفي ليومين أو ثلاثة على أكثر تقدير. لكنهم يقاسموننا في أموال أبنائنا، فمكاتب الصرف المرتبطة بالحكومة لا تسلمنا المبالغ إلا بالليرة السورية، وبالسعر المحدد من قبل البنك المركزي، فيما سعر الصرف الحقيقي أعلى بكثير".
ويشير زوجها نذير إلى أن وضعهم أفضل من غيرهم بسبب ما يتلقونه من حوالات، لكن المبلغ بالكاد يكفيهم نظراً للغلاء ومصاريف التعليم والفواتير وكلفة المعيشة.
ويعيش مزارعو الجنوب السوري أوضاعاً متردية ناتجة عن الوضع الأمني السيئ، والنقص الكبير في مستلزمات الإنتاج الزراعي كالوقود الذي تعتمد عليه كل الآليات، ونقص المياه نتيجة إهمال الآبار وتردي طرق الري عموماً.
ويقدم النظام السوري تبريرات متناقضة للحالة الاجتماعية والاقتصادية التي وصلت إليها البلاد، من دون تقديم أي حلول، فتارة يتذرع بالعقوبات الغربية، لاسيما عقوبات قانون "قيصر الأميركي"، وتارة يشير إلى أن العقوبات ليست لها جدوى. وفي آخر مقابلة تلفزيونية لرئيس النظام بشار الأسد، وصف الغرب بأنه "غبي" لاتباعه سياسة الحصار، وأعتقد أنّ الحصار الغربي يقوض الدولار ويحقق مصالحنا على المدى البعيد، والأفضل أن يستمروا به لأنه يخدم مصالحنا.
لكن الليرة السورية تتهاوى بشكل يومي أمام الدولار، فقد بلغ سعر الصرف في السوق السوداء 14150 ليرة للدولار الواحد، فيما يحدد البنك المركزي للنظام سعر الصرف بـ 13400 ليرة لكل دولار، وإذا كان راتب الموظف في المتوسط 200 ألف ليرة، فإنه يعادل 15 دولاراً.
في إدلب وريف حلب بالشمال الغربي، تنتشر مخيمات النازحين والمهجرين قسراً، ويفتك الفقر بالشرائح الأكثر ضعفاً، والعائلات التي ليس لديها معيل، كما تنتشر البطالة في مناطق السكن خارج المخيمات.
نزح محمد المصلح الحاير مع عائلته من ريف حماه الشرقي إلى معرة النعمان بريف إدلب، وبعد سيطرة النظام على المدينة اضطر إلى النزوح مجدداً إلى شمال إدلب، وقد فقد والده خلال رحلة النزوح في قصف للنظام، وفقد والدته وشقيقه في انفجار مستودع أسلحة للمعارضة بالقرب من مسكنهم، ورغم أن عمره لا يتجاوز 19 سنة، فقد وجد نفسه معيلاً لمن تبقوا من العائلة، وهم شقيقتان وخمسة أشقاء صغار.
يقول الحاير: "لا أستطيع تحمل أعباء العائلة وحدي، وشقيقتي تعمل أحياناً بالزراعة مقابل 20 إلى 30 ليرة تركية يومياً، وأشقائي الصغار يجمعون الحديد من المكبات لبيعه، وكل ذلك بالكاد يكفي كلفة الطعام والشراب بسبب الغلاء، ولا نتسلم أيّ مساعدات في المكان الذي نقيم فيه".
في المخيم ذاته، تعيش رغيدة الجاسم وزعيلة شحادة، وهما أيضا من ريف حماه، وتشكوان من قلة المساعدات مع فقدان المعيل، ما يضطرهما إلى إرسال أطفالهما إلى العمل، وتركهما من دون تعليم، ومثلهما كثيرات في مخيمات الشمال السوري.
الأمر ذاته ينسحب على مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، حيث تنتشر المخيمات ولا توجد فرص عمل، ويتفشى الفقر بطبيعة الحال.
وفي نهاية العام الماضي، قرر برنامج الأغذية العالمي إيقاف المساعدات الغذائية في أنحاء سورية بسبب أزمة التمويل، ويقول البرنامج الأممي إن أكثر من 12 مليون سوري وقعوا في براثن الجوع في بلد انخفضت فيه المساعدات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومع ذلك، فإنه سيواصل دعم الأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية من خلال برامج أصغر، إلى جانب الحفاظ على بعض خطط تغذية الأطفال، ودعم سبل معيشة المزارعين.
وتعاني النساء فاقدات المعيل في مخيمات إدلب من الفقر الذي يلازمهن. تقول مريم البكور (31 سنة) إنها لم تعد تتحمل ما تمر به من أوضاع صعبة في مخيمات قاح، حيث تقيم مع أبنائها الخمسة منذ وفاة زوجها بقصف على مدينتهم معرة النعمان، قبل نزوحهم الذي قارب على عامه الخامس.
لا تجد البكور وسيلة لتدبير أمورها المعيشية، خاصة بعد توقف المساعدات التي كانت تصلها على شكل سلة غذائية، وأحياناً قسائم شرائية، ما دفعها إلى إرسال اثنين من أبنائها للعمل بعد ترك المدرسة. وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "المساعدات كانت طوق نجاة، خاصة مع صعوبة الحصول على مصدر رزق آخر، فأنا لا أملك أيّ شهادات أو خبرات تمكنني من العمل والاعتماد على نفسي".
ومن ريف محافظة الحسكة في مناطق شمال شرقي سورية التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، تقول صبيحة لـ"العربي الجديد": "أبدأ فور استيقاظي في الصباح التفكير في كيفية تأمين الطعام اليومي. الفقراء يتزايدون، ولا أمل في تحسن الأوضاع".
ومن مدينة القامشلي بريف الحسكة، يقول حسان الخالد لـ"العربي الجديد": "إنها مفارقة أن يشتكي أبناء الحسكة والجزيرة السورية من الفقر بعدما كانت المنطقة تُعتبر السلة الغذائية للبلاد، وكانت تُزرع فيها المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن وغيرهما، وتنتشر فيها حقول النفط. هذه الخيرات ليست لأبناء المنطقة، فنحن ننهب، ولا نستطيع فعل شيء".