بيدين هزيلتين وأوصال ضعيفة يتمسّك أحد الأطفال الناجين من قصف النظام السوري بجسد مسعفه، يستكين برأسه على كتفه كمن وصل إلى بر الأمان ينسدل جفناه بتعب على عينين أعيتهما أضواء القذائف، ويرتخي جسده كمن استسلم للراحة، بينما يضعه مسعفه في مكانه المخصص ويمضي للبحث عن جريح آخر يمكن إنقاذه، بعد موجة قصف مكثفة طالت قرى وبلدات ريفي إدلب وحلب المتاخمة لقوات النظام السوري.
الصورة قد تختصر الحكاية، وتمنحك مقارنة بين الجلاد والضحية، فقذائف وصواريخ النظام السوري لم توفر طفلاً ولا امرأة، عبر استهداف المراكز الحيوية والمدن المكتظة بالسكان، وهو ما أرهق القطاع الصحي الذي يعاني أساساً من عجز كبير يمنعه من تقديم خدماته لجميع سكان المنطقة.
يقول خالد العبد الله، وهو مسعف ميداني لـ"العربي الجديد"، إن مهمته نقل الجرحى من مكان إصابتهم إلى المستشفيات القريبة، لكنه بات يعاني مؤخراً من مسألة اختيار المستشفى الأقل ازدحاماً، ففي حالات الضغط الشديد قد يعجز أحد المشافي عن استقبال أي حالة إضافية، ما يضطر طاقم الإسعاف للبحث عن مستشفى آخر وهو ما يقلل فرص النجاة لأصحاب الإصابات الخطيرة.
ويتابع العبد الله: القطاع الطبي متعب، نتيجة قلة الدعم والعجز عن ترميم النواقص، إذ ما لبث القطاع الصحي أن تعافى من كارثة الزلزال، حتى بدأت قوات النظام السوري حملة على قرى جبل الزاوية، وما إن توقفت حملة جبل الزاوية حتى جدد النظام حملته الأخيرة، والتي تميزت عن سابقاتها بتوسع رقعتها الجغرافية، وهو ما شغل العدد الأكبر من مستشفيات المنطقة في وقت واحد.
من ناحيتها، أعلنت مديرية صحة إدلب عن إيقاف استقبال الحالات الباردة ضمن المشافي، وتفرغ تلك المشافي لاستقبال جرحى الإصابات الحربية، وهو ما يعكس ضعف الواقع الطبي في المنطقة، كما أصدرت المديرية بياناً طالبت فيه بضرورة توجه الأهالي لمراكز بنك الدم، بهدف التبرع بالدم نتيجة الحاجة المستمرة لمختلف الزمر.
وفي سياق منفصل، لا ينعم الأهالي المقيمون في المناطق المستهدفة بالحد الأدنى من الخدمات، فالضغط النفسي الذي تعيشه العائلات التي لا تزال متمسكة بمنازلها يضاف إليه ضغط من نوع آخر، فمرض الطفل أو الزوجة أو الأب سيفاقم مشكلة هؤلاء الأهالي، بحسب حسين العمر والمقيم في مدينة إدلب، والذي قال لـ"العربي الجديد" إنه بات يحرص على أطفاله بشكل مضاعف، ويجبرهم على الامتناع عن أي لعبة قد تكون عنيفة خوفاً من أن تشكل خطراً عليهم، لأنه يعلم أن مسألة العثور على طبيب لن تكون سهلة في هذه الظروف.
ووثق الدفاع المدني السوري، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، مقتل 32 مدنياً من بينهم 10 أطفال وأربعة نساء، إضافة لإصابة أكثر من 167 جريحاً نصفهم من الأطفال والنساء، منذ بدء الحملة التي تشنها قوات النظام وروسيا على قرى وبلدات شمال غرب سورية.