مع ساعات الصباح الأولى من أحد أيام شهر مارس/ آذار الماضي، استيقظ سكان قرية "جحر الديك" جنوبي مدينة غزة، على روائح كريهة نتجت من إحراق نفايات في المكب الخاص بالمدينة. لم يكن هذا الحريق هو الأول في المكب خلال العام الحالي، وربما لن يكون الأخير، على الرغم من عشرات الشكاوى.
تعتبر القرية بين الأكثر خطورة كونها محاذية للسلك الفاصل الشرقي مع الاحتلال الإسرائيلي، وتعرض سكانها، ومن بينهم مزارعون، لانتهاكات كثيرة ارتكبت في حقهم خلال السنوات السابقة لتشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع، علماً انها تصنّف بين الأكثر خطورة أمنياً خلال كل عدوان إسرائيلي، كما تتحوّل إلى نقطة بيئية كريهة وخطرة أحياناً.
ويلاحظ عماد البدوي (60 سنة) الذي يقيم منذ ثلاثين عاماً في القرية تزايد كميات النفايات فيها سنوياً، وصولاً إلى تشكيل تلال كبيرة. ورغم أن موقع المكب بعيد عن المساكن والعمارات تصل الروائح الكريهة المنبعثة إلى منازل القرية، وتنتشر في الشوارع لدى ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، وكذلك مع تزايد هطول أمطار الشتاء.
ويتحدث البدوي عن أن سلطات القطاع تعتبر القرية منطقة مهمشة، ما يجعلها لا تلبّي بعض طلبات سكان القرية التي تشمل تحسين أوضاع بعض الشوارع، ووقف نقل النفايات وحرقها، وكذلك منع تسلل عاملين يبحثون عن أدوات لإعادة تدويرها وبيعها، والذين ينثرون نفايات في المنطقة.
ويشرح أن سكان القرية عالقون بين نيران الاحتلال والمخاطر الأمنية وتهديدات طائرات الاستطلاع التي لا تغيب عن سمائها، وكذلك بين تنفس روائح النفايات الكريهة ودخان عمليات الحرق الدائمة. ويقول: "لا يمرّ شهر من دون حصول حريق في المكب تقف خلفه جهات غير معلومة، وأحياناً السلطات المحلية. وفي كل الأحوال يتعرض سكان القرية وحدهم للضرر، وتتأثر البيئة المحيطة بهم والمزروعات التي يسوّق قسم كبير منها محلياً".
وتناشد عريفة أبو حجر (45 سنة) المسؤولين، في اتصالات متكررة تجريها بعدد من البرامج الإذاعية الصباحية وقف عمليات الحرق في مكب النفايات، ووقف تسلل الناس الذين يحرقون معادن لإعادة بيعها، والتحقق من أسباب تزايد الحرائق منذ بداية العام الحالي، ما يفاقم شعور الناس بالانزعاج، ويحرمهم من بيئة سليمة للتنفس طوال أيام السنة. وتقول أبو حجر لـ "العربي الجديد": "تزداد كميات القمامة كثيراً، وحين نشاهد تزايد أكوام وجبال القمامة عندما نتجول على حدود القرية نعرف أن حريقاً سيحدث في وقت قريب، وأننا سنتعرض لأذى. أما الناس الذين يتسللون إلى المكب فيحرقون النفايات لأن الفقر اشتد عليهم ويحاولون البحث عن لقمة عيشهم. كذلك اندلعت حرائق عدة بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي المكبّ، وهكذا يتأذى سكان القرية من الجميع".
وفي الثاني في مارس، شهدت القرية انبعاث دخان غير طبيعي وانتشاره بسرعة بسبب حريق اندلع في المكب، في حين لم تحدد الجهة المسؤولة عن الواقعة، ونجحت طواقم الدفاع المدني في غزة في السيطرة على النيران، لكن بعد يومين من اندلاع الحريق، أي في الرابع من مارس.
ويقول مساعد المدير العام لشؤون المياه والبيئة في بلدية غزة، أنور الجندي، لـ"العربي الجديد"، إن "اندلاع الحرائق يرتبط أحياناً بإطلاق الاحتلال الإسرائيلي النار في اتجاه المكب لتمشيط المنطقة الحدودية، وتسهيل عمليات الرقابة الأمنية، ويبذل مسؤولو الرقابة داخل غزة جهوداً كبيرة لضبط الأحوال، ومنع حدوث الحرائق كي لا تلحق الأذى بالناس".
وتشير بيانات سلطة جودة البيئة في قطاع غزة إلى أن مكب قرية حجر الديك مخصص لنفايات نصف سكان قطاع غزة تقريباً، ويستقبل يوميا 1200 طن من النفايات، وتبلغ مساحته 220 دونماً تقريباً.
ويقول الجندي: "يعيش قطاع غزة أزمة بيئية في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي، وعدم وجود منافذ لتحسين الواقع الصحي، خصوصاً في قطاع النفايات. النيران التي تشتعل في النفايات تفرز غازات خطيرة، مثل أكاسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسيد الكربون والديكسون، وجميعها تؤثر على صحة السكان، لا سيما من يعانون من أمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو، فضلاً عن الأمراض البيئية الأخرى، والخطر على سلامة التربة وجودة الهواء".