"قمح البركة"... السيادة على الغذاء ممكنة في الأردن

06 نوفمبر 2022
حملة "قمح البركة" غيّرت ثقافة استهلاك المنتجات المستوردة (العربي الجديد)
+ الخط -

تحت شعار التحرر الغذائي، أطلقت مبادرة "ذكرى للتعلم الشعبي" قبل سنوات في الأردن حملة "قمح البركة" الجماعية لزراعة القمح البلدي، ما أعاده إلى الواجهة، وأخرجه من التهميش على الموائد، من خلال إنتاجه بأيادٍ محلية، بغرض تحقيق هدف تغيير ثقافة استهلاك المنتجات المستوردة، خاصة من سلع هذه المادة.
يوضح مؤسس مبادرة "ذكرى للتعلم الشعبي" ربيع زريقات، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "فكرة قمح البركة ارتبطت  بإحياء الزراعة المحلية، وتشجيع الناس على ممارستها، وتعزيز السيادة على الغذاء، من خلال إشراك العائلات والمجتمع المحلي بمشاريع الزراعة الجماعية التشاركية داخل العاصمة عمان، تمهيداً لحصد كل مشارك في نهاية موسم مؤونته من القمح ومنتجاته، علماً أن القائمين على المبادرة يتعاونون مع مالكي الأراضي غير المستغلة لزرعها، ويعملون أحياناً أخرى مع مزارعين لديهم خبرات في الزراعة البعلية في مناطقهم بمحافظات أخرى من أجل الحصول على أفضل النتائج. وترتكز الفكرة على دعم المواطنين بمبالغ مادية تغطي تكاليف الزراعة، وإشراكهم في عملية الزرع منذ لحظة نثر البذور حتى الحصاد".
ويحدد زريقات أهمية حملة "قمح البركة" في تحقيق "السيادة المنزلية على الغذاء"، أي إيجاد ثقافة مجتمعية تقوم على زرع المواطن احتياجاته من القمح، واستخدامها في البيت. و"هذه الثقافة تتسع بدليل أنه مع كل بداية موسم تصلنا استفسارات عن موعد الموسم الزراعي الجديد، علماً أن 4 مدارس تشارك في المبادرة حالياً".
ويصف زريقات التجربة بأنها "ناجحة استناداً إلى تقييم عدد المشاركين فيها والمتفاعلين معها، ومن تبنوا في منازلهم الغذاء المعتمد على القمح المنتج محلياً. وقد أوجدت الحملة حلقات تواصل مهمة بين المتطوعين والداعمين للفكرة، وساهمت في التعرف على أشخاص تتلاقى أفكارهم في العمل لتوفير منتجات ذات استقلالية".

يصعب وصول الأردن إلى اكتفاء ذاتي من القمح لكن يمكن رفع النسبة الحالية

 يضيف: "الفارق بين الأمن الغذائي والسيادة على الغذاء هو أن الأمن الغذائي يرتبط بتزويد الشعب بغذائه حتى إذا جرى استيراده كله، أما السيادة على الغذاء فتسيطر على المصادر، علماً أن الحملة هدفت أيضاً إلى خلق سلسلة محلية ومنظومة اقتصادية للقمح البلدي، من خلال ربط المزارعين في مختلف مناطق المملكة بسوق بديل ذات جدوى اقتصادية، وإيجاد اقتصاد وطني مرتبط بالقمح المحلي. واليوم يستورد الأردن 98 بالمائة من كميات القمح من الخارج، وتوزع على المخابز، في حين تنتج كمية 2 في المائة الباقية بطريقة شعبية. والحملة تسعى إلى إدخال القمح المحلي بقوة في الاقتصاد الوطني، بالتعاون مع مخابز ومحلات معروفة، منها مخبز قبلان الذي ينتج منذ أكثر من سنة خبز القمح الصافي. كما بدأت مطاعم ومخابز تبني التجربة، ووصل إلى 20 عدد المحلات التي نتعاون معها".
ويشير إلى أنه "قد يصعب الوصول الى اكتفاء ذاتي من القمح في الأردن، لكن يمكن رفع النسبة من 2 في المائة حالياً إلى 40 أو 50 في المائة، وزراعة القمح في الأرياف قد تحد من الهجرة إلى المدن، وتخلق فرص عمل، حتى لو كانت كلفة القمح المحلي أكثر من المستورد. ومن الضروري العمل لتطوير البنى التحتية، من خلال إنشاء مطاحن جديدة، وتحسين سلسلة التوريد إلى الأسواق".

تسعى الحملة إلى إدخال القمح المحلي في الاقتصاد الوطني (العربي الجديد)
تسعى الحملة إلى إدخال القمح المحلي في الاقتصاد الوطني (العربي الجديد)

ويقول مساعد مدير مخبز قبلان في العاصمة عمان، أويس الخطيب، لـ"العربي الجديد" إن "مشاركة المخبز في الحملة تهدف إلى دعم فكرة الإنتاج المحلي والمزارعين القائمين عليها، علماً أن سعر منتجات القمح البلدي أغلى من تلك المستوردة، لأن الكلفة عالية على المزارع الأردني الذي يعمل بطرق تقليدية مقارنة بتطور مزروعات الحقول عالمياً، واعتمادها على التكنولوجيا والآليات والأدوات المتطورة".

ويلفت إلى أن "الرهان على المواطنين كان كبيراً لدعم المنتجات وإنجاح الحملة، وهم كانوا عند حسن الظن، إذ اقبلوا على المنتجات بشكل واسع، ودعموا فكرة الإنتاج المحلي وقبول السلع التي يوفرها. واشترى كثيرون المنتجات حين علموا أن جزءاً من المبلغ المدفوع سيرصد لدعم المزارعين. وقد انعكست الحملة إيجاباً أيضاً على المخبز الذي كسب العديد من الزبائن الذين قدموا لشراء الخبز البلدي ومنتجات أخرى".
ويؤكد أن "المنتجات صحية، ونستخدم مواد غير معدلة وراثياً، وتخلو من الطحين الأبيض المستورد أو من السكر. وقد شملت الخبز تحديداً في البداية، ثم معمول التمر. وعمل معجنات ومنتجات من القمح البلدي تخلو من إضافات أكثر صعوبة من استخدام الطحين الأبيض والمستورد".

بدوره، يصف الخبير الاقتصادي محمد البشير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الحملة بأنها "مثل التجذيف ضد التيار، فالحكومات الأردنية لم تقتنع تاريخياً بأن البلد زراعي، رغم أنه كان يصدّر القمح إلى روما قبل قرون، وهو جزء من سهول حوران في بلاد الشام".
ويصف الأردن بأنه "بلد زراعي، لكن العقلية الحكومية دمرت المساحات الزراعية، وتركت التمدد العمراني للناس على حساب الأراضي الزراعية الخصبة شمالاً ووسطاً وغرباً، بعد تدمير السهول المرتبطة بزراعة القمح على مدى 100 عام من عمر الدولة، والتي كان يمكن أن تشكل ركيزة للتطوير الصناعي والخدماتي عبر مواكبة التطور التقني في مجال الزراعة وزيادة الإنتاج".
ويرى أن "زراعة القمح أصبحت مغامرة حالياً بسبب السياسات الحكومية. ومن دون تطوير الأملاك الزراعية والصناعة الأردنية لن نستطيع حل مشاكلنا الاقتصادية العميقة".

تشارك 4 مدارس في الحملة (العربي الجديد)
تشارك 4 مدارس في الحملة (العربي الجديد)

ويوضح أن "حصة الزراعة من إجمالي الناتج المحلي لا تتجاوز 4 في المائة، وهذه ثغرة كبيرة لأن الأردن بلد زراعي تاريخياً، لكنه لم يواكب التطور التكنولوجي العالمي. واليوم 80 في المائة من المنتجات الغذائية الأردنية مستوردة، في وقت تربط دراسات تطوير اقتصاديات العالم بملائمة المشاريع الزراعية مع تلك الصناعية، فتطور الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى ارتبط بالإنتاج الزراعي، وهي تساهم في خلق فرص عمل لمواجهة البطالة".

يضيف: "الأكيد أن حملة قمح البركة خطوة مهمة نحو إعادة القيمة الحقيقية للزراعة، خاصة القمح الذي يمنح إنتاجه استقلالية غذائية. والمطلوب من الحكومات الأردنية اليوم ومستقبلاً أن تدعم مشاريع مماثلة، وتجنّب الارتهان لقرارات الدول المصدِّرة، فالاستقلال الغذائي أحد أهم شروط الاستقلال السياسي".

المساهمون