رغم جهود مركز العلوم البيئية في جامعة قطر لحمايتها من الانقراض عبر مشروع "حماية السلاحف البحرية" الذي بدأ في عام 2003، إلّا أن تلك السلاحف ما زالت عرضة للخطر.
يتذكّر رئيس مجموعة "تاريخ قطر الطبيعي"، تيري ليساليس، الرحلات التي نظّمها قبل بضعة أشهر، والتي أتاحت لعشرات الأطفال فرصة مشاهدة تفقيس بيض "السلاحف صقرية المنقار" المعرّضة للانقراض، ضمن مشروع قطر للسلاحف بشاطئ "فويرط" العام، والذي يُغلق سنوياً منذ عام 2018، خلال موسم تعشيش السلاحف.
يروي ليساليس بسعادة كيف تمتّع الأطفال برؤية السلاحف البحرية الصغيرة على طول الساحل القطري، أثناء فترة التفقيس السنوية التي تستمر من بداية يونيو/حزيران إلى نهاية يوليو/تموز، مشيراً إلى أن "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة" صنّف هذا النوع من السلاحف ضمن الكائنات المهددة بالانقراض في عام 1982.
يقول ليساليس إن أكثر من مائة شخص، من بينهم عدد كبير من الأطفال، تعرفوا إلى أسباب أهمية إنقاذ السلاحف من خلال تنظيم 12 زيارة لأماكن التفقيس بالتعاون مع هيئة متاحف قطر، مضيفاً "كان الناس ممتنين كثيرا لهذه التجربة التي جعلتهم يتمكنون من التواصل مع الطبيعة البحرية".
انخفض عدد السلاحف البحرية الحية في قطر بنسبة 57 في المائة خلال الفترة من عام 2014 إلى 2020، ورافقها انخفاض في عدد أعشاش السلاحف بنسبة 44 في المائة، وفقاً لجهاز التخطيط والإحصاء (حكومي).
يقول المدير التنفيذي لمشروع حماية السلاحف، جاسم الخياط، إنّ "السلاحف البحرية ما زالت معرضة للخطر نتيجة الصيد الجائر، وتغيّر المناخ، وتلوّث شواطئ التعشيش بسبب تطوّر السياحة الساحلية، وزيادة التخييم على الشواطئ الذي يربك خططها للتعشيش".
وتشير بيانات جهاز التخطيط والإحصاء إلى أنه "منذ صدور قرار إغلاق شاطئ فويرط لحماية السلاحف البحرية خلال فترة التعشيش والفقس، ارتفع عدد السلاحف الحية بنسبة 47 في المائة، وارتفع عدد الأعشاش بنسبة 37 في المائة".
وأوضح الخياط أن برنامج حماية السلاحف أنشأ محميات طبيعية في مختلف الشواطئ القطرية للحفاظ على أعشاش السلاحف، وهو يواصل رصد عملية إطلاق السلاحف الصغيرة إلى البحر، كما يتتبّع حركتها عبر الأقمار الصناعية، لإحصاء العدد الذي يتمكن من مواصلة العيش منها.
ويضيف: "السلاحف البحرية تواجه أخطاراً متعددة من جراء التطور الصناعي والعمراني الذي يؤدي إلى تآكل السواحل في قطر، إضافة إلى حركة سير المركبات غير المنظّمة بالقرب من الشواطئ، وانتشار الملوّثات البلاستيكية، إذ تواجه السلاحف البحرية خطر النفوق نتيجة الاختناق في شباك الصيد، والتعثر بالملوثات البلاستيكية المُلقاة على الشواطئ، والهائمة في مياه البحر".
ويؤكد أنّ "السلحفاة تعود بشكل غريزي إلى تربتها الأولى لوضع بيوضها، والتلوث البيئي يؤدي إلى تغيّر التركيب الكيميائي لتربة الشواطئ، فلا تعرف السلحفاة تربتها، مما يدفعها إلى تغيير أماكن وضع البيوض. والانخفاض الكبير في أعداد السلاحف، وفي أعداد أعشاشها، يعود إلى وجود أخطاء في طريقة جمع البيانات، فعملية الإحصاء كانت في السابق تُجرى على أيدي أشخاص غير مؤهلين للتعامل مع الأعشاش، ومن لا يمتلك الخبرة سيظن أن أيّ حفرة على الشاطئ تحتوي بيوض السلاحف، كما أن جمع البيوض بطريقة خاطئة يؤدي إلى قتل الجنين بداخلها، بينما يمكن اعتبار أرقام ما بعد عام 2018، أكثر دقة في تحديد أوضاع السلاحف البحرية في قطر، لأنها جُمعت بعد تدريب وتأهيل العاملين".
وعلى الرغم من نجاح فقس بيض السلاحف البحرية بنسبة 90 في المائة في عام 2020، بحسب جهاز التخطيط والإحصاء، إلّا أنّ نسبة بقاء السلاحف الصغيرة على قيد الحياة كانت ضعيفة، ومن بين كلّ مائة بيضة تضعها السلحفاة، يمكن أن تنجو سلحفاة صغيرة واحدة، أسباب ذلك متعددة، ومن بينها الأخطار المختلفة القائمة في الشواطئ، فضلاً عن تعرضها للافتراس من حيوانات أخرى أبرزها الغربان.
وحذر خبراء من تعرض قطر بحلول عام 2100 إلى خطر تحول العدد الأكبر من سلاحف منقار الصقر البحرية إلى إناث، وهذا النوع من السلاحف تشكّل الغالبية العظمى من السلاحف البحرية في الشواطئ القطرية، إذ إن جنس السلحفاة يتحدد حسب درجة الحرارة، والسلاحف معرضة حالياً لتغيّر المناخ الذي يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة عن المعدلات المعتادة.
ويؤكد العلماء أن التأنيث الكبير المتوقع لفراخ السلاحف البحرية في قطر يعني أنّ مناطق التعشيش ستحتاج إلى توفير ما يكفي من الذكور للحفاظ عليها من الانقراض، بغض النظر عن نسبة نجاح عملية التفقيس.
ويقول أستاذ علوم البحار في جامعة قطر، رضوان بن حمادو، إنّ "تغيّر المناخ يؤثر على النظم البيولوجية للسلاحف البحرية، مما يزيد من خطر انقراضها، إذ يؤدي تغيّر المناخ إلى زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في مياه البحر، مما يرفع درجة حموضتها، ويجعل الهيكل العظمي الخارجي للبيوض، وللسلاحف، هشّاً لا يمكنه حمايتها".
ويضيف أنّ ارتفاع درجة حرارة الجو يزيد من ارتفاع درجة حرارة المياه، مما يؤدي إلى تغيير طبيعة الأماكن المناسبة للسلاحف البحرية، ويعرّضها نقل مسكنها الطبيعي إلى عقبات عدة، خصوصاً عندما يكون المكان المناسب حسب درجة حرارته يمثل خطراً على حياتها نتيجة التمدد العمراني على الشواطئ، والسلوك البشري يفرض ضغوطاً كبيرة على الطبيعة، فالكائنات البحرية لا تنقرض بسبب التغير المناخي فقط، بل نتيجة الضغوط البيئية والتدخلات البشرية أيضاً، والتي تضعف من قدرة الكائنات على التحمل، وبالتالي من قدرتها على النجاة".
ويشدد بن حمادو على ضرورة حماية السلاحف البحرية من الانقراض، قائلاً إن "انقراض أي كائن في البيئة البحرية يعرّض النظام البيئي البحري للانهيار نتيجة اختلال توازنه، إذ لا يستطيع النظام البيئي التأقلم في ظل غياب أحد عناصره".
ويقول جاسم الخياط إنّ "مهمة مشروع حماية السلاحف هي محاولة دعم قدرتها على البقاء، فالسلاحف البحرية ما زالت معرضة لخطر الانقراض رغم كل الجهود المبذولة، ونحتاج إلى زيادة الوعي بأهمية مكونات البيئة، ودور زوّار الشواطئ في تحمل مسؤولية حماية السلاحف عن طريق عدم تلويث بيئتها، ويمكن أن يجري ذلك عبر تنظيم الزيارات إلى مواقع التعشيش".
ويرى تيري ليساليس أن "تجربة مراقبة فراخ السلاحف البحرية أمر رائع، وكل من جرّبها يشعر بالسعادة عند رؤية السلاحف الصغيرة تتحرك على الرمال باتجاه المياه، ويجعلهم ذلك يدركون أهمية ما إذا كانت تلك الفراخ ستتمكن من النجاة، وهل ستعود إلى الشاطئ ذاته باعتباره أرضها الأولى. نحاول إقناع الأشخاص المشاركين في تلك الرحلات بأهمية حماية السلاحف البحرية من الانقراض، والغالبية تتفهم دورها، وتمارسه لاحقاً".