ما زالت أزمة المياه عالقة دون حلول في مدينة الحسكة شمال شرقي سورية التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية، وذلك بعد نحو عامين ونصف على بدئها في المنطقة، رغم وعود السكان سابقاً بأن الخلاص من الأزمة وشيك. ولا يزال البحث عن حلول بديلة لتوفير مياه من خارج الشبكة الطريقة الأمثل رغم أنه أمر صعب، ما يجعل المواطنين أمام خيار وحيد يتمثل في الصبر على الظروف القاسية التي يعيشونها.
يقول أحد سكان المدينة سليمان العبد الله لـ"العربي الجديد": "تشكل مياه الصهاريج الحلّ الأمثل رغم كل سيئاتها. وعدت الإدارة الذاتية منذ أكثر من عام بحفر آبار جديدة لضخ المياه، لكنها لم تنفذها، أما الضخ من محطة علوك فرهن أزمة الكهرباء، ما يجعل الأهالي يستمرون في كونهم ضحية معادلة الماء مقابل الكهرباء".
وفي ظل الخيارات القليلة، لا يجد العبد الله إلا خيار جلب المياه من صهاريج لتلبية احتياجات عائلته، ويقول: "مياه الصهاريج تجبرنا على التقنين في شكل كبير. المياه من أبسط الحقوق التي يجب أن نحصل عليها، لكننا محرومون منها. عشنا ظروفاً صعبة للغاية الصيف الماضي، حين وقعنا ضحية استغلال النظام للأزمة، إذ أرسل صهاريج للهلال الأحمر السوري من أجل ملء المياه في أوانٍ، وكأن لا علاقة له أبداً بالأزمة. أما الإدارة الذاتية فتكرر دائماً وعد تجهيز محطة لضخ المياه، من دون أن يحدث شيء على أرض الواقع. أما محطة علوك فمعطلة دائماً ولا تصلها كهرباء كافية لضخ المياه، بحسب ما تقول فصائل المعارضة".
وإلى جانب ارتباط أزمة المياه في الحسكة بالضخ وشبكة المياه القديمة، فهي تتأثر أيضاً بالمناخ وفق مدرّس الجغرافيا عبد الأحد بحدي الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أن "الجفاف يلعب دوراً كبيراً في تراجع المياه، إلى جانب سوء تحكم الإدارة الذاتية بالموارد المائية حالياً، وكذلك النظام سابقاً. تحتاج الشبكة إلى صيانة شاملة، لأن المياه تتسرب منها بكميات كبيرة، وهو ما يحدث في مدينة القامشلي التي لا تصل المياه إلى أحياء كثيرة فيها، خصوصاً تلك التي تقع في مناطق مرتفعة، ومن الضروري مدّ شبكة جديدة فيها".
يضيف: "لا يمكن حل مشكلة المياه في الحسكة والقامشلي والجزيرة، وقريبا كل سورية، فهي كانت موجودة في الأساس، وتسببت في شحّ المياه الصالحة للاستخدام البشري أو الشرب، وتأثرت أيضاً بالجفاف المرتبط بالنظم المناخية والتدابير المتخذة على مستوى الوطن. وحالياً لا يوجد مشاريع جديدة للمياه سواء على صعيد السدود أو إنشاء محطات جديدة للضخ، فكلها متوقف بالكامل، والناس تستخدم مشاريع ومنشآت البنية التحتية القديمة، في وقت زاد فيه عدد السكان في الحسكة تحديداً بعدما استقبلت نازحين قدموا من باقي المحافظات، ولا يمكن إغفال أن المعارك بين تنظيم داعش وقوات سورية الديمقراطية (قسد) خلّفت أضراراً في منشآت توفير المياه".
ويشير بحدي إلى أن "سكان الحسكة مضطرون إلى استخدام ما يتوفر لديهم من مصادر مياه، بينها من نهر دجلة الذي يصل أحد خطوطه إلى مدينة القامشلي، لكنه لا يغذي الحسكة، علماً أن المياه السطحية تتوفر في القامشلي، ويمكن أن يؤمن حفر الآبار مياه الشرب فيها، لكن الوضع يختلف في الحسكة التي تقع في منطقة جفاف قرب البادية. ويبلغ متوسط هطول الإمطار في القامشلي 440 ملليمتراً سنوياً، بينما لا يتجاوز 250 ملليمتراً في الحسكة. وفي شأن محطة علوك فغالبية آبارها خارج الخدمة، ولم ينفذ مشروع لإنشاء محطة جديدة فيها، كما فشل تقنياً مشروع جرّ المياه من الفرات غرباً إلى الحسكة".
ويكشف تقرير أصدرته مبادرة "ريتش" في يناير/ كانون الثاني الماضي أن "أسراً في مدينة الحسكة أجبرت على تقليل استهلاكها للمياه من الشبكة المحلية التي تعتمد عليها، كما اضطرت إلى التزود بالمياه بطريقة مكلفة من خلال شرائها من صهاريج لتلبية احتياجاتها. وحالياً تعاني نحو 96 بالمائة من الأسر من نقص المياه وعدم كفاية الكميات لتلبية احتياجاتها، ما يحتم خفضها كميات الاستهلاك الذي يرفع المخاطر الصحية".
ويوضح التقرير أن "سكان الحسكة ينفقون نحو 5 بالمائة من دخلهم الشهري لجلب المياه، والنازحون الذين يقطنون فيها نحو 4 بالمائة من هذا الدخل". ويلفت إلى أن "الأسر تتبع أربع استراتيجيات لتقليل صرف المياه تشمل تقليص استهلاك تلك غير الصالحة للشرب، وشراء المياه بمداخيل غير مخصصة للشراء، والاعتماد على تلك المخزّنة، وجلبها بالدين. وهذه الأسباب تجعل الأسر تحصل على مياه سيئة".