كرواتيا... دولة الانتصارات من ميدان الحرب إلى ملاعب المونديال

13 ديسمبر 2022
(Getty)
+ الخط -

تتجه أنظار جماهير كرة القدم إلى ما يمكن تسميته قمة استثنائية تجمع منتخبي الأرجنتين وكرواتيا، في نصف نهائي كأس العالم 2022. وتشهد المواجهة العديد من القضايا اللافتة، أبرزها وأهمها الصراع بين النجمين ليونيل ميسي قائد الأرجنتين ولوكا مودريتش قائد كرواتيا، بالإضافة إلى محاولة الفريق الكرواتي إظهار مكانة البلاد ودورها كدولة ناشئة حديثاً في الفعاليات الرياضية الدولية الهامة.
يعد المنتخب الكرواتي حديث النشأة. أبصر النور في العام 1991، عقب حركات الاستقلال في جمهوريات يوغسلافيا. بعد حصول كرواتيا على استقلالها، تمكن المنتخب الكروي خلال فترة بسيطة من الوصول إلى مراكز متقدمة في العديد من المباريات الدولية، ولعل أبرزها وصوله عام 2018 إلى نهائي كأس العالم ضد المنتخب الفرنسي.

الصورة
منتخب كرواتيا (Getty)
أبصر المنتخب الكرواتي النور في العام 1991 (Getty)

لم تشكل الظروف السياسية والاجتماعية التي ساعدت في نشأة الدولة أي عائق لتقدم المنتخب الوطني في كرة القدم، بل على العكس من ذلك، حوّل اللاعبون الظروف السياسية وحروب التطهير العرقي إلى طاقة إيجابية، استمد من خلالها اللاعبون القدرة على إظهار مكانة البلاد ومنافستها لأعرق الفرق الرياضية.

حوّل اللاعبون الظروف السياسية وحروب التطهير العرقي إلى طاقة إيجابية، استمد من خلالها اللاعبون القدرة على إظهار مكانة البلاد

كان لتاريخ البلاد دور فعال في تأسيس هوية رياضية مختلفة عن باقي المنتخبات الدولية. يكاد يجمع العديد من الخبراء في مجال كرة القدم على أن وصول المنتخب  الوطني الكرواتي إلى مراكز متقدمة في كأس العالم ليس سوى انعكاس لقدرة الشعب على المواجهة.
يعيش في كرواتيا ما لا يقل عن 4 ملايين نسمة، يتحدر أكثر من 90 في المائة منهم من القومية الكرواتية، فيما يتحدر نحو 10 في المائة من أقليات مختلفة، ورغم ذلك، مرت على البلاد العديد من الحروب والنزاعات بسبب القومية وغيرها من المشاكل الحدودية.
يرجع إيغور أوتيماك، الذي لعب في جميع مباريات كرواتيا في كأس العالم 1998 ودرب المنتخب الوطني بين عامي 2012 و2013، في حديث لشبكة "سي أن أن" سبب نجاح المنتخب الوطني إلى قوة وصلابة لاعبيه، وعناد الشعب الكرواتي.

وحدة صف اللاعبين

شكل نجاح المنتخب الكرواتي في المباراة الأخيرة ضد البرازيل نقطة مهمة بشأن أهمية وحدة الصف بين اللاعبين، بحسب ما وصف سرجان فابيجاناك، أحد الصحافيين الذين نقلوا مباراة المنتخب الأخيرة في الدوحة. يعتقد فابيجاناك أن التنسيق بين أفراد الفريق سواء بين اللاعبين المخضرمين، على غرار لوكا مودريتش وإيفان بيريشيتش وديان لوفرين، أو مع اللاعبين الجدد أمثال يوشكو جفارديول وبورنا سوسا، ما هو إلا صورة لنمط المجتمع الكرواتي المتماسك.

الصورة
كرواتيا
يعيش في كرواتيا ما لا يقل عن 4 ملايين نسمة (Getty)

 تاريخ وهوية

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بدأت تظهر حركات التحرر في العديد من الدول التي تدور في فلك الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك يوغوسلافيا، إذ طالبت العديد من الجمهوريات بالاستقلال، بما فيها كرواتيا وسلوفينيا، وفي 19 مايو/أيار 1991، أجرت السلطات الكرواتية استفتاء شعبيا، حصلت بموجبه على موافقة نحو 83.6 في المائة من المواطنين على الاستقلال.
وبحلول منتصف عام 1991، بدأت حرب الاستقلال الكرواتية. كانت المناطق التي يسيطر عليها الصرب في كرواتيا جزءا من المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي المعروفة حينها باسم جمهورية كرايينا الصربية.
بدأ القتال عندما حاول الجيش اليوغوسلافي المكون من الصرب منع سلوفينيا من إنشاء نقاط حدودية خاصة بها، ثم توسعت الحرب في شهر يوليو/ تموز بين القوات الكرواتية والصربية. وأدت الحرب إلى مقتل ما لا يقل عن 20 ألف مواطن، فيما تهجر ما لا يقل عن مليوني شخص بسبب التطهير العرقي.

لاعبون ولاجئون

لم يكن اللاعب ديجان لوفران يبلغ من العمر 3 سنوات عند اشتعال الحرب في كرواتيا، واضطرت عائلته إلى الهرب نحو ألمانيا. يستذكر لوفران في تصريحات له عام 2018، كيف حاولت عائلته الهرب، كانت صفارات الإنذار تدوي في أرجاء العاصمة، قبل أن تحاول والدته إخفاءه في الطوابق السفلى، قبل التوجه إلى ألمانيا، حيث عاش ما لا يقل عن 7 سنوات، إلى أن أعيد لاحقاً مع عائلته إلى كرواتيا.

قصة لجوء ديجان لوفران زادت من عزيمته، وشكلت نقطة محورية في بناء شخصيته القيادية في الملعب

قصة اللجوء هذه زادت من عزيمته وشكلت نقطة محورية في بناء شخصيته القيادية في الملعب. وعلى الرغم من أن لوفران لم يعش تداعيات الحرب مباشرة كما سائر أفراد فريق كرة القدم، لكن قصص الحرب لا تزال محفورة في ذاكرة جميع اللاعبين.
تساعد المشاعر الوطنية إلى حد كبير في إبراز مكانة الفرق الرياضية. فعلى الرغم من أداء الكثير من المنتخبات العالمية، على غرار البرازيل، أو ألمانيا، لكن، وبحسب المراقبين، فإن روح العائلة بين اللاعبين لا تزال مفقودة. 

تاريخ رياضي

مع إعلان كرواتيا استقلالها، ومحاولتها بناء دولة مستقلة، سعى الاتحاد الكرواتي للحصول على عضوية الاتحاد الدولي (فيفا) يوم الثالث من يوليو/تموز 1992، كما انضم إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) يوم 17 يونيو/حزيران 1993. بدأ المنتخب الكرواتي بالانخراط في المباريات الدولية، ووصلت البلاد في العام 1996 إلى ربع نهائي اليورو بفوزها على الدنمارك، ووصلت إلى الدور قبل النهائي عام 1998 في مباريات كأس العالم، وحصلت على المركز الثالث.
وبعدها تمكنت كرواتيا من مواجهة أعرق المنتخبات العالمية، وإن لم تنجح في الحصول على كأس العالم. نجاح كرواتيا لم يكتمل إلا بعد وصول زلاتكو داليتش إلى سدة رئاسة المنتخب، حيث تم تعيينه مدربا لمنتخب كرواتيا في عام 2017. بعدما تم تعيينه بعد تأهل المنتخب لكأس العالم 2018، مع وجود العديد من النجوم في أوج ظهورهم، مثل لاعب خط الوسط المؤلف من ثلاثة، هم مودريتش، إيفان راكيتيتش ومارسيلو بروزوفيتش، قدمت البلاد أداء رائعاً في المباريات التي جرت حينها في روسيا.

بفضل الانسجام الذي تمكن داليتش من تحقيقه في الفريق، تجاوزت كرواتيا التوقعات من خلال الوصول إلى المباراة النهائية في العام 2018. أظهر المنتخب حينها عزماً ومرونة للفوز مرتين بركلات الترجيح متبوعة بفوز إضافي في الوقت الإضافي على إنكلترا في نصف النهائي قبل أن تتغلب عليها فرنسا.
المباراة التي تقدمها كرواتيا ضد الأرجنتين ستكون مصيرية في تاريخ كل من اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي والكرواتي لوكا مودريتش، إذ صرح الجانبان، قبل كأس العالم، بأن المونديال الذي يقام حالياً في قطر قد يكون الأخير في مشوارهما الكروي الدولي، ولذا يعد النصر لأي من الطرفين في المباريات مصيرياً في تاريخهما وتاريخ منتخبيهما الوطنيين.

المساهمون